رسول الله.. كان كفاحك النبويُّ متصل المراحل.. لا مهادنة ولا هدنة.. فمن (بدر) إلي (أحد) إلي (الأحزاب).. تدفعهم عن البلد الذي أسكنت فيه الذكر والسنَّة. إلي غزواتك الأخري.. تحاصر (خيبرا) و(بني قريظة) و(النضير) و(قينقاع).. تضرب البغضاء في أوكارها.. وتطارد المتربصين بشعلة الحب المقدس في (حنين) وفي (تبوك).. وتستمر مقاتلا صلبا تدافع سيدي عن نفحة الرحمن في الانسان.. متجها له.. مستمطرا عونه. فمن حرب إلي حرب.. تسير مع الصحابة في الرقاع علي حصي كالجمر.. جوعي أغلب الأحيان.. عطشي.. متعبين.. تواصلون الحرب.. وهي لمن يخوض غمارها محنة. ولم تقعد رسول الله عن جهد الرسالة.. لم يقل أحد الصحابة: رح وربك قاتلا.. إنَّا هنالك قاعدون بيثرب.. ففؤادك النبوي تحت ضلوعهم داق يوزع في وجيب قلوبهم لحنه. ولم تقعد رسول الله عن قدر النبوة منذ جاءك في (حراء) الوحي.. أخبرك (ابن نوفل) ان قومك مخرجوك.. فقلت: هل هم مخرجي.. وكان ان صفوا الصفوف أمام بيتك ذات ليل حاقد.. شهروا لكل قبيلة سيفا.. وكل فتي يمني كفره بإصابة الطعنة. فأغشاهم رسول الله.. حين حثا التراب علي رؤوسهم.. ومر كما الملائكة الشفيفة بينهم مرا.. وكل رافع يده.. وكل مشرع عينه. وكانت هجرة لله.. قال صديقه: أخشي رسول الله لو أحد أطل يراك.. قال محمد: ما بالنا والله ثالثنا.. وحاك العنكبوت نسيجه.. والبيض حطته الحمامة دون باب الغار.. والكفار يقدح كفرهم ذهنه. رسول الله.. كان كفاحك النبوي متصلا.. فمنذ البعث كان عليك عبء لو تفرق فوق أهل الأرض أجمعهم لروعهم.. ولكن هل لشمس الله إلا أن تكون الشمس.. كنت الشمس.. صار علي الضلالة ان تواجه ركبك الماضي إليها.. تدفع النور الذي فجرا علي ظلماتها شنه. وكان علي حصون الجاهلية ان ترد الحتف عن (هبل) المصالح.. عن تحالف أمنيات (اللات) و(العزي).. وعن ملكوتها السفلي.. مجتمع الشياطين الغبية.. ضد غرس الله في الانسان.. والفرقان.. والفطنة. وكان أمام جحفلهم رجالك يارسول الله معدودين.. مثل براعم نبتت بأول موسم الايمان.. رحت تذيقهم سرا بدار الأرقم الموعودة الجدران من شهد السما.. وفواكه الجنة. إلي أن شاء رب الكون ان ينداح عطر الزهر عن أوراقه عبقا جميلا يمتطي فرس النسيم.. ومهرة الريح الولود.. ومركبات فضا الأثير.. لكي يعطر بالهدي كونه.. وهاج الباطل الملعون.. هاجت في دماء الباطل اللعنة. فشن الحرب.. حرب البغض ضد الحب.. كنت (محمد) حبا.. أتوك مهددين فقلت ما معناه: لو كانت يميني الشمس.. أو في يساري البدر كان.. لما تركت الأمر حتي النصر أو حتي الشهادة.. ثم كانت هجرة لله من أرض الأذي والظلم والفتنة. إلي ان عدت للأرض التي منها خرجت لكي تحطم كل أصنام الهوي والشرك والطاغوت.. والدنيا تطل عليك ملء عصورها في الأرض ممتنة. وتخطب في وداع الناس توصيهم: أتم الله نعمته عليكم.. ينصتون.. وينصت التاريخ.. يملأ دمعه جفنه. ويهمي الدمع مرتعشا علي الوجنة.
لعزك يارسول الله.. اهرب من سنين العمر.. تتبعني.. فمن درب إلي درب تطاردني بآثامي. إليك شكايتي وشكاية الأيام مني.. دون بابك يارسول الله أخلع ما قرأت من الكراريس الهزيلة مثلما نعل.. وأنزع قبعات الكتب عن هامي. أحط وصاية الأسماء عن عقلي المغيب في طلاسمها.. انكس كل أعلامي. أحطم كل أصنامي. ببابك يارسول الله أحرق كل أوراقي.. وأقصف كل أقلامي. وأبسط راحتي صفرا كبيرا سيدي طاشت حساباتي وأرقامي. ببابك يارسول الله جئت مسلما عقلا.. ووجدانا.. وأفراحا.. وأحزانا.. فهل أرتد طفلا.. أستعيد براءتي الأولي.. وأشفي من أسي روحي وأسقامي. لعزك يارسول الله أشكو ذلتي وهوان أيامي. فعزك يارسول الله ملتجئي اذا ضلت علي الطرقات أقدامي.