سافر ليعمل فكانت تشتاق إليه ويدفعها شوقها لأن تكتب له خطابات يومية تؤرخها وترسلها، تحدثه فيها عن يومها مع صغارها، تصف له مشاعرها الملتهبة وحنينها، وتحكي عن تفاصيل اليوم وأحوال الأطفال بالمدرسة وكيف يمضي عملها كمدرسة معهم، هذا منوال حياتها، الغريب أنها لم تتسلم منه إلا رسالة واحدة كان قد كتبها في إحدي سفرياته لم تزد عن فقرة صغيرة متضمنة السلام عن صحتها والأولاد والأهل، كان تفسيرها أن بعض الرجال لا يجيدون كتابة الخطابات، وهذا يعد حكما وتفسيرا خاطئا كله قصور في الرؤية؛ لأنها كانت تكتب صفحات مطولة تعبر بها عما بداخلها من مشاعر وأحاسيس مرهفة..أما من لايوجد بداخله شيء فلن يكتب حرفا لأن فاقد الشيء لا يعطيه.. من أين يأتي به حتي لو حاول استحضار صورة لأي موقف سابق فستكون باهتة باردة، وكانت اتصالاته التليفونية أسبوعية كلامه بها تلغرافي لا يحتوي إلا السلام والسؤال العادي، لم تسمع كلمة تعبر عن الحب أو لهفة، لم تعترض، قبلت بالأمر الواقع وكانت تتألم وتتعجب في صمت، ولم تسعفها خبرتها الحياتية بأكثر من ذلك، ظلت سنوات تأمل أن تسمع ما تصبو إليه، حتي جاء موعد إجازته السنويه واعتذر عن عدم مجيئه لأن زميلا له سيتزوج وسيبقي هو بدلا منه فاقترحت أن تسافر إليه والأولاد، وبعد وصولهم بساعات وانتهائها من بعض المهام سألته أين أضع شنط السفر التي أفرغتها، رد يوجد حمام صغير أضع به الزيادات حتي أتخلص منها، حملت الشنط ووضعتها بالمكان المظلم شديد الضيق وفجأه وأثناء مغادرتها المكان شعرت بكومة من الأوراق تعوق حركتها أضاءت النور وأمسكت ببعض منها، كانت خطاباتها التي كتبتها بدموع الشوق وحرقة الحب، جرت إليه سائلة من ألقي بها هناك أجابها ببرود وهدوء يحسد عليه، لم تنطق بحرف، لملمت كل الأوراق ومزقتها ورمتها أمامه، لم يتأثر ولم يعلق وكأن الأمر لا يعنيه، ولحظتها قررت عدم الكتابة له مهما طال بهما العمر، وكم تمنت لو أدركت الحقيقة وخبرتها بدلا من عمي العين والقلب وانقيادها وراء حب من طرف واحد محكوم عليه منذ بدايته لنهايته بالفشل، فالحب والزواج والصداقة علاقات لا تستقيم إلا بالتقاء طرفي العلاقة تفاهما وودا.