في فترة وجيزة قهروا المستحيل.. صنعوا الأمل من جديد.. احتضنتهم أم الدنيا، فكانت الوطن الثاني لهم بل الأول في بعض الاحيان.. ودعوا آلام الماضي ومعاناة الحروب وبدأو في شق طريقهم حتي صاروا من أصحاب المال والأعمال في مصر.. انشأوا المقاهي والمطاعم والمصانع ودارت الآلة معهم حتي أقبل المصريون علي منتجاتهم.. انهم اللاجئون الذين يبلغ عددهم أكثر من 186 ألف لاجئ يعيشون في جيع انحاء الجمهورية.. شمروا عن سواعدهم ورفعوا شعار »الشغل اولا» بدأو بالقليل إلي ان أصبحوا ملاكاً في بلدهم الثانية مصر.. »الأخبار» ترصد قصص نجاح بعض من اللاجئين في السطور القادمة. من مدينة السادس من أكتوبر قابلنا أبو فارس محمد، 30 عاماً ، اردني الجنسية، يعمل بمجال تصنيع وتوزيع المنتجات الغذائية بمصر منذ ما يقرب من العشر سنوات ، مفضلا مجال التجارة بالرغم من دراسته لهندسة الاتصالات حتي أصبح لديه معمل خاص لتصنيع الحلاوة الطحينية والزيتون المخلل، ويتعامل مع العشرات من التجار بمختلف أنحاء الجمهورية. بدأ أبو فارس حديثه معنا قائلاً » قدمت إلي مصر لدراسة الهندسة ومن أجل توفير مصاريف الجامعة والسكن تنقلت بين المهن والحرف المختلفة خلال سنوات الدراسة ، حتي استقر بي الأمر إلي دخول مجال تجارة المواد الغذائية، والتي امتهنتها بعد تخرجي عقب فشلي في إيجاد فرصة عمل بالهندسة ، واستطعت خلال عدة سنوات الزواج والاستقرار بمصر لتوسيع تجارتي» نظرة المجتمع ويضيف لنا أبو فارس أنه منذ دخوله مجال المواد الغذائية أصر علي توسعة المجال وعدم اقتصاره علي استيراد المنتجات واعادة توزيعها، ففكر في الزيتون المصري وافتتح معملا لتصنيع المخللات ، بجانب معمل لتصنيع الحلاوة الطحينية ، وخلال هذه الفترة فتح مجالا للعديد من الشباب للعمل معه إلا أن هناك من رفضوا العمل في التجارة سواء داخل المعامل أو بمجال التعبئة مبررين أن حصولهم علي شهادة جامعية لا تليق بمستوي العمل وانهم لن يتحملوا نظرات المجتمع لهم بعد ان حصلو علي شهادات عالية ولم يستطيعوا الحصول علي وظيفة مرموقة من خلالها، إلا أنه اوضح ان هناك من قبل العمل معه من مختلف الجنسيات سواء مصريين أو سوريين او عراقيين ، مشيرا إلي أن مجال التجارة بمصر مربح لكنه في حاجة إلي نفس طويل وطموح كبير وعدم الاكتفاء بنفس المستوي علي مر السنوات. أبناء العراقية ومن جانب آخر قابلنا عبدالرحمن سمير، عراقي الجنسية، والذي استطاع خلال عدة سنوات ان يجعل لاسم » ابناء العراقية» مكانا وسط المطاعم بأحد أشهر ميادين المدينة، ويوضح لنا عبد الرحمن والملقب ب »أبو عدي» أنه قدم إلي مصر منذ 14 عاماً مع اسرته بهدف السياحة إلا ان اوضاع العراق اضطرتهم إلي الاستقرار بمصر، وخلال خمس سنوات تنقل ابو عدي ما بين العمل بالنجارة والسمكرة إلي الجزارة والموبيليا ، حتي استقر به الأمر منذ 9 سنوات إلي افتتاح مطعم »فول وفلافل عراقي». صنايعي ماهر وأضاف ابوعدي ان السوق المصري الآن في حاجة إلي »صنايعي ماهر» أكثر من حاجته لموظفين ، والشاب الذي يفكر بشكل صحيح هو من سيبحث عن مهنة او حرفة لتعلمها ثم اتقانها علي مر السنوات ، وهو أمر لا يعد صعبا ، فالعمل أفضل من انتظار فرج الوظيفة او الجلوس طوال اليوم علي المقاهي، موضحا أن الإقبال علي مطعمه كثيف إلا أنه يعاني من قلة في العمالة مما دفعه إلي طلب عمالة اكثر من مرة لكنه لا يجد قبولا من الشباب ، فأصبح يعمل بيده مع العاملين لديه بدلا من التفرغ للادارة مشيرا إلي ان علي الشباب التفكير في مثل هذه المشروعات بدلا من السفر للعمل بمهن كان من الممكن وبسهولة الحصول عليها بمصر. المهندس الكاشير أما أبو هادي أحمد 47 عاما ، مهندس معماري سوري ، آل به الحال إلي العمل » كاشير» في إحدي المكتبات الكبيرة ، ليستطيع توفير مصاريف اسرته ودراسة اولاده ، سألناه عن سبب عمله في المكتبة بالرغم من امتلاكه خبرة في مجال الهندسة فأوضح قائلاً » العمل لا يفرق بين صاحب الشهادة او الأمي فمن اراد العمل فسيبحث عن افضل فرصة له ، ومنذ قدومي لمصر حاولت العمل بأقرب مجال للهندسة وهي الكهرباء والصيانة وبالفعل تنقلت بين الورش إلا ان الحال جلبني لهذه المكتبة للعمل بها نظرا لاستقرار مواعيد العمل فيتيح لي فرصة جيدة للتواجد مع اسرتي». واضاف ابو هادي قائلاً » انا حزين لما اسمعه الآن من جمل الاحباط التي اصبح الشباب يرددونها هذة الأيام ، ولو تجولنا بالشوارع للاحظنا أن معظم من يعمل الآن هم من تعدي عمرهم ال35 عاماً ، لانهم من تربوا علي مبدأ »عرق الجبين» كما يقول المصريون ، اما الشباب فأصبح يتحجج بسوء الحالة الاقتصادية لمصر. سمكري العرب وخلال تجولنا صادفنا خالد السمحي، رجل في العقد الخامس من العمر، منهمك في عمله علي إحدي السيارات دون توقف، يبدو من ملامحه انه ليس مصري الجنسية فاقتربنا منه للتعرف علي قصته ، فتحدث قائلاً »عملت بسوريا كسمكري سيارات منذ أن كنت طفلا صغيرا، ومنذ خمس سنوات استقريت بمصر مع اسرتي المكونة من 3 صبية وفتاة واحدة، وخلال عام كامل تنقلت بين الورش محاولا إيجاد فرصة عمل مناسبة ، حتي وجدت ورشة كان صاحبها يبحث عن حرفي ماهر لادارتها ، فعرضت عليه ان يختبرني وبالفعل استقريت في العمل معه منذ 4 سنوات حتي اطلق الجميع علي »سمكري العرب». المعافرة في الحياة واشار السمحي ان من اراد العمل سيعافر في الحياة إلا ان هذة القيم والمبادئ لا تجد بين الجيل الجديد من الشباب مكانا ، فالكثير منهم يريد وظيفة مريحة بجهاز كمبيوتر ومكتب نظيف ، وراتب شهري يكفيه ويكفي اسرته ، وبمجرد حصوله علي الشهادة الجامعية يشعر وكأنه ادي رسالته في الحياة وستتكلل بالعمل المريح ، ولكنه لم يع ما ذكره الله في كتابه قائلا » ولقد خلقنا الإنسان في كبد»، واضاف انه بالرغم من مهنته الا ان اولاده وزوجته فخورون به ، فخروجه للعمل يوميا أفضل بكثير من بقاؤه بالمنزل دون العمل ، او الاعتماد علي عمل زوجته والاكتفاء براتبها لفتح المنزل وشراء احتياجاته. رفضوا الميري ليس معني هذا العرض لنماذج ناجحة للشباب العربي في مصر ان كل شباب مصر ينتظرون الوظيفة الميري ويرفضون ماعداها فقد أكد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في آخر تقرير له أن عدد المشتغلين ممن يعملون لحسابهم ولا يستخدمون أحدا بلغ 3.4 مليون مشتغل خلال الربع الأول من عام 2016 بنسبة 13.8% من إجمالي المشتغلين بالدولة ومن هؤلاء قابلت الأخبار عددا من النماذج التي استطاعت النجاح دون الإعتماد علي التعيين الحكومي او العمل في إحدي الشركات الخاصة. تقول لنا ضحي مصطفي محمود، 27 سنة، خريجة كلية الفنون الجميلة قسم الجرافيك، انه بالرغم من حصولها علي ترتيب بدفعتها مما يعني احقيتها في التعيين ضمن العشرة الأوائل إلا ان ذلك لم يتحقق لظروف غير معلومة، لذا قررت منذ تخرجها عام 2011 ان تبحث عن عمل لها فتقدمت لعدة شركات واجرت عددا من المقابلات لكن دون جدوي فظروف البلاد حينها لم تتح لها العمل المستقر. وأضافت ضحي قائلة » أدركت سريعا ان الأمل في وظيفة حكومية بعيد المنال، لذا قررت الإعتماد علي مجال دراستي وتنمية مهاراتي به فافتتحت مشروعا منزليا لبيع الإكسسوارات إلا انه فشل سريعا نظرا لصعوبة التسويق، وعقب ذلك تقدمت لإحدي شركات الغزل والنسيج والتي انضممت بها لقسم تصميم الأزياء المرتبط بمجال دراستي مباشرة فعملت لديهم لمدة عام ، ثم بدأت الشركة في الإنهيار عقب تولي محمد مرسي الحكم ، وتم إغلاق قسم التصميم واقتصر الإعتماد علي التصميمات القديمة او الملابس المستوردة». ولم يقف الحال عند ذلك الحد فتشير ضحي إلي انها اتجهت للبحث عن عمل كمدرسة »تربية فنية» في إحدي المدارس وبالفعل استمرت في العمل كمدرسة لمدة قاربت من العام تمكنت خلالها من الإلتحاق بالدراسات العليا بكليتها. وتؤكد ضحي انه عقب تركها للعمل بالمدرسة اتجهت للعمل الحر بالرغم من صعوبته نظرا لعدم استقرار المواعيد والخوف من التوقف فجأة إلا انها جازفت بسبب المتعة التي تجدها في الحصول علي مردود مادي في شئ اجتهدت لتنفيذه ، فعملت في أماكن خاصة لتعليم الرسم للأطفال والكبار حتي أثبتت مهارتها وتفوقها علي غيرها في هذا المجال، وتوضح أن اعتمادها علي التفكير خارج الصندوق والبعد عن الوظيفة الحكومية خاصة بعد رفضها للتعيين ضمن ابناء العاملين كخليفة لوالدها كان من اكثر الأسباب في اعانتها في تنمية مهاراتها وإفادة غيرها في نفس الوقت مشيرة إلي انها انضمت إلي فريق ورشة العلاج بالفن بمستشفي 57357 وذلك لتعليم الأطفال ومساعدتهم علي تخطي المرض مما يشعرها بأنها استفادت مما تعلمته في نفع الغير. وكما يقول المثل الشهير »مجبر اخاك لا بطل» اُجبر محمد نادر، 32 عاماً ، علي العمل ك »صبي ترزي» بالرغم من تخرجه من كلية الآداب قسم الإعلام ، وسعيه لسنوات طويله للعمل كمدرس »صحافة» في المدارس ، إلا ان الظروف اضطرته إلي قبول ذلك العمل بدلاً من الجلوس علي أحد المقاهي والإعتماد علي والده في مصاريفه الشخصية. ويضيف محمد قائلاً » قبلت هذا العمل بعد محاولات فاشلة للحاق بالوظائف الحكومية إلا أنني وخلال سنوات قليلة آمنت بموهبتي وعقدت العزم علي التميز في هذه المهنة فأستغللت معرفتي الجيدة بالتكنولوجيا لحضور دورات في الأزياء والتصميم بعدد من المواقع الالكترونية المختلفة والمتميزة في هذا المجال». شهرة واسعة وخلال سنوات قليلة تمكن محمد من شراء أول ماكينة خاصة به في المنزل ولم تمر عدة أشهر حتي افتتح متجرا خاصا به ، إلا انه جعله علي مستوي متميز خاصة بعد ان صقل مهاراته بأدوات وتكنولوجيا حديثة ليصمم الازياء بمستوي عال ، وأصبحت طالبات الجامعة والطبيبات والمهندسات من أبرز زبائنه ، وأوضح محمد انه تحول لعاشق لهذه المهنة بعد ان كان مجبرا عليها من سنوات بسيطة.وفي النهاية يشير محمد إلي انه عقب كل هذه السنوات استلم خطابا بالموافقة علي تعيينه في إحدي المدارس الحكومية إلا أنه رفض الوظيفة واكمل في مجاله ك »مصمم أزياء» ، مؤكدا ان الشباب يجد البطالة »شماعة» ليعلق عليه كسله وان من يريد العمل »سينحت بالصخر». شباب مجازف يشير لنا الدكتور حامد الهادي، استاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، أن هناك قطاعا عريضا من الشباب في المجتمع المصري لا تشكل له البطالة اية مشكلة لما يتميز به من حب للمجازفة والإبتكار وإكتشاف كل ما هو جديد، موضحاً ان هذا القطاع هو من يقتنص فرص العمل في اي مكان سواء كانت داخل مدينته او خارجها ، بعيدا عن انتظار الوظائف الحكومية حتي وان دفعته ظروف العمل للانتقال للصعيد أو سيناء التي تتوافر بها فرص عمل مع ندرة العمالة، فهو يعي معني العمل وكيفية توفير مصدر دخل من مهاراته الخاصة. ثقافة مجتمع وعلي النقيض يوضح لنا الهادي ان من يتعلل بالبطالة هو الشباب الذي تربي علي ثقافة المجتمع التقليدي الذي نشأ علي فكرة الارتباط بالمكان والعائلة موضحا ان هذه الثقافة مورثة للعمل الحكومي الرسمي الذي يؤمن الإستقرار والمعاش الآمن ، إلا ان هذه الفئة من الشباب ليس لديهم شعور ان الدولة تحولت من النظام القديم المعتمد علي تعيينات الحكومة للمواطنين، إلي نظام العمل الخاص والحر. تغيير الرأي العام وأكد د. حامد الهادي أن علي جميع مؤسسات المجتمع التكاتف لتغيير هذه الثقافة التقليدية وعلي رأسها وسائل الإعلام والتي عليها ان تعمل بكل جدية لتعديل اتجاهات الرأي العام نحو ثقافة العمل الحر مشيراً إلي أن وسائل الاعلام لا تزكي هذا الأمر وأضاف ان من سلبيات عدم إستيعاب المجتمع لأهمية العمل الخاص والحرهو هروب طلبة المعاهد الصناعية والفنية من العمل في مجالهم كحرفيين مهرة مشيراً إلي أن معظم شركات التوظيف تقيم ملتقيات لتوفير فرص عمل بشركات عديدة إلا أن الشباب كعادته لا يصدق هذه الفعاليات ويفضل المكوث في المنزل منتظرا وظيفة الحكومة علي النزول للمجازفة والتجربة. هيئة مستقلة أما د. حمدي عرفة، خبيرالإدارة العامة والمحلية، فأكد أن الفترة الحالية تتطلب إنشاء هيئة مستقلة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة تتبع مباشرة رئيس مجلس الوزراء ، مبرراً أن المسئول عن هذه المشروعات حاليا هي كل من وزارة التنمية المحلية ووزارة الزراعة وللأسف فإن نسبة 90% من المستفيدين منها لايستفيدون بها سوي لتسديد ديون عليهم ، كما ان التنمية المحلية تمنح القروض لكنها لا تتابع سير العمل بها او تسويق المنتج ، ومن هنا فإن انشاء هيئة تتابع تخطيط المشروع وتراقب سير العمل به وتسويق المنتج سيكون خطوة هامة لتشجيع الشباب وفتح مجال جديد بعيدا عن الوظائف الحكومية. تدريب القيادات وشدد عرفة علي أهمية تدريب القيادات بالإدارات المحلية وعلي رأسهم وكلاء الوزارة علي التعامل مع القطاع الخاص وجذبه وتوفير فرص العمل به لشباب المحافظات المختلفة ، موضحا ان بعض هذه القيادات تعجز حتي اليوم عن إتاحة فرصة التواصل بين الشباب وبين شركات القطاع الخاص ، وان عملية التدريب لا تعد »عيبا» أو تقليلا من شأنهم. واضاف ان ذلك يرتبط بضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب داخل الادارات المحلية لأنه عادة ما يكون رئيس الحي مفتقد الخبرة في هذا المجال سواء بعقد مؤتمرات أو ندوات او استدعاء لجان من القطاع الخاص لإقامة حلقات نقاشية وفتح جسور اتصال بينها وبين الشباب. تشجيع الاستثمار وفي نفس السياق أشار عرفة إلي ان تشجيع الإستثمار لا بد ان يتحول من مجرد كلمة إلي فعل علي أرض الواقع، موضحا أن وزارة الاستثمارعليها ان تطبق اللامركزية الادارية والمالية للتسهيل علي المستثمرين، فكل مستثمر علي سبيل المثال يريد تخصيص قطعة ارض في إحدي المحافظات عليه ان يعود للوزارة أولا واخيرا وهو امر يعرقل فرص الإستثمار، كما علي بقية الوزارات التعامل معا لتسهيل فتح المصانع المغلقة والمتعثرة سواء بإيصال المرافق مجانا لعدة سنوات أو محاولة رفع الضرائب عنهم .