تقضي المرأة عمرها لتصنع الانجازات وتقدم التضحيات من أجل بناء حياة أولادها حتي يصلوا إلي بر الأمان ويكون ذلك غالبا بعد الخمسين إلا أنها تشعر وكأنها وصلت إلي نهاية العمر ولم يعد لها دور وأنها فقدت كل ما هو جميل في حياتها ويئست من مستقبلها وقد تصاب بالوحدة نتيجة فقدان شريك الحياة واستقلال أبنائها... تشير د. أمل رضوان استشاري العلاقات الأسرية وخبيرة التنمية البشرية إلي أن كل منا يمر بمراحل كثيرة في حياته وكل ما علينا أن نستمتع بكل مرحلة من مراحل حياتنا ونحتفظ بالجزء الإيجابي الموجود في كل مرحلة بداية من مرحلة الطفولة فنأخذ منها البراءة والمرح والنقاء ونحاول جاهدين أن نحتفظ بهذه الصفات ونكمل بها ما تبقي من عمرنا ثم ننتقل لمرحلة المراهقة فنأخذ منها الحيوية والنشاط والانطلاق ومرحلة الشباب والنضج واكتمال النضج بحيث إننا نسعي دائما إلي الاستفادة من كل مراحل حياتنا ونستمتع بها إلا أن كبار السن في مجتمعنا خصوصا الأم المصرية بصفتها أماً عظيمة فهي اعتادت علي العطاء والتضحية والتفاني مما يؤدي إلي إهمالها لحياتها الشخصية لذلك عندما تصل إلي مرحلة كبر السن وانشغال الأبناء بحياتهم الشخصية تبدأ بالشعور بالوحدة والفراغ لأنها كانت تدور في فلك الأسرة فقط لذلك يجب أن يكون لها منذ الصغر حياتها الشخصية واهتماماتها ولا يكون التركيز علي جانب واحد من حياتها مع إهمال باقي جوانب الحياة وذلك لا يتنافي مع مثالية وعظمة الأم ولكن يجب أن يكون هناك جانب خاص بها بأن يكون لها أصدقاء واهتمامات وهوايات وترفه عن نفسها لأن في أغلب الأحيان نجد المرأة بعد الزواج تسخر حياتها من أجل زوجها وأولادها وتنسي حياتها حتي تأتي في مرحلة عمرية متقدمة تشعر بالوحدة. لذلك يجب أن نلغي من ثقافتنا أن بعد الستين دور المرأة انتهي فطالما أعطي الله المرأة العمر فمن حقها أن تستمتع بحياتها فيجب النظر إلي هذه المرحلة بشكل مختلف فقد قلت المسئوليات مما يدفعها للاستمتاع بحياتها لذلك يجب أن يكون هناك توازن في حياتها في جميع الجوانب، الجانب الروحاني والاجتماعي والصحي والشخصي والأسري والمهني والمادي فإن أغلب المشكلات التي تواجه أغلب السيدات هي أنهم يركزون علي بعض هذه الجوانب ويهملون البعض الآخر. كما تؤكد د.أمل أن دور الإنسان لا ينتهي طالما مازال موجوداً في الحياة ولكن كلما كبر الفرد في السن أصبح دوره استشاريا أكثر وهذا لا يعني أن دوره قد انتهي، كما يجب علي المحيطين بالمرأة المسنة أن يتم دعمها نفسيا وبرها والرفق بها فهي بحاجة إلي الحب والاحتواء في هذه السن، كما قد تعاني أيضا الأم من كثرة التضحية من أجل أبنائها مما يجعلهم يتصفون بالأنانية في الكبر ولا يردون الجميل للأم المسنة لذلك علي الأم دور كبير في تربية أولادها علي العطاء المتبادل وكذلك بر الآباء للأجداد يخلق أبناء بارين بوالديهم، كما يجب علي الأم عند الكبر أن تدعم نفسها أيضا وأن تمارس أنشطة مختلفة ولو كانت بسيطة وخلق حالة إيجابية لحياتها والتفاعل مع الأقارب والأصدقاء. وكذلك علي الأبناء مراعاة احتياجاتها الوجدانية والنفسية من خلال استيعابها واحتوائها وعدم الابتعاد عنها والنفور منها وتوصيل شعور الجو الأسري حتي تشعر بالراحة والأمان. ويضيف د.عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر الشريف أن الله تعالي قال في كتابه العزيز » قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا» وقال تعالي » وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا» إلي آخر ما في القرآن الكريم من آيات تأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما بعد عبادته مباشرة لأن الوالدين هما سبب وجود الإنسان في هذه الحياة ويجب طاعتهما في كل شيء إلا إذا أمره بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما أن ابن عباس رضي الله عنه قال في قوله تعالي »ان اشكر لي ولوالديك» فقال من شكر الله ولم يشكر والديه لا يقبل منه والوالدين إذا ما تقدمت بهما السن هما في أمس الحاجة لوقوف أبنائهما بجوارهما حيث قال ربنا في قوله تعالي » إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما» بمعني أن الولد لا يظهر الضجر في وجه والديه لدرجة أن الله تعالي قال فلا تقل لهما إف ولو كانت هناك كلمة أقل من آلاف لقالها ربنا وتعالي وقد ورد في التوراة أن الله قال لموسي عليه السلام »يا موسي أن كلمة من العاق تزن جبال الأرض كلها، قال موسي يا رب من العاق؟ قال: الذي يقول لوالده لا لبيك » كما أن الأبناء مهما قدموا لوالديهم فلن يعطيهما حقهما وقال صلي الله عليه وسلم »الجنة تحت أقدام الأمهات» ولقد أوصي النبي صلاة الله عليه وسلم من جاءه سأل من أحق الناس بحق صحابتي قال أمك ثلاث مرات وفي المرة الرابعة قال ثم أبوك لأن الأم هي التي حملت وهي التي وضعت وهي التي أرضعت وهي التي سهرت الليالي فلم نعطها حقها بأي حال من الأحوال ولا يقتضي فضل البر بالوالدين حال حياتهما فقط وإنما بعد مماتهما أيضا فقد بين النبي صلي الله عليه وسلم أن من بر الرجل بوالديه أن يبر أصدقاء أبيه وأصدقاء أمه بعد مماتهما ويدعو لهما. كما يوضح د.عبد الحميد أن علي الزوج أن يعلم أن لزوجته حقاً ولأمه حقاً فحق الأم أنها ضيفة لديه وحق الزوجة أنها أمانة فلا يطغي حب أحدهما علي الآخر فإذا قامت الزوجة برعاية أم زوجها فهذا من كرم أخلاقها وسيعوضها الله حين تتقدم في السن ستجد من يرعاها هي أيضا وقد ورد أن امرأة بالغة من الجمال ما بلغت وجاء كل الشباب لخطبتها وكانت تعرض عليهم شرطا أنها لا دخل لها بأمه فوافقوا جميعا إلا أنه جاء شاب واشترطت عليه وقالت له لا دخل لي بأمك فقال لها وأنا لا أرغب فيكِ فتمسكت به وصممت علي أن يكون زوجا لها فقيل لها كيف ترضين بهذا الفقير الذي لا حول له ولا قوة ورفض شرطك فقالت هذا سيرزقه الله بولد يبرني كما هو بار بأمه الآن.