الانبهار بشوارع القاهرة الخديوية بطراز المعماري الفريد في كل شيء،قد يخفي عنك التفاصيل البسيطة أمام عظمة المباني، ويمشي المئات يوميا أمام أحد تلك العقارات بشارع يوسف الجندي ما بين ميدان الفلكي والمبني العملاق لوكالة انباء الشرق الأوسط، حيث كان يوجد تمثال حجري لامرأة حزينة إغريقية الملامح علي سور بلكونة شقة بالطابق الثاني، المؤكد أن معظمهم لا يسير ورأسه لاعلي ليري التمثال، والاكيد أن من استوقفه مشهد التمثال لم يجد الوقت الكافي ليسأل عن قصته، ومن النادر أن يلتفت أحد إلي أن ذلك التمثال كان يفتقد الذراع اليمني، وتعمد الفنان الذي نحته أن يكون كذلك ! أسئلة عديدة لم نحصل علي إجاباتها من أهل المنطقة،ولم يكن هناك مفر من الصعود إلي »شقة التمثال»، طرقنا الباب، وانتظرنا دقائق حتي سمعنا أصوات مفاتيح وأقفال يتم فتحها، وخرج علينا رجل في العقد الخامس من العمر طويل القامة، عريض المنكبين بحسب التعبير الذي نسمعه، شعر رأسه كثيف طويل قد أزاحه إلي ما وراء أذنيه، وذو بشرة وردية اللون، وبدا وكأنه سائح أجنبي يغلب عليه اليأس والحزن، وزادت عليهما علامات الدهشة والضيق وهو يسألنا بلهجة مصرية ركيكة: »من أنتم وعايزين أيه؟! »، ودخلنا في الموضوع مباشرة وقلنا له من نحن وطرحنا عليه سؤالنا عن »التمثال»، فزادت نظرات الدهشة والاستغراب وقال: هذا التمثال ملك لوالدي ممدوح عاشور الذي توفي منذ 30 سنة وكان يعمل نائبا إداريا بمحافظة القاهرة وكان من هواة جمع التحف والانتيكات ذو القيمة الفنية العالية،وكان لديه بجانب عمله جاليري لها.. وأنهب من جانبه الحوار الذي دار علي عتبة باب شقته والتي بدت لنا وكأنها مغارة للأنتيكات علي الأرض والحوائط وقد كساها غبار الزمن. دفعنا فضولنا لمعرفة قصة التمثال وتلك الشقة إلي مزيد من السؤال الذي انتهي بالعثور علي تليفون شقيق صاحب الشقة واسمه كما قال لنا ايهاب عاشور، والذي باح لنا عن بعض الأسرار تلك المرأة، فهو يعيش منذ عقود مع شقيقه وأمه في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد أن فقد الأب الكثير من ثروته بعد ثورة يوليو 1952، وأصبحت التحف والأنتيكات التي ورثوها عن أبيهم حبيسة غرفة داخل منزلهم يكسوها التراب، واضطروا في فترة لبيع الكثير منها برخص التراب بسبب سوء الأحوال المادية، وسألناه عن هذا التمثال الاغريقي الحزين، فأجابنا بأن والده كان يحب اقتناء التماثيل الفنية وخاصة تلك التي لها أسطورة من التاريخ الإغريقي، وكذلك اللوحات الفنية والتحف والانتيكات القديمة والعريقة كالشمعدانات الباهظة الثمن وقسم المنزل بحيث يقيم في جزء، فيما حول الجزء الثاني إلي جاليري يستقبل فيه الاجانب والعرب وأصحاب الذوق الرفيع لشراء مقتنياته التي يرغب في بيعها، وكان من بين ما جمعه تمثالان، وضعهما أعلي سور الشرفة الخارجية بالمنزل لجذب الانظار وخطف انتباه المارة، أحدهما تمثال من الحجر الجيري لسيدة حزينة مبتور إحدي ذراعيها والثاني لرجل يحمل الاحجار وتم بيعه لأحد السائحين، وحضر تلك اللحظة حيث كان موجودا وقتها بمصر لرؤية والده، وحكي احد الزبائن الاجانب لوالدي عن ذلك التمثال الاغريقي الغريب وسبب قطع ذراعه، وقال إن التمثال لأميرة إغريقية جميلة قام زوجها الملك الإغريقي بقطع ذراعها بسبب خيانتها له، وقرر والده عدم بيع هذا التمثال بأي ثمن علي الرغم من الاسعار المغرية التي تلقاها، ومازال في مكانه حتي الآن رغم رحيل الرجل عن الحياة منذ ثلاثين عاما.