»إذا أردنا إصلاح التعليم وتطويره.. فالبداية أن نعيد للتعليم قيمته وجدواه.. وأن يشعر الطالب وأهله بالعائد منه.. وأن نربط تطوير التعليم بالاصلاح الاقتصادي.. لأن المدرس المهموم ب »لقمة العيش» .. هو أخطر أعداء التطوير . هكذا بدأ د. أحمد دويدار الخبير الدولي في التعليم والتنمية وبناء القدرات حواره معي حول تطوير التعليم.. خاصة ونحن نستعد لمرحلة جديدة للتغيير والتطوير داخل وزارة التربية والتعليم بعد التعديل الوزاري الأخير.. ود. احمد دويدار هو أستاذ التنمية الدولية بكلية سنتانيال بتورونتو بكندا.. وخبير التعليم بالبنك الدولي والوكالة الكندية للتنمية الدولية سابقا. وفي هذا الحوار يطرح معنا توصياته لإصلاح حال التعليم في مصر.. وكيف ننجح في وضع خطة حقيقية مدروسة لتطوير التعليم.. وألا نفاجأ مثل كل مرة بأن التطوير لا يتعدي حذف وإضافة دروس من المناهج.. بلا فكر ولا رؤية ..تناسب ظروفنا وثقافتنا. • كيف يمكن أن يكون التعليم في مصر طريقنا لتحسين حياة المصريين رغم أن تقرير التنافسية العالمية وضع مصر في الترتيب قبل الأخير في مجال التعليم؟ - بداية يجب أن نعترف فعلا أن التعليم هو أهم طريق لتحسين حياة أي مجتمع.. لكننا في الوقت نفسه يجب أن ندرك أن تطوير التعليم لا يمكن أن يحدث وينجح بمعزل عن عوامل أخري.. أهمها العامل الاقتصادي.. فالنظرة للاصلاح والتطوير يجب أن تكون نظرة متكاملة.. وأهم عنصر في الاصلاح هو الاقتصاد.. وإذا نظرنا الي تقرير التنافسية العالمية 2016-2017الصادر من المنتدي الاقتصادي العالمي والذي يضع مصر في الترتيب 135/138في مجال جودة النظام التعليمي.. فإننا سنجد أن الدول الأعلي في التنافسية في التعليم هي أقوي الدول اقتصاديا.. وأكثرها تمتعا بالعدالة الاجتماعية. البيئة المحيطة • ما الأسس الأولي التي يجب مراعاتها ونحن نعد خطة التطوير.. حتي نضمن عدم مقاومتها؟ - أي نظام تعليم في العالم يشمل عدة عناصر هي: المنهج والمدرس والبيئة التعليمية وتقييم النتائج.... والتطوير يتطلب إيمان كل أعضاء المنظومة بالتطوير.. وأهم شئ أن تكون البيئة المحيطة بالمدرسة غير مقاومة للتغيير.. فما قيمة أن تضم المناهج كل القيم والسلوكيات التي نريد غرسها في الأجيال القادمة كالصدق والاجتهاد وعدم الغش وغيرها.. وأن يخلص المدرس في تدريس هذه القيم.. ثم يخرج الطالب إلي الحياة فيفاجأ بغياب مفهوم العدالة الاجتماعية..وأن كل ما درسه هو كلام نظري منفصل عن الواقع ..فالنجاح بالغش.. والوظائف بالواسطة.. والطبيب والمهندس والمدرس والمحامي.. بعد كل سنوات التعب الطويلة لا يجدون وظيفة مناسبة ولا راتبا يوفر لهم حياه كريمة. • والحل ؟ - أولا أن ندرك كما قلت أن الجانبين الاقتصادي والاجتماعي لهما علاقة قوية جدا بتطوير التعليم..وأن منظومة الاصلاح والتطوير يجب أن تشمل التعليم والاقتصاد معا..بمعني أن اصلاح التعليم يجب أن يواكبه اصلاحا اقتصاديا وعدالة اجتماعية.. حتي لا تكون البيئة المحيطة للمدرسة او الجامعة مقاومة لهذا التطوير.. فالمدرسة جزء من المجتمع.. والمدرس المهموم بلقمة العيش هو عدو للتطوير.. لأنه يعيش هو وأولاده علي الدروس الخصوصية.. ومن مصلحته استمرار تدهور مستوي الطلاب واستمرار فساد منظومة التعليم. القرارات العشوائية - ثانيا.. أن ندرك أيضا أن الاصلاح لا يقوم علي التجارب والقرارات العشوائية كما يحدث كثيرا في القرارات الخاصة بنظام الامتحانات واساليب التقييم وحصص الأنشطة وغيرها.. فنأخذ قرارا ونطبقه دون دراسة متأنية.. ثم نكتشف خطأه بعد التطبيق فنلغيه.. وهو ما يعني أننا دائما في حالة رد فعل علي ما نتخذه من قرارات.. والمطلوب أن نصبح في حالة فعل.. بمعني أن تكون لدينا خطة واضحة.. قائمة علي رؤية مدروسة لمدة عشر سنوات مثلا وعلي أساس هذه الخطة المدروسة يتم اتخاذ قرارات ثابتة تحقق الاستقرار للعملية التعليمية.. وهو ما يجب أن يحدث أيضا في كل المجالات.. وليس في التعليم فقط. العائد من التعليم • اذا تحدثنا عن خطة تطوير التعليم.. من أين يمكن أن نبدأ ؟ - نبدأ بتشخيص الحالة التي نحن عليها الآن وبدقة وشفافية ثم نقوم بتحديد الأهداف التي نريد تحقيقها وبواقعية.. وبناء علي هذه الأهداف تتحدد ملامح الخطة.. وأهم هدف لتطوير التعليم.. أن نعيد للتعليم احترامه وقيمته وأن يشعر المواطن بالعائد الذي سيعود عليه من التعليم.. » يعني زمان كان الفلاح بيبيع قيراطين علشان يعلم ابنه.. لأنه عارف ان ابنه هيرجّعهم أضعاف.. وأن عائد تعليم ابنه هينعكس علي الأسرة كلها»..أما الآن فالأسرة »بتدفع دم قلبها» في التعليم سواء مصري أو دولي..بدون وجود عائد.. ودائما ما نسمع الشباب يقول » بعد التعليم ده كله مش هعرف أشتغل ولا أتجوز ولا أشتري شقة ». احتياجات السوق • وبعد تحديد الأهداف ؟ - من الخطوات المهمة في تطوير التعليم أن تحدد الخصائص التي نريد أن يكون عليها المتخرج من النظام التعليمي والمهام التي يستطيع أن يؤديها بكفاءة و عليه ينبغي القيام بدراسة احتياجات سوق العمل دراسة علمية دقيقة مع تحديد سوق العمل المستهدف.. وهذه الدراسات غير موجودة لدينا بالفعل.. فنحن مثلا.. نسمع دائما عن ضعف مستوي الخريجين بالنسبة لمتطلبات سوق العمل.. لكننا في الواقع لا نعرف بدقة ما هذه الاحتياجات الفعلية لسوق العمل.. » يعني مثلا لو تعاقدنا سنويا مع كل خريجي جامعة هارفارد.. فهل سنجدلهم مكاناً في سوق العمل وهنقدر نشغلهم كلهم في جميع التخصصات ؟! بالطبع لا.. لأن المشكلة الأولي اننا لا نعرف الاحتياجات الفعلية للسوق.. إذن أهم خطوة عملية في التطوير هي دراسة احتياجات سوق العمل علي مدي الخمس او العشر سنوات القادمة.. وربط هذه الاحتياجات بخطة تطوير التعليم.. و لتوضيح العلاقة بين جودة التعليم وكفاءة سوق العمل نعود لتقرير التنافسية العالمية لنجد أن ترتيب مصر من حيث جودة النظام التعليمي هو 135/138 وعلي مؤشر جودة الادارة المدرسية 138/138 وترتيبها في مؤشر كفاءة سوق العمل هو 135/138 بينما ماليزيا ترتيبها من حيث جودة النظام التعليمي هو 12/138 وعلي مؤشر جودة الادارة المدرسية 24/138 وترتيبها في مؤشر كفاءة سوق العمل هو 24/138 مما يوضح العلاقة الترابطية بين الاثنين. ثانيا.. اصلاح القوانين والقرارات التي تحكم العلاقة بين صاحب العمل والعاملين.. بدءا من أسس التعيين واختيار الموظفين بحيث تقوم علي معايير عادلة بعيدا عن المحسوبية والواسطة والقرابة. زحام الفصول • دائما ما تقف مشكلة زحام المدارس وكثافة الفصول عائقا لتطوير التعليم.. فما الحل ؟ - يجيب بسرعة: المفروض أن تكون خطة التطوير قادرة علي التعامل مع ظروف المجتمع ومشاكله.. فإذا لم نكن قادرين علي تقليل كثافة الفصول.. فيجب أن نتعامل معها.. وهذا ليس مستحيلا..ففي الصين مثلا.. نجد كثافة الفصول أعلي من مصر.. لكنهم يستخدمون تقنيات واستراتيجيات تعليمية تتناسب مع ارتفاع الكثافة وهناك أيضا برامج حديثة خاصة للمدرسين لتدريبهم علي التعامل مع هذه الكثافة.. وفي الهند مثلا بيعلموا التلاميذ في كل مكان.. حتي تحت الشجر.. خطة لم تنفذ • في عام 2007 شاركت في خطة تطوير التعليم في مصر كخبير وممثل للبنك الدولي.. فماذا كانت ملامح هذه الخطة..ولماذا لم تنفذ وقتها؟ - في عام 2007 وضعنا فعلا خطة استراتيجية لاصلاح التعليم.. بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم والهيئات المانحة.. وكنت ممثلا للبنك الدولي.. وبدأنا الخطة بتحديد أين نقف وقتها في مستوي التعليم.. ثم وضع أهداف محددة بمؤشرات محددة لمدة خمس سنوات في كل عناصر العملية التعليمية من مدارس ومناهج وطرق تدريس ومتابعة وتقييم لكل مرحلة من مراحل التعليم.. ولكن الخطة للأسف لم تخرج لحيز التطبيق الحقيقي لأسباب عديدة منها عدم وجود تمويل كاف.. مع عدم حماس من بعض المسئولين لاستكمال الخطة وتحمل تكلفة التطوير.. وللأسف فإن هذه المشكلة تتكرر دائما في مصر في كل المجالات..حيث نبدأ الخطط ولا نستكملها لتغير المسئول أو نقص التمويل أو لضعف الهمة.. وهو خطأ كبير لأن عدم استكمال أي خطة يعد اهدارا لما أنفق فيها من المال والوقت والجهد.. وإذا عدنا بعد سنوات لنبدأ الخطة من جديد.. تكون التكلفة قد تضاعفت أضعافا كثيرة.. ونضطر لدفع الفاتورة والغرامة ويصبح الأمر أكثر صعوبة..وهذا هو أحد الأسباب التي تعطلنا وتجعلنا في ذيل قائمة الدول من حيث التنافسية.. بينما العالم حولنا يتعلم ويتغير ويتقدم.. »إن الله يحب اذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» وهذا بالتأكيد يعني أن يتممه. رؤية ثابتة • وكيف تتخلص مصر من هذه المشكلة ؟ - نفعل مثل الدول المتقدمة.. فهذه الدول تسير وفقا ل »سيستم» أي نظام ورؤية ثابتة وضعها خبراء وتراجع دوريا للتأكد من صلاحيتها..وأي وزير أو مسئول ملتزم بتنفيذ هذه الرؤية.. وفي أمريكا مثلا.. نجد الرئيس نفسه يلتزم إلي حد كبير بالرؤية العامة للبلاد.. وهو دائما يتعرض للمحاسبة. شيء أخير أتمني أن نتخلص منه.. أتمني أن ننشغل أكثر بالمستقبل.. وألا نظل أسري للماضي.. ومازلت أذكر واقعة شهدتها حينما كنت أعمل بالبنك الدولي.. حيث كنت أرافق وفدا من الخبراء الأجانب في زيارة لمسئول كبير.. وخلال الزيارة سأله الوفد عن رؤيته لمستقبل التعليم بمصر.. فأجابهم بأنه يتمني أن يري مصر كما كانت في الماضي من أكثر من خمسين عاما حينما كانت رائدة تعلم غيرها من دول المنطقة.. وحينما خرج الوفد قال لي أحدهم باندهاش كبير: هذه أول مرة أسمع فيها عن رؤية تنظر للماضي وتتجاهل الحاضر.. رغم أنني سألته عن رؤيته للمستقبل ! ! ويضيف د.أحمد: للأسف نحن كثيرا ما نضيع الوقت في انتقاد غيرنا.. والتباهي بالماضي وبأننا كنا روادا نعلم الآخرين..والحقيقة أننا يجب أن نغضب لأنفسنا لأن بعضاً ممن علمناهم سبقونا.. وبدلا من التفرغ لانتقاد الآخرين.. ننظر لما حققوه من نجاح ونحاول أن نكتشف كيف ولماذا نجحوا. علينا أن نتعامل مع الواقع الجديد وكيف يمكن أن يكون لنا دور فعال وليس بالضروري أن نكون أحسن بلد.. يكفينا مبدئيا أن نكون بلداًً يتقدم ويرتقي كل يوم نحو الأفضل.