«التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر « حقيقة علمية راسخة, لا نهتم بها ولاتطبق, رغم وجود إدارة الجودة التابعة لوزارة التربية والتعليم وصندوق التطوير بالتعليم الجامعى التابع لمجلس الوزراء والقوى البشرية المتخصصة ذوى الكفاءة العالية وكثرة العلماء والمفكرين . إلا أن التعليم فى مصر مازال يواجه قصورا ويدار عشوائياً، مما جعله ينحدر ويتراجع عالمياً، فبعد أن كانت مصر المعلم الأول لدول العالم باتت تتعلم الآن كيف تضع استراتيجية لتحسين نظام التعليم. ووفقا لتصريحات الدكتور الهلالى الشربينى وزير التربية والتعليم التى أكد فيها استماع الوزارة لمشكلات أولياء الأمور ومطالبهم ومحاولة إرضائهم بما لا يخل بالتسلسل الزمنى للعملية التعليمية، فلا يمكن تغيير منهج ما فى منتصف العام الدراسى مثلما طالب أولياء الأمور فى الفترة الأخيرة، حيث أن هناك تكاملا أفقيا ورأسيا للمناهج، وأضاف الوزير أنه ليس من سلطاته تغيير المناهج سواء بالحذف أو الإضافة وإنما تم تشكيل لجنة اختارها رؤساء الجامعات لتغيير منهج الرياضيات ،على سبيل المثال، وباقى المواد الأخرى فى جميع المراحل ضمن استراتيجية جديدة لتحسين نظام التعليم والتدريب فى مصر، مشيرا إلى أنه تم الانتهاء من تدريب 1700 معلم ومعلمة على أحدث الأساليب التربوية للتعليم. يرى الأستاذ الدكتور عبد الناصر عوض خبير الأبحاث والدراسات التعليمية والأسرية بجامعة حلوان أن السياسة التعليمية لابد وأن تتسم بمجموعة من الأهداف والغايات بعيدة المدى وهذه الأهداف تتجاوز العشرين عاماً أو أكثر وتقوم السياسة التعليمية فى البلدان المتقدمه على تقرير دقيق للاحتياجات المتنوعة للمستفيدين من النظام التعليمى فضلا عن كونها تعتمد على فهم الموارد والإمكانات الموجودة على مستوى الدولة والمؤسسات التعليمية الكبرى سواء كانت هذه المواد مادية أو مالية أو بشرية . والسياسة التعليمية لا ترتبط أبداً بتغيير الوزراء لأنها عبارة عن أهداف كبرى تم وضعها فى ضوء ما يريده الخبراء والمتخصصون والطلاب وأولياء الامور وما يريده المجتمع فى اطار ثقافته العامة ,وتترجم السياسة التعليمية إلى مجموعة من الاستراتيجيات بعضها يكون قصير المدى أى لمدة عشر سنوات وبعضها متوسط المدى لمدة خمسة عشر عاماً وبعضها طويل المدى لمدة عشرين عاماً .ولا تتأثر إطلاقاً بأى توجيهات إعلامية أو سياسية أو ثقافية أوبتغيير الوزراء لأنها توضع على ضوء أسس وقواعد علمية موضوعية راسخة ,ولكى تتحقق الإستراتيجية يتم ترجمتها عن طريق مجموعة من الخطط التنفيذية التى تتراوح ما بين العام أو ثلاثة أعوام أو خمسة ,وهذه الخطط تتأثر بفكر المنفذ أو الوزير أو المتغيرات المحيطة أو نقص التمويل أو غيابه أو الظروف السياسية، ويلاحظ فى مصر غياب السياسة التعليمية بشكل عام فالخطط الاستراتيجية فى الدول النامية عادة تكون شديدة المرونة وتتسم بالعشوائية والتخبط مما يجعلها تفقد قيمتها ولا تحقق أهدافها. ويضيف أن اختيار القيادات التعليمية بالجامعات والمعاهد والمدارس لا يقوم على أسس علمية موضوعية تراعى الشفافية ومدة الخبرة والكفاءة والتخصص فى العمل وإنما يقوم على اعتبارات اخرى وإسناد الأمر إلى غير أهله، ولكى نغير من النظام التعليمى العشوائى وتصبح المناهج قائمة على الفهم والتطبيق والإبداع وإلغاء أسلوب الحفظ والتلقين لابد أولاً من وضع سياسة واستراتيجية وخطط تعليمية واضحة وثابتة التعليم والتعلم ويقول الدكتور الصاوى أحمد خبير جودة التعليم مما لا شك فيه ان الواقع الحالى للتعليم فى جميع مراحله يرثى له فهو فى اسوأ احواله لانه لا يحقق الحد الادنى من النتائج المستهدفه منه, فهو يعتمد على نظرية التعليم لا التعلم وهناك فرق كبير بينهما فالتعليم قائم على التلقين والحفظ دون فكروإبداع ,بينما التعلم قائم على تنمية قدرات المتعلم والحصول على المعرفة بفكره وفهمه مما يؤهله للابتكار والإبداع، وأن أسباب تدهور حال التعليم كثيرة منها حرص الطالب منذ الصغر وأسرته على الحصول على الشهادة دون الوضع فى الاعتبار ما تعلمه، وعدم وجودإستراتيجية للتعليم والتعلم لكل مرحلة من مراحل التعليم تنبثق من خطة إستراتيجية طويلة المدى بالدولة , مع مراعاة التطورات العلمية والبحثية واحتياجات سوق العمل وتحقيق التوازن الاقتصادى بالدولة ,فجميع الخطط التى وضعت للتعليم ما هى إلا خطة قصيرة المدى أو خطة عاجلة مهمتها معالجة أمر واقع من وجهة نظر فردية دون مراعاة لباقى وجهات النظر وكذلك التخبط فى السياسات التعليمية من وزير لآخر , وعدم وجود ربط وتواصل بين الخطط والأهداف ,وكذلك غياب مشاركة الجهات المعنية فى وضع إستراتيجية التعليم مثل أصحاب سوق العمل والطالب وولى الأمر وهذه الاطراف هى المعنية بوضع السياسة التعليمية وليس الوزير فقط، وأيضا اعتماد بعض رجال التعليم على استيراد النظرية العلمية الأجنبية دون مراعاة للواقع البيئى المصرى مما يؤدى إلى فشل أى سياسة تأتى لأنها غير معبرة عن احتياجات المجتمع. حلول مقترحة لذا يرى الدكتور الصاوى ان الخريج الحالى سواء فى مرحلة التعليم ما قبل الجامعى أو الجامعى لا يلبى احتياجات سوق العمل لعدم توافر المخرجات التعليمية المستهدفه فى كل مراحل التعليم والمأمول هو أن يكون الخريج قادرا على تحقيق المخرجات التعليمية المستهدفة فى كل تخصص لتحقيق احتياجات سوق العمل دون التركيزفقط للحصول على شهادة. ولكى تحل مشاكل التعليم فى مصر لابد من القيام بعمل تحليل للوضع الراهن بمشاركة جميع الأطراف بمختلف مراحل التعليم من الإبتدائى حتى الجامعة وإبراز نقاط القوة لتطويرها ونقاط الضعف لتحسينها ومعالجتها ثم تحديد الأهداف والغايات الإستراتيجية المستهدفة , ووضع خطة تنفيذية شاملة لجميع الأنشطة مع تحديد المسئولية ووضع ميزانية واقعية مع الوضع فى الاعتبار للخطط البديلة فى حالة فشل تحقيق أى من الأهداف . بينما يؤكد الأستاذ الدكتور محمد مجاهد أمين لجنة قطاع الدراسات الهندسية والتكنولوجية بالمجلس الاعلى للجامعات الدور المحورى الذى تلعبه جودة منظومة التعليم والتدريب فى إحداث تقدم ورقى الامم وتمكينها من النمو الاقتصادى والاجتماعى المتسارع، ولنا أسوة باليابان وفنلندا والدنمارك وسويسرا التى تفتقر الى الثروات الطبيعية ، ولكنها تعتمد فى تقدمها الاقتصادى على مواردها البشرية المتميزة التى نمت فى ظل نظم تعليمية ذات جودة عالية. وفى مصر ، سنجد أن جودة التعليم على جميع مستوياته قد بدأت فى التدهور منذ السبعينات ، واستمر تدريجيا حتى أقترب ترتيب مصر فى جودة التعليم الاساسى من المراكز الاخيرة على مستوى العالم ، أما التعليم العالى فحاله ليس بأفضل كثيرا ....حيث يتم التركيز على عدد الخريجين فقط دون التطرق الى مدى جودة الدرجات العلمية التى حصلوا عليها بالمقارنة بدول العالم المتقدم ....وفى العادة يتم تبرير التركيز على الكم لاسباب تتعلق بالحفاظ على السلام الاجتماعى، ومن المؤكد أن الصورة أسوأ فى شتى المجالات ولايجوز لنا أن نشكك فى مصداقية التقارير السنوية التى تصدرها المؤسسات الدولية عن تنافسية البلدان المختلفة ، فهذه التقارير الدولية تستخدم نفس المعايير لكل دول العالم دون تمييز..وليس لها مصلحة فى خفض أو رفع ترتيب بلد بعينه. وقد ازدادت معدلات التدهور فى جودة التعليم بمصر خلال السنوات الاخيرة نتيجة الاضطرابات السياسية وعدم استقرار الدولة مما أدى الى سرعة تغيير وزراء التعليم ، فيكفى أن نعرف أن وزارة التعليم العالى قد تعاقب على ادارتها 11 وزيرا منذ يناير 2011 وحتى الان، وقد صاحب هذا التغيير السريع فى شخص الوزير، تغير سلبى اخر فى منظومة الاعلام، حيث تكاثرت البرامج الحوارية التى يلتف حولها المصريون كل مساء ، ويقوم فيها مذيعو هذه الحوارات باستجواب الوزراء على الهواء بشأن شكاوى الجمهور وحوادث المدارس والجامعات والمطالب الفئوية المتعددة . مما يفقد الوزراء تركيزهم نتيجة حرصهم على الحفاظ على صورة ايجابية لهم فى الاعلام بالحق أو بالباطل ، مما يبعده تدريجيا عن التركيز على التطوير الجاد للتعليم. كما أن عدم الاستقرار على استراتيجية متفق عليها لتطوير وتنمية التعليم تنتهى ببرامج محددة لها ميزانيات ...ومؤشرات نجاح اذ أن كل وزير لابد أن يضع بصمته الشخصية على الاستراتيجية السابقة لفترة وزارته..ان وجدت ....مما يؤدى فى كثير من الاحيان الى تشويه الاستراتيجيات وعدم جديتها ، وعدم اقتناع المستفيدين بها. وكنتيجة لتدهور جودة التعليم فى المؤسسات الحكومية خلال العقود الثلاثة الاخيرة ، بدأ انتشار مؤسسات التعليم الخاص ...فى البداية فى التعليم قبل الجامعى ....ثم فى التعليم الجامعى .. حتى وصلنا الى حالة من العشوائية غير مسبوقة , تتلخص فى الحالة الراهنة للتعليم الهندسى ....سنجد أن عدد المؤسسات التعليمية المرخص لها بمنح بكالوريوس الهندسة يصل الى مايقرب من مائة كلية ومعهد، منها 25 كلية هندسة حكومية ، 21 كلية هندسة خاصة وأهلية ، 48 معهد عاليا للهندسة والتكنولوجيا ...وبالطبع فان هذا يحدث تباينا شديدا فى جودة خريجى هذه المؤسسات. فى ظل النقص الشديد فى أعضاء هيئة التدريس المؤهلين فى بعض التخصصات ، رغم الجهود المضنية التى يبذلها المجلس الاعلى للجامعات فى تنظيم التعليم العالى فى القطاع الخاص. والحل يتلخص فى أن التطوير الجاد للتعليم يحتاج الى مجلس أعلى تكون مهمته التخطيط ووضع الاستراتيجيات والبرامج التنفيذية ومتابعة مؤشرات النجاح أو الاخفاق .....ولايجب أن تتأثر قررات هذا المجلس الاعلى بتغيير الوزير المسئول ...حيث يكون الوزير فى هذه الحالة ملزما بتنفيذ البرامج التى يصدرها المجلس الاعلى ولضمان نجاح أعمال مثل هذه المجالس العليا ...يجب ألا يرأسها رئيس الوزراء...وانما يرأسها خبراء من ذوى الرؤية الثاقبة فى التطوير والابداع وملكة التفكير خارج الصندوق وأننا نحتاج الى العديد من هذه المجالس العليا فى مختلف المجالات وعلى رأسهم التعليم.