»كل طفل فنان، المشكلة هي كيف تظل فنانا عندما تكبر».. من أقوال بابلو بيكاسو الشهيرة التي تطرح في أذهاننا الكثير من التساؤلات حولها فكيف نخلق جيلا من المبدعين يعيد الحث الفني والأخلاقي الذي لم نعد نلمسه وما أسباب فقد الهوية والذوق العام والجمال بمجتمعنا... يشير د.عبد العزيز الجندي أستاذ بكلية الفنون الجميلة أن كلا منا بداخله فنان ولكن بنسب مختلفة فالموهبة تختلف من طفل إلي آخر وذلك حتي دخوله المدرسة فإذا تمت تنميتها والتعامل معها بشكل سليم سيخلق فنانا مبدعا والعكس الصحيح، إذا تم التهكم والسخرية وعدم الاهتمام بها سيخلق جيل ليس لديه اهتمام بالفن وفاقد لروح الإبداع لذلك فيجب تنمية هذا الفنان منذ الصغر كما أن البيئة المحيطة بالأطفال تؤثر بشكل مباشر في تكوين شخصيتهم وسلوكياتهم، لذلك إذا أردنا خلق أجيال تتذوق الفن وتستطيع أن تقوم بنهضة حقيقية فيجب أن تكون البيئة المحيطة بهم مشجعة علي إظهار حسهم الفني بأن تكون بيئة جميلة متمثلة في الشوارع النظيفة الواسعة والطبيعة سواء في المساحات الخضراء أو المباني من ناحية التصميم والألوان وارتفاع المباني واتساع الطريق فكل ذلك فن يتدخل فيه المعماري والمصمم لخلق بيئة تراعي الجماليات التي تريح عين الطفل وتنمي ذوقه وحسه الإبداعي والفني فإذا نشأ الطفل في بيئة جمالية تراعي كل ذلك حتما سيكون لها تأثير ملموس في بناء حسه الفني علي عكس نشأته في بيئة ذات طابع غير متناسق وشوارع ضيقة وأبنية عالية ليس بها أي نوع من الجمال فإن ذلك يعزز بداخل الطفل الشعور بضيق الصدر ويؤثر علي شخصيته وينعكس علي سلوكه ومدي تقبله للآخر وللحياة نتيجة أن عينه دائما تري الرماديات والأسوار العالية وضيق المساحات في حين إذا كان العكس سيؤثر ذلك بالإيجاب علي نشأة الطفل وسلوكه وطريقة تفكيره الإبداعي فالإبداع ليس فقط في الفن فالإبداع يكون في جميع مجالات الحياة فكل مهنة لها إبداعاتها وابتكاراتها لذلك يجب تهيئة المناخ الإبداعي خارجيا وداخليا من خلال الأسرة فالأم والأب يجب أن يكونا مدركين لقيمة الفن وعدم النظر إليه كأداة ترفيهية لشغل الوقت وعدم احترام موهبة الطفل وإبداعاته فالطفل من 3 سنوات إلي 10 سنوات لديه تعبير خاص عن فنه هذا التعبير قد لا يستوعبه الأب أو الأم لأنهم يريدون أن يصور شيئا مفهوما له علاقة بالواقع ولكن في الحقيقه أن الطفل في حاجة أكثر للتعبير عن خياله أكثر من تجسيد الواقع وبحاجة للتلقائية والجرأة فإذا تم توجيهه وتحديده فذلك يقتل بداخله الإبداع فمهمة الآباء أن يساعدوا الطفل علي أن يسبح بخياله إلي الآفاق وأن يتيحوا له الفرصة لذلك وأن يتم توفير البيئة التي تساعده علي الإبداع والخامات السهلة والتي تساعده وتشجعه والبعد عن الأسئلة السلبية فهذه الأسئلة تجعل الطفل يضيق ويشعر أنه غير قادر علي التعبير ولكن يجب الإشادة بالمنتج الإبداعي للطفل وتعليق أعماله الفنية والاهتمام بابتكاراته فكبار الفنانين يحاولون العودة للرسم كالأطفال بدون قيود وبتلقائية والرسم بعفوية فالطفل لديه كنز ولكن بسبب الجهل يقتل الإبداع داخل الطفل بسبب السخرية أو عدم الاهتمام بأعماله والنظر للفن علي أنه إهدار للوقت، كما أن من المهم خلق جو إبداعي للأطفال وتخطي حاجز المدينة والانطلاق في أماكن متسعة والطبيعة الخضراء لتوسيع الأفق وتشبع العين بالجمال مما يزيد حثه الإبداعي وعلي مؤسسات الدولة أن تعمل علي توعية الأطفال في مراحل التعليم المختلفة بأهمية الفن من خلال تعليم تاريخ الفن في كل مرحلة تعليمية والاهتمام بطريقة تدريسه وعدم النظر إليه كرفاهية أو مادة زائدة وغير أساسية وأن توضع قوانين لشكل البيئة المحيطة داخل المجتمع فيجب أن يكون هناك حد أدني للجمال فالجمال لا يتطلب تكاليف عالية ولكن يجب أن يكون هناك حد أدني من التصميم الجيد الذي يحترم عين المشاهد وحد أدني من المرتفعات والمساحات الخضراء والتجانس بين البيئة المعمارية المحيطة بنا والمباني والألوان وكذلك العمل علي نشر الوعي بالذوق الفني ونشر ثقافة الجمال بين الأفراد فنشر الجمال ليس دور الدولة فقط هو أيضا سلوك يجب أن يكتسبه الأهالي لخلق جيل من المبدعين فبالأخلاق والفن يرتقي الإنسان، الأخلاق ترتقي بسلوكياته والفن يرتقي بإحساسه. كما يوضح الفنان التشكيلي ياسر جعيصة أن الطفل يتلقي معلوماته من خلال العين والأذن فهم مصدر التغذية لعقول أولادنا وأول ما يشاهده الأطفال هي كتب المدرسة وهنا تكمن المأساة فمستوي الرسوم والطباعة في الكتب المدرسية رديء وغير جيد ولا يجذب انتباه الطفل بل بالعكس يصرفه عن الكتب مما يدفعه عن مصدر مهم لتلقي العلم وهو الكتاب فيلجأ الطفل إلي قنوات الكارتون المبهرة والملونة والجذابة ومع انشغال الأم وترك الطفل دون مراقبة أمام هذه القنوات التي تبث رسائل خفية تنقل العنف والتفكك وعدم احترام الآباء في كارتون له تأثير كبير علي تشكيل أفكار أولادنا وهنا تحدث الكارثة فالأولاد تحت أربع سنين في مجتمعنا عندما نطلب منهم رسم شمس يرسمونها في جانب الكادر وعندما يكبر ويصل لسن 8 سنوات تقريبا يقوم برسم الشمس في منتصف اللوحة أو الكادر، كما أنه لو طلب من الطفل رسم بيت سيقوم برسم البيت الأوروبي وسور الحديقة المحيط به علي الرغم من عدم وجود بيوت بهذا الشكل في محيطه ومجتمعه وهذا يبرهن مدي قوة تأثير الكارتون علي أولادنا ومدي التأثير الغربي الواضح علي عقولهم وهذا يؤدي إلي ضياع الهوية فكلما كان التأثير علي الطفل غربيا كان انتماؤه للشخصيات الغربية والعكس فإذا شاهد الطفل الشخصيات العربية أدي إلي انتمائه لمجتمعه لذلك يجب تبسيط الرسومات التي تقدم للأطفال خصوصا إذا كان الطفل أقل من 5 سنوات فتلخيص الشكل في خطوط بسيطة هو الأقرب والأحب لقلبه بعد ذلك في سن أكبر من 5 سنوات يمكن أن يرسم للطفل شخصيات قريبة منه ومن خلالها يمكن توصيل المبادئ والقيم الأخلاقية البناءة.