تنسيق الجامعات 2025| إعلان نتيجة المرحلة الأولى «الأحد».. وموعد بدء المرحلة الثانية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    المصريون في البرازيل يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات لعام 2024-2025    مجلس الشيوخ المصري.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    تطوير 380 مركزا تكنولوجيا بالمحليات والقرى والمدن وأجهزة المجتمعات الجديدة    أسعار اللحوم الحمراء اليوم السبت 2 أغسطس    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    النقل: استمرار تلقي طلبات السائقين الراغبين في الانضمام للبرنامج التدريبي المجاني    شركة خدمات البترول البحرية تنتهي من تطوير رصيف UGD بميناء دمياط    خلال مظاهرات تل أبيب| مبعوث ترامب يزور أهالى الأسرى الإسرائيليين بغزة    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    "من القاهرة للإخوان.. شكرا لحسن غبائكم".. حلقة جديدة من برنامج "الكلام علي إيه" مع همت سلامة    حارس الزمالك يرفض الرحيل في الميركاتو الصيفي    مدرب نيوكاسل: أعرف أخبار إيزاك من وسائل الإعلام.. وأتمنى رؤيته بقميص النادي مجددا    القبض على البلوجر سوزي الأردنية داخل شقتها بالقاهرة الجديدة    الأرصاد: أجواء غائمة جزئياً على شمال البلاد وفرصة لأمطار خفيفة بالقاهرة    تحرير 844 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    حفل أسطوري.. عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    بأداء كوميدي وملاكمة فلاحة.. «روكي الغلابة» يحصد 6 ملايين في 48 ساعة    في 16 قرار.. تجديد وتكليف قيادات جديدة داخل وحدات ومراكز جامعة بنها    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    79 مليون خدمة طبية لمنتفعي التأمين الصحي الشامل في 6 محافظات    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مدبولي يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    ابحث عن طريقة لزيادة دخلك.. توقعات برج الحمل في أغسطس 2025    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    21 مصابًا.. ارتفاع أعداد المصابين في حادث انفجار أسطوانة بوتاجاز بمطعم بسوهاج    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد ليون الودية والقنوات الناقلة    وزير الرياضة يشهد تتويج منتخب الناشئين والناشئات ببطولة كأس العالم للاسكواش    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    الهيئة الوطنية للانتخابات: تواصل دائم مع السفراء لمتابعة انتخابات مجلس الشيوخ بالخارج    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    سعر الأرز الشعير والأبيض اليوم السبت 2-8-2025 في أسواق الشرقية    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. رابط تسجيل اختبارات كليات الهندسة والحاسبات والتجارة والزراعة (المنهج)    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتنبي وشوقي في مرايا «الأستاذ»
نشر في الأخبار يوم 16 - 02 - 2017


اقترحت علي هيكل تدوين مختاراته من الشعر العربي
لكنه لم يوافق وقال: الأدب للأدباء وأنا صحفي
اليوم يكتمل العام الأول علي رحيل الأستاذ. لا يتصور الإنسان كيف مر العام؟ أسرته الصغيرة - فنحن جميعاً أسرته الكبيرة المترامية الأطراف - تذهب صباح اليوم إلي مقبرته في آخر تخوم مدينة نصر، وأول مصر الجديدة بجوار مقابر الكومونولث، لقراءة القرآن علي روحه في مناسبة عائلية مائة في المائة.
وبهذه المناسبة احترت ماذا أكتب عن الأستاذ الذي لا تحتاج الكتابة عنه إلي مناسبة. قلت لنفسي بعد أن اتصل بي الصديق ياسر رزق، بعد ظهر الأربعاء الماضي، وطلب مقالاً مني علي أن يصله مساء نفس اليوم. استيقظت بداخلي أشواق ذكريات العمل الصحفي عندما كان يجلس الإنسان إلي مكتبه، بيده القلم، وأمامه الورق الدشت الغامق شديد النعومة ليكتب. ومن يده للمطبعة فوراً.
احترت مرة أخري ووقفت أمام حيرتي وقلت كثيرون غيري سيكتبون عن هيكل صحفياً. وهيكل إنساناً. لكن الجانب الخفي في الرجل ثقافة هيكل وعلاقته بالشعر. فالرجل كان يحفظ من الشعر العربي القديم والحديث والمعاصر ما يمكن أن يشكل ديواناً كاملاً يحمل عنوان: مختارات هيكل الشعرية.
وهكذا عدت لدراسة مهمة كتبها الشاعر والباحث والناقد أحمد عنتر مصطفي، عن: المتنبي وشوقي في مرايا هيكل. وأهمية الدراسة أن هيكل كانت لديه ثقافة رفيعة. وكان له اهتمام بالشعر. وكانت لديه محفوظات شعرية كثيرة. وقد اقترحت عليه أكثر من مرة أن يحدد مختاراته من الشعر العربي. وأن ينشرها. لكنه لم يوافق علي الفكرة. وقال أكثر من مرة الأدب للأدباء وأنا صحفي.
صاحب هذه الدراسة: أحمد عنتر مصطفي. شاعر بدأ نشر شعره في السبعينيات. صدر له العديد من المجموعات الشعرية: مأساة الوجه الثالث. حكاية المدائن المعلقة. رنين الصمت. أبجدية الموت والثورة. زيارة أخيرة إلي قبو العائلة. وصدرت له دراسات نقدية منها: شوقيات الغناء: دراسة حول علاقة شوقي بالغناء وقصائده التي تغني بها المطربون والمطربات. يصف نفسه بأنه أحد شعراء اليقين القومي. بمعني أنه من الشعراء الذين يمكن اعتبارهم أبناء الحلم القومي العربي.
في دراسته المهمة يكتب الشاعر أحمد عنتر مصطفي:
- لا يشعر القارئ المتابع لكتابات الأستاذ محمد حسنين هيكل وأحاديثه بذلك الجفاف العلمي السائد في كتابات بعض المحللين السياسيين الذين يعمدون إلي تنكُّب أساليب يحرصون خلالها علي جذب قرائهم إلي شرك الإبهار، ويعملون - بدأب بالغ - علي سرد الوقائع أو الحقائق في تحليلاتهم وفق منهج وأسلوب يتسم بالتزامات وتكديس المصطلحات والأحداث واستكراه الاستنتاجات والخلاصات، حتي تكاد تكتسي تلك الكتابات زيَّ الأحجيات، أو تأتي أقرب ما تكون إلي الرياضيات المطلسمة الصارمة بناء وربما تعقيداً.
والقارئ والمتابع للأستاذ هيكل لا يفقد خلال أسلوبه الجمع بين العمق والبساطة في آن، تلك المتعة الآسرة وجماليات التذوق، فضلاً عن التزام الكاتب بالدقة والموضوعية، حتي لا تكاد تصبح كتاباته أقرب إلي حواريات تجري بينه وبين قارئيه.
من ذلك أنه لا تكاد تخلو كتابات أو أحاديث للأستاذ هيكل من الاستشهاد والتمثل بتراث الإنسانية ومذخوراتها، من حكم وأمثال وأقوال مأثورة وشعر. خاصة شعرنا العربي الذي يحرص الكاتب الكبير علي ذكر أبيات منه، هنا أو هناك، تؤكد رؤية أو تدحض زعماً أو تدعم فكرة أو مقولة.
وفضلاً عما يوفره ذلك المنهج من متعة معرفية للقارئ، والأخذ ببصره وبصيرته إلي آفاق أكثر رحابة وثراء، فإن هذا الأسلوب يؤكد علي حرص المفكر العربي، في هيكل، علي الالتزام والوفاء - أولاً - لمصادر ثقافته العربية، علي اتساع رفعة مصادر المعرفة الإنسانية لديه، ووفرة منابعها وتعددها أمامه، وفي ذلك ما يعقد ويوثق أواصر الصلة بينه وبين قارئه العربي بمصداقية وألفة، بعيداً عن تغريب متعمد أو تكلف مصطنع. فهذه البنية العربية التي يتسم بها أسلوب هيكل تجعل القارئ يحس بانتماء كاتبه وانصهاره في قضايا وطنه التي يعرض لها، مع حرصه البالغ علي الموضوعية، ثم - ثانياً - أنه بتقديمه باقة معرفية مختلفة الورود متنوعة العطور يجعل رحلة القارئ معَّدة وممهدة للوصول إلي نهاية الشوط وتحقيق النتائج المرجوة من قراءته دون عقبة هنا أو مزلق هناك.
شوقي والمتنبي
ثم يستطرد الكاتب:
- وتتجلي ثقافة كاتبنا بعمقها الضارب في تراثنا العربي حين نلاحظ أن شاعرين كبيرين من شعراء العربية، هما: شوقي والمتنبي لهما نصيب الأسد في استشهاداته والتمثل بشعرهما، ما يعكس إعجابه الشديد بهما وولعه بمأثورهما.
وتطرح هذه الملاحظة - حول أسلوبية كتابات هيكل - سؤالين متلازمين لماذا الشعر في ثنايا التحليل السياسي لديه.. ولماذا المتنبي وشوقي، دون غيرهما، الأكثر استشهاداً بشعرهما عنده والأقرب تناولاً ووروداً في تحليلاته..
وللإجابة عن السؤال الأول نري أنه من الطبيعي - لمثل الأستاذ هيكل، في ذائقته وتكوينه ووجدانه المشبع بالحس القومي - أن يكون الشعر، وهو (ديوان العرب) كما قيل عنه، يروي وقائعهم ويحفظ أيامهم ويؤرخ لحياتهم منذ العصر الجاهلي، مروراً بكل وقائع التاريخ وأحداثه: من هبوط الوحي والغزوات الأولي إلي حروب الردة ثم الفتنة الكبري وتنظيمات الخوارج والحركات السرية إلي قيام حروب ودول... وما إلي ذلك.. لم يكن الشعر العربي إلا مرآة - فنية - عاكسة لهذه الأحداث، وكان الشعر يضطلع بمهام (وزارة الإعلام) و(إدارة التوجيه المعنوي) وحتي وقت قريب من تاريخنا العربي المعاصر، إلي أن قامت وسائل الإعلام الحديثة برفع العبء عن كاهل الشعر، الذي تفرغ مبدعوه لارتياد آفاق جديدة أكثر رحابة وثراء بالرؤي المتمردة علي القيود، الخانقة للفن والإبداع.
وجدان هيكل
نقول: من الطبيعي أن يكون الشعر أحد الروافد المهمة في وجدان الكاتب الكبير وأن يولع به ضمن ولعه الأكبر بهذه اللغة وقوميتها. ويبدو أنه - باكراً - أدرك العلاقة الحميمة بين الشعر والتاريخ. فالتاريخ هو الوعاء الذي يجمع الأحداث والوقائع والظواهر التي تشكل مادة تحليلاته السياسية. ولمن يريد أن يعي تاريخ شعب أو أمة لا بد له أن يطالع فنونها وآثار مبدعيها، والشعر، كما هو معروف عنه، (فن العربية الأول)، وولع هيكل وإعجابه بتاريخ أمته العريق - دون أن ينسحب هذا الإعجاب علي الحاضر المزري - جعله يعشق هذا الفن ويرجع إليه، ينال منه مبتغاه إضافة وتَمَثُّلاً واستشهاداً.
وعند الإجابة عن السؤال الثاني، يكتب أحمد عنتر مصطفي:
- يؤدي بنا ذلك السياق إلي الإجابة عن السؤال الثاني، حين نذكر أن أمير الشعراء أحمد شوقي، كان قد وضع يده، منذ وقت مبكر، وبالتحديد عام 1900، قبل مولد هيكل، علي حميمية العلاقة بين الشعر والتاريخ، حيث كتب في رسالة إلي صديقه (المؤرخ) إسماعيل رأفت في مقدمة قصيدته (روما) أن ..الشعر ابن أبوين: التاريخ والطبيعة.
وأكد شوقي علي أبوة التاريخ وبنوة الشعر في العديد من قصائده، حتي إن قصيدته الأطول الشهيرة: كبار الحوادث في وادي النيل - وعدتها 291 بيتاً) التي أنشدها في المؤتمر الشرقي الدولي المنعقد بجنيف عام 1894 وقف شوقي خلالها مؤرخاً بالشعر لوقائع وأحداث كانت مصر مسرحاً لها منذ فجر التاريخ حتي عصر عباس الثاني.. وفيها لوحات تاريخية إنسانية كاللوحة التي يري فيها ما حدث لإبسماتيك الثالث علي يدي قمبيز بعد الغزو الفارسي لمصر.
كذلك قصيدته (النيل) إحدي مطولاته (153 بيتاً) وهي بانوراما تاريخية لما ألمَّ بوادي النيل من وقائع وأحداث منذ عهد الفراعنة حتي عصرنا الحديث، ومطلعها:
من أي عهد في القري تتدفق؟
وبأي كف في المدائن تُغدق؟
ومنها هذه الأبيات التي تحفل بالسرد التاريخي في إيقاعات شعرية خافقة، يقول والحديث إلي النهر الخالد:
خلع الزمان علي الوري أيامه
فإذا الضحي لك حصة والرونق
لك من مواسمه ومن أعياده
ما تحسر الأبصار فيه وتبرق
لا الفرس أوتوا مثله يوماً، ولا
بغداد في ظل الرشيد وجلق
فتح الممالك، أو قيام العجل، أو
يوم القبور، أو الزفاف المونق
كم موكب تتخايل الدنيا به
يُجلي كما تُجلي النجوم وتُنسق
فرعون فيه من الكتائب مُقبل
كالسُحب، قرن الشمس عنها مفتق
تعنو لعزته الوجوه، ووجهه
للشمس في الآفاق عان مُطرق
آبت من السفر البعيد جنوده
وأتته بالفتح السعيد الفيلق
ومشي الملوك مُصفدين، خدودهم
نعلٌ لفرعون العظيم ونمرق
شوقي والتاريخ
ولا يدع شوقي فرصة سانحة تمر دون أن يؤكد رؤيته لأهمية التاريخ كعنصر أساسي فاعل في شخصية الأمم. فقصيدته: (تحلية كتاب) التي نظمها تقريظاً لكتاب أحمد حافظ عوض الموسوم (فتح مصر الحديث) تطالع القارئ منها أبيات تضع التاريخ في مكانته السامية المرموقة:
غال بالتاريخ واجعل صُحفه
من كتاب الله في الإجلال قابا
قلِّب الإنجيل وانظر في الهدي
تلق للتاريخ وزناً وحسابا
ربٌ من سافر في أسفاره
بليالي الدهر والأيام آبا
واطلب الخلد ورمه منزلاً
تجد الخلد من التاريخ بابا
مثل القوم نسوا تاريخهم
كلقيط عيّ في الناس انتسابا
أو كمغلوب علي ذاكرة
يشتكي من صلة الماضي انقضابا
ويضيق المجال عن استقصاء الحس التاريخي عند شوقي فذلك يوجب دراسات مستقلة، ولكن نشير إلي قصائد أخري مثل (أبو الهول) وأرجوزته الطويلة (دول العرب وعظماء الإسلام) وغيرها.
التاريخ وشوقي وهيكل
وعن التاريخ الذي يجمع بين هيكل وشوقي، يكتب الكاتب:
- الاحتفاء بالتاريخ هاجس عند كليهما: هيكل وشوقي، ومن المؤكد أن الكاتب الكبير قرأ لشوقي هذا البيت الذي ينشده مُعْتَدَّا بتاريخ مصر في قصيدته الموجهة إلي الرئيس الأمريكي روزفلت الذي زار مصر عام 1901. وأهداه شوقي قصيدته: (أنس الوجود) التي صدرها برسالة مطولة جاء فيها .. التاريخ أيها الضيف العظيم غابر متجدد، قديمه منوال، وحاضره مثال.. وفي القصيدة يهتف شوقي بالبيت:
وأنا المحتفي بتاريخ مصر
من يصن مجد قومه صان عرضا
بعد رؤيتهما الموحدة للتاريخ، كثيراً ما وقف الأستاذ هيكل عند الحِكَم والأمثال في شعر شوقي، فأحياناً يتمثل بقوله:
دقات قلب المر قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
وحينما يتطرق حديث ما عن ليبيا، يستشهد بقصيدة شوقي عن (عمر المختار):
ركزوا رفاتك في الرمال لواء
يستنهض الوادي صباح مساء
ويقف الأستاذ، بإعجاب، مردداً قول شوقي في هذه القصيدة:
يا ويحهم! نصبوا مناراً من دم
يوحي إلي جيل الغد البغضاء
ما ضرَّ لو جعلوا العلاقة في غد
بين الشعوب مودة وإخاء
هيكل والمتنبي
بدأت الدراسة بهيكل وشوقي. لكنه يعود بعدها إلي هيكل والمتنبي. والذي يجمع بين المتنبي وشوقي، أن الأول أهم شاعر في تاريخ الشعر العربي. وأن الثاني هو الشاعر الذي يليه.
كثيراً ما استوقف هيكل قول المتنبي المأثور:
وكم ذا بمصر من المضحكات
ولكنه ضحك كالبكا
ويتمثل أحياناً بقوله:
ذو العقل يشقي في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
أو ببيته الخالد الذي يسبر فيه أغوار النفس البشرية ليظهر شيئاً من باطنها المكبوت الجارح:
والظلم من شيم النفوس، فإن تجد
ذا عفة فلعله لا يُظلمُ!!
عبد الناصر وسيف الدولة
وعن العلاقة بين شوقي والمتنبي باعتبارهما أعظم شاعرين في تاريخ الشعر العربي، يكتب صاحب الدراسة:
- الحكمة عند كليهما: شوقي والمتنبي، وكلاهما عرك الحياة وخبرها وأوغل في طوايا النفس البشرية، وانعكست تجاربه علي إبداعه وصبغته بسمات الخلود، كل هذا يصادف هوي نبيلاً من نفس كاتبنا الكبير.. فإذا أضفنا إلي ذلك أن شاعريه الأثيرين كانا، كل في عصره، صوت الأمة في مرحلة دقيقة من تاريخها، حيث واجه المتنبي في حياته الحافلة بالأحداث واقعاً مريراً من تشظي وتشرذم أمته العربية وخنوعها أمام هيمنة غير العرب.
وقد قطع المتنبي الفيافي والقفار متنقلاً بين دويلات عربية ممزقة تطمع في أراضيها الروم (ما أشبه الليلة بالبارحة!!) حتي وجد حلمه يتحقق في هذا الفتي العربي (سيف الدولة الحمداني) أمير حلب، الذي يوقع بالروم ويدرأ خطرهم عن الثغور العربية فيلتحق بمعيته متغنياً بانتصاراته واقترابه من تحقيق حلمه القومي.
ما كان ليقدم علي هذه الخطوة لو لم يجد في هذا الأمير نائباً عنه في إنجاز ما يحلم به لأمته. وربما كان موقف الأستاذ هيكل من الزعيم الراحل عبد الناصر متطابقاً تماماً وموقف المتنبي من سيف الدولة.
وقد استشهد الكاتب الكبير - مراراً - بأبيات من قصيدة المتنبي عند هروبه من مصر، خاصة البيت ذائع الصيت:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها
فقد بشمن وما تفني العناقيد
عصامية المتنبي واعتداده بنفسه، أظنهما أيضاً مثار إعجاب الأستاذ به فهو مثله عصامي النشأة والتكوين، وكلاهماً ملأ الدنيا وشغل الناس، كل في مجاله.
الحس القومي
عند هيكل والمتنبي وشوقي
أما أمير الشعراء أحمد شوقي، وقد عاصر من أحداث تاريخ مصر والوطن العربي ما يكاد يتطابق مع ما رصده المتنبي من واقع الأمة، وما يعايشه بأسي كاتبنا الكبير في حاضرنا المؤلم، فقد ارتفع صوته مواكباً تلك الأحداث، مجتازاً الحدود الإقليمية، لتتردد أصداء قصائده التي تزخر بأبيات أضحت من أدبيات الفكر القومي.. وكثيراً ما تمثل بها الأستاذ هيكل في مقالاته وأحاديثه.. مثل:
ويجمعنا إذا اختلفت بلاد
بيان غير مختلف ونطق
من قصيدته (نكبة دمشق) عندما قصفتها مدافع الجنرال الفرنسي (ساري) عام 1925، وفي قصيدة أخري بعنوان (دمشق) يقول:
ونحن في الشرق والفصحي بنورحم
ونحن في الجرح والآلام إخوان
وعندما يحتفي بمبايعيه لإمارة الشعر يؤكد في قصيدته التي ألقاها في هذا المهرجان علي البعد العربي بين شعوب الأمة.. يقول:
قد قضي الله أن يولفنا الجر
حُ وأن نلتقي علي أشجانه
كُلَّما أنَّ بالعراق جريح
لمس الشرق جنبه في عُمانِه
لقد كان الحس القومي لدي الشاعرين، المتنبي وشوقي عنصراً فاعلاً في إعجاب هيكل بهما، إضافة إلي ما سبق سرده. ومن هنا أظننا لا نبالغ، أو نعدو الحقيقة، إن قلنا إن ما يرد من استشهادات من أبيات شعرهما في كتابات الكاتب الكبير ليست دخيلة مقحمة عليها، أو مجرد توشية بنمنمات جمالية لأسلوب الكاتب، إنما هي إحدي الخلايا الحيوية في النسيج العام لكتابات الأستاذ هيكل وأحاديثه.
رحمهم الله الثلاثة: أبو الطيب المتنبي، أحمد شوقي، محمد حسنين هيكل. جمع بينهم الشعر والهم العربي وإحساس كل منهم بثقافة زمنه وشعر عصره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.