غدا يفتح باب الترشيح لاختيار نقيب الصحفيين، والتجديد النصفي لمجلس النقابة في الانتخابات المقرر إجراؤها في 3 مارس القادم بإذن الله. استباق بعض الزملاء المواعيد المقررة للإجراءات سواء بالإعلان عن نيتهم الترشح لمقعد النقيب أو بإعلان بعض شيوخ المهنة عن مساندتهم لزملاء آخرين في الانتخابات القادمة يوحي بأن المعركة علي منصب النقيب ستكون حامية وتتميز بالتعدد إذا وضعنا في الاعتبار ضرورة دخول النقيب الحالي في المنافسة أيضاً سعياً للحصول علي دورة ثانية مستحقة؛ علي الأقل لتثبيت ما أنجزه واستكمال ما بدأه. تأتي انتخابات الصحفيين هذه المرة وسط جدل قديم عقيم لكنه محتدم هذه المرة حول الدور الذي ينبغي أن تقوم به نقابتهم في المجتمع وعن حدود مسئوليتها في رعاية أعضائها وحماية حقوقهم وحول أبعاد سقف الحماية الذي تقدمه لهؤلاء الأعضاء. هل يقتصر - كما ترغب أي سلطة دائما - علي تقديم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية لأعضائها وتوفير الأنشطة التي ترتقي بمهنة أصحابها وتطور من مهارات أعضائها أم يمتد هذا الدور لتقوم النقابة بدور تنويري فعال في المجتمع فتنادي بالحريات وتعمل علي حمايتها وتشارك بإيجابية في الفعاليات السياسية المختلفة؟ أقول إن هذا الجدل قديم لأنه بدأ مع مولد فكرة إنشاء النقابة في منتصف الأربعينات من القرن الماضي وهو عقيم لأنه مستمر حتي الآن ويتجدد عمداً تقريباً مع كل انتخابات للنقابة علي الرغم من أن الرأي استقر منذ البداية مع أول جدل حول النقابة وطبيعة دورها دار في مجلس الشيوخ عند مناقشة مشروع قانون النقابة لدي إنشائها فقد اعترض النائب يوسف أحمد الجندي الشهير برئيس جمهورية زفتي علي نص حددت به كل النقابات المهنية وهو حظر الاشتغال بالسياسة وقال: »كيف يحظر علي نقابة الصحفيين الاشتغال بالسياسة لأن تنظيم مهنة الصحافة وتكوين نقابة يستلزم الاشتغال بالسياسة فإذا سنت الحكومة قانوناً من شأنه الحد من حرية الصحف مما يستدعي أن تناقشه هيئة النقابة تم منعها بحجة اشتغالها بالأعمال السياسية، مع أن طبيعة تنظيم المهنة تقتضي من النقابة الكلام في السياسة، كما أن العمل علي رفع شأن الصحافة وإعلاء كلمتها يستدعي حتما تعرض النقابة للشئون السياسية» وامتد الجدل، وفي النهاية انتصر منطق وحجة يوسف الجندي وكانت نقابة الصحفيين في 1941 هي أول نقابة لا يحظر قانونها الاشتغال بالسياسة. في اعتقادي أن البعض يخلط عمداً - بل وزورا وبهتاناً - بين المبدأ الذي أقره نقيب النقباء الأستاذ كامل زهيري بحتمية تجرد النقيب وأعضاء المجلس من أرديتهم وانتماءاتهم الحزبية عند أبواب النقابة للتخلص من داء الشللية والاختطاف الذهني الذي يشهره البعض في وجه مجلس النقابة وبين تجردهم من الاهتمام بالسياسة ليصبح النقيب وأعضاء المجلس كما يريدهم هؤلاء مجرد »مشهلاتية » يجلبون الخدمات والتخفيضات والتسهيلات مع أنه لا تعارض فعلياً بين الدورين والمهمتين ومن الجائز جداً بل من المطلوب أن يجمع النقيب وأعضاء المجلس بين الاهتمامين الانشغال بالشأن الوطني العام الرحب والاهتمام بتلبية الحوائج والمطالب الفئوية الضيقة رغم أن البعض يريدها منزوعة السياسة. الأزمة المفتعلة التي أريد بها مؤخراً أن تفصم عري العلاقة الوثيقة بين الصحافة والشعب يجب أن تنتهي، وعلي الصحفيين أن ينتبهوا للدور الحيوي المطلوب منهم نحو المجتمع فلا يخذلوا جمهورهم فيظلوا دائماً ملاذاً للخائفين وصوت المقهورين أعداءً للفساد والمفسدين. ولن يكونوا كذلك إلا إذا استطاعوا حماية أنفسهم ومهنتهم أولاً ممن يريدون التغول عليها، وإلا إذا أدركوا أن أمامهم جدول أعمال مثقلا بهموم المهنة من تعديلات تشريعية وسن قوانين وتشكيل كيانات جديدة تهتم بالعمل الإعلامي. كل ذلك سيتأتي فقط مع نقابة قوية مستقلة عن كل الأهواء والمصالح الذاتية ولوبيات الضغط والأجهزة المتناحرة داخل الدولة.