اللواء محمود فكرى بين تطمينات بعدم انتقال آثار انفجار المفاعلات النووية في اليابان إلي السلع والبضائع التي تدخل مصر، وتخوف البعض الآخر من انتقالها لضعف اجراءات الأمان النووي في الموانيء المصرية، اختلف الخبراء الذين استطلعت »الأخبار« آراءهم.. كل تمسك بموقفه وقدم الدلائل التي تدعمه، لكن في النهاية اتفق معظمهم علي أن حادثة اليابان لابد أن تفتح ملف الأمان النووي بالموانيء المصرية. القضية فجرها اللواء بحري محمود عبدالعاطي فكري المدير العام الأسبق لحماية البيئة بهيئة موانيء بورسعيد، الذي جاء إلي الأخبار أول أمس مذعورا من امكانية انتقال آثار التسرب الاشعاعي الناتج عن انفجار المفاعلات النووية في اليابان إلي السلع والبضائع التي تدخل مصر. وقال اللواء فكري: »إذا كانت وزارة الزراعة المصرية قد اعلنت عن منع استيراد أي مواد غذائية أو حيوانية من اليابان والدول المحيطة بها لتفادي اخطار التسرب الاشعاعي، فإن المشكلة ليست في هذه المواد فقط، لكنها تشمل أيضا مواد أخري يمكن أن تتسرب من الموانيء المصرية للسوق المحلي، أو حتي يمثل بقاؤها في الموانيء لفترة من الزمن ضمن خدمة »حاويات الترانزيت« خطرا لابد من مواجهته. واعادني اللواء فكري إلي واقعة حدثت في عام 1002 عندما كان يشغل منصب مدير عام حماية البيئة بهيئة موانيء بورسعيد، عندما اكتشفت بالصدفة البحتة لجنة حماية البيئة بالهيئة في جولتها الأسبوعية علي مخازن البضائع، بودرة مال بها مواد مشعة، وتم الاكتشاف بواسطة جهاز كان يوجد مع أحد أعضاء اللجنة. ويقول اللواء فكري: »تمت مخاطبة هيئة الطاقة الذرية بهذه الواقعة، وقررت علي أثرها عدم دخول أي مادة مصنعة من خامات طبيعية لمصر مثل الرمال والحديد والرخام، إلا بعد الخضوع لكشف نسبة الإشعاع، وتم وقتها شراء أربعة اجهزة محمولة كتلك التي كان يحملها عضو اللجنة«. والقلق الذي يساور اللواء فكري، وبسببه جاء إلي الأخبار، أن هذه الاجهزة المستخدمة لم تعد بالدقة الكافية، كما أن كل الحاويات التي تستقبلها الموانيء المصرية لا تخضع لرقابتها، حيث تقتصر الرقابة علي المواد المصنعة من خامات طبيعية فقط، وهذا في رأيه غير كاف، كما أن »حاويات الترانزيت«، التي تستضيفها الموانيء لفترة من الزمن لحين نقلها لدولة أخري لا تخضع لرقابتها. والحل الذي يقترحه اللواء فكري في هذا الإطار، هو اجهزة استشعار للمواد المشعة، يتم تركيبها علي الأوناش العملاقة لشحن وتفريغ الحاويات، لاكتشاف أي مواد بها نسبة اشعاع عال بالحاويات، قبل ان تطأ أرض الموانيء المصرية..ولا تتعدي تكلفة الجهاز الواحد نصف مليون جنيه مصري، ..القلق الذي يساور اللواء فكري، لم يكن له مبرر عند المهندس محمد شفيق رئيس هيئة الرقابة علي الصادرات والواردات، لانه كما أكد »للأخبار« يملكون خبرة التعامل مع هذه الأحداث منذ حادثة تشرنوبل. وقال المهندس شفيق: »وقتها تم وضع كل السلع الواردة من روسيا والمناطق المحيطة بها تحت الرقابة الاشعاعية لمنع دخول أي مادة بها نسبة اشعاع عالية للسوق المصري، وهو نفس الاجراء الذي سنتبعه مع الوضع باليابان. وتقوم بمهمة الرقابة هيئة الطاقة الذرية، التي أكد المهندس شفيق وجود تنسيق بينهم وبينها بدأ منذ انفجار مفاعلات اليابان..وأكد في هذا الإطار أن التعامل الطاريء مع هذه المشكلة لا يغني التراخي في الأوقات العادية. وقال: »هناك القانون رقم 551 ولائحته التنفيذية التي تحدد مواد لا تخرج من الموانيء المصرية للسوق المصري إلا بعد الخضوع لاختبار المواد الاشعاعية..حالة الطمأنينة التي حاول أن يبثها شفيق في حديثه، كانت موجودة أيضا في بداية حديث د.طارق النمر رئيس معامل أبحاث التحليل الاشعاعي التابع لوكالة الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي استخدم مبررات أخري لهذه الحالة..قال د. النمر إن مفاعلات اليابان تنتمي إلي الجيل الثالث من المفاعلات، ومن خصائص هذا الجيل احتواء المفاعل علي ثلاث طبقات، بحيث إذا اخترق الاشعاع طبقة ما، يجد طبقة ثانية، ثم ثالثة، وبالتالي فإن الكمية التي تتسرب لو تمكن الاشعاع من اختراق الطبقات الثلاث تكون ضئيلة جدا. لكن الطمأنينة التي أبداها د.النمر لم تمنعه من التعليق علي اختبارات المواد الإشعاعية التي تجري بالموانيء المصرية، التي اشار إليها المهندس شفيق، وقال: »تجري هذه الاختبارات بأجهزة الكشف المحمولة، وهي اجهزة معمول بها منذ الثمانينيات، وتفقد قدرتها علي الكشف الصحيح مع تقادم الزمن، مثل »موتور العربية المفوت«. ويتفق الدكتور عزت عبدالعزيز الرئيس الأسبق لهيئة الطاقة الذرية مع ما ذهب إليه د.النمر في الشق الأول من رأيه، الذي أشار فيه إلي عدم المبالغة في اخطار انفجارات مفاعلات اليابان. وقال د.عبدالعزيز: »مفاعلات اليابان، تختلف تماما عن مفاعل تشرنوبل«. والاختلاف بينهما الذي يشير إليه د.عبدالعزيز هو ان الانفجارات باليابان رغم قوتها لم تدمر قلب المفاعل نفسه، ومن ثم فإن التسرب الاشعاعي بالمنطقة المحيطة بالمفاعلات أعلي نسبيا عن المعدل الطبيعي،.أما الاختلاف الذي يبديه د.عبدالعزيز مع د.النمر فهو المتعلق بعدم دقة الاختبارات التي تجري علي السلع الواردة للموانيء المصرية. وقال: »الاختبارات لا تشمل فقط المرور بجهاز الكشف المحمول، لكن هناك عينات تستقبلها معامل الهيئة لتحليلها، خاصة تلك المتعلقة بالسلع الغذائية.. اضافة إلي قيام باحثي شبكة الرصد الاشعاعي المنتشرة في ربوع مصر بالمرور بشكل دوري علي الموانيء«..لكن دفاع د.عبدالعزيز عن اجراءات الكشف عن المواد المشعة، لم يمنعه من الانضمام للدعوة إلي تطوير اجهزة الكشف التي نادي بها اللواء فكري والدكتور النمر، فهل يدق انفجار مفاعلات اليابان رغم عدم خطورته كتشرنوبل جرس الانذار لأهمية تطوير اجراءات الأمان النووي بالموانيء المصرية.