أصخت السمع إلي همس تحول صخباً وضجيجاً في الأيام الفائتة الأخيرة حول طبيعة الدور الذي لعبه الدكتور صفوت حجازي الداعية الإسلامي المحسوب علي جماعة الإخوان المسلمين والشيخ محمد حسان من »السلفيين«، والدكتور محمد البلتاجي عضو مكتب ارشاد الجماعة في تطويق واحتواء فتنة قرية »صول« الطائفية. وسجلت مجموعة من الأفكار حول ما تردد في دوائر السياسيين والمفكرين في البلد عن ذلك الملف، وأطرحه اليوم إلي المناقشة منبها -في البداية- انني لست محاميا عن أي طرف من الأطراف، فكل يستطيع -بالقطع- الدفاع عن نفسه ومحاججة مخالفيه، هذا ان كان مضطرا للدفاع من الأصل والأساس.. ولكنني راصد لتطورات المشهد العام، احاول التنبيه إلي بعض التفاصيل المهمة التي تستلفتني، وأطرحها للنقاش العام، كوني صحفيا وكاتبا اعتنق عقيدة مهنية هي الحوار عبر ما يقرب من عقود أربعة هي عمر مزاولتي لعملي العام. واعتبر ان ما رصدته بشأن الجدل الذي دار حول مبادرة الاخوان للتحرك في هذا الملف، حالة مثالية للحوار، لانها تتضمن بضعة مؤشرات تتجاوز حدودها إلي التدليل علي ما يسود المشهد المصري بأكمله في اللحظة الراهنة، وهو ما أوجزه في التالي: أولا: الاخوان لم يكونوا وحدهم، فإلي جوارهم كان المخرج الكبير خالد يوسف، والخبير عمرو حمزاوي مدير مكتب مؤسسة كارنيجي البحثية الشهيرة في الشرق الأوسط، والسيد جورج اسحق المنسق العام لحركة كفاية. ومع ذلك فقد صادفت انزعاجا كبيرا من تصدر رموز الاخوان المسلمين لمشهد عقد المصالحة بين المسلمين والاقباط، والحقيقة انني لم أفهم -أبدا- دوافع ذلك الانزعاج. إذ ان الفتن الطائفية -بصرف النظر عن مصادرها أو حيثياتها، أو مدي دقة ادعاء الحكومة بانها احد تجليات تحرك قوي الثورة المضادة ضد الأوضاع الجديدة التي افرزتها 52 يناير وما بعده -تتطلب منا جميعا التحلي بروح المبادرة والتحرك من أجل التهدئة، والعودة بالحالة العامة إلي ما يعكس فطرة المصريين السليمة المبنية علي التسامح والاعتراف بالآخر.. فإذا قام الإخوان المسلمون بالمبادرة إلي مثل ذلك التحرك، ينبغي ان يكون مجهودهم محل تقدير، واحترام من المجتمع كله، وليس محل تشكك، أو انكار، أو استرابة. ومن ثم فإنني -ابتداء - لم أفهم سبب غضب البعض من تحرك الإخوان -وحتي السلفيين- في هذا الملف بالذات، وكنت سأقابل بالترحيب والشكر أي مجهود وطني مماثل من أي فصيل سياسي أو فكري تقليدي، أو من قوي 52 يناير »غير جورج اسحق وعمرو حمزاوي وخالد يوسف« والتي -ربما- اعاقتها شواغل الجدل حول الدستور والانتخابات، ومرشحي الرئاسة، أو عوقتها قلة تنظيمها التي تمنعها -بعد- من الحركة في مجالات ليست معتادة بالنسبة لها، لتماثل ما قامت به جماعة الإخوان والممثلين الآخرون علي منصة قرية صول. ثانيا: حين جاء تحرك الدكتور البلتاجي والدكتور صفوت حجازي في هذا الملف بالذات، كنت أظنه مهدئا لروع الجماعتين الثقافية والسياسية المصريتين، لانه يؤكد صدقية الخطاب الجديد للاخوان الذي يشير إلي التزامهم »الدولة المدنية« و»التسامح« ولقد قرأت -في الآونة الأخيرة- بعض الحوارات الصحفية، واستمعت إلي رموز نجوم للجماعة الثقافية في مصر يبدون تشككهم في ذلك الالتزام، وهو ما لم أقبله، لانني لا أفتش في النوايا، وإنما أمامنا أقوال من قيادات للجماعة، علينا ان نصدقها إلي ان يثبت عكسها، وإلا -بالمقابل- فان أي اعلان يأتي علي ألسنة زعامات حزبية أو سياسية تنتمي لفصائل أخري يجب -هو الآخر- ان يصبح محل شك وانكار واستنكار. التزام الاخوان بالدولة المدنية والتسامح والاعتراف بالآخر، كانوا شروطنا بقبول عملهم السياسي العلني، فلما أعلنوا ذلك الالتزام، ولما قاموا بما يؤكده في سلوكيات كمثل المبادرة إلي المشاركة في جهود احتواء الفتنة الطائفية، فوجئت بمن يعلن عدم ارتياحه. وربما يحسن بي ان أكرر -هنا- دهشتي من مسلك نجوم ورموز الجماعة الثقافية والجماعة الفكرية في مصر الذين يطرحون علي ألسنتهم الزربة كلاما سيالا عن الديمقراطية، والليبرالية، والتعددية، ثم يمارسون سلوكا اقصائيا متواصلا لفصيل تجاوب مع مطالب المجتمع بان يعلن تطمينات تفيد التزامه بشروط معينة، وقد أفصح الفصيل عن ذلك في برنامجه السياسي العلني، ومارس من السلوكيات والحركة ما يؤكد صدقية موقفه.. وفي حالة الفتنة الطائفية -بالذات- كان ظهور الإخوان مطمئنا وحاضا علي الوحدة الوطنية، والسلم الأهلي بغير ما حدود. ثالثا: ضمن ما استمعت إليه -في هذا السياق- الاشارة إلي ان د.صفوت حجازي هو المسئول عن استحضار الشيخ القرضاوي ليؤم الناس في صلاة جمعة النصر بميدان التحرير، وهو ما غمز عدد من الأدباء والمفكرين في قناته باعتباره مظهرا خومينيا يصدر الثورة لصالح نسقها الديني، أو يخصخص نتائجها لحساب الاخوان دون غيرهم. والحقيقة انني -أيضا- لم استرح لذلك المنهج في التفكير أو بناء المواقف عند الجماعتين الثقافية والسياسية في مصر. إذ ان الدكتور صفوت حجازي -حين استقدم الشيخ القرضاوي لم يدعه لقيادة عمل سياسي، وانما دعاه لامامة صلاة الجمعة، وهو ما يجب ان يقوم به رجل دين -بالطبيعة وبالضرورة- ثم ان امامة صلاة الجمعة تلك، تفرض إلقاء خطبة -كما تعلمون- ومن المنطقي جدا ان تأتي تلك الخطبة عن حدث الثورة الذي توالت مليونياته مؤتلفة في الميدان الكبير، وأحد تجلياتها الكبري كان في جمعة النصر. وأخيرا فان الشيخ القرضاوي -لا تعنيني اتفاقات أو اختلافات معه من البعض هنا أو هناك- هو قيمة فقهية كبري تناسب حجم الحدث، وبالذات حين نضع في الاعتبار انه احتجب قسرا عن امامة الصلاة والخطابة خلالها بمصر منذ ثلاثين عاما ومن ثم فان ظهوره -في ذاته- كان عملا رمزيا يومئ إلي سقوط موانع ظالمة أجبرته علي البعاد. رابعا: واحدة من أخطر المقولات التي رافقت أو صاحبت اللغط العام حول دور ممثلي الإخوان في تطويق الفتنة، كان ما يتعلق بمنظر جلوس قائد المنطقة المركزية عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة معهم علي المنصة وأعرف انني -الآن- سأتعرض إلي موضوع حساس بطبيعته، ولكنني وكبار المؤمنين بان النقاش الصحي والصحيح لأي ملف مهما كان شائكا والوسيلة المثالية للتعاطي معه، أو الحوار حوله. القوات المسلحة -في الفترة الانتقالية التي حددتها لنفسها والتي ينادي البعض بمدها لضرورات يراها- تعاملت مع كل فصيل وطني محاولة استخراج أفضل ما فيه وتوظيفه لصالح إقالة الوطن من عثراته الكثيرة، والعبور به إلي افق الاستقرار من جديد.