ظلت السينما منذ نشأتها تعتمد علي الأدب في نسج حبكاتها وصياغة أفكارها، إلا أنه، في مصر تحديدا، توقف هذا الرابط المتين بين الفن الأقدم والفن الأحدث والأوسع انتشارا بسبب اعتماده علي لغة الصورة في الأساس، وتوارت الكلمة "المكتوبة" عن أذهان صناع السينما حتي عادت في السنوات الأخيرة من جديد، من خلال تجارب اعتمدت علي روايات لكتاب شبان مثل فيلم "هيبتا" وقبله فيلم "الفيل الأزرق" المأخوذين عن نصين أدبيين.. فكيف يري نقاد الأدب تلك الظاهرة بما لها وما عليها؟ وهل العلاقة بين السينما والأدب علاقة صحية أم أن الدراما تلجأ إلي الأدب فقط حين تفلس؟! يشير الناقد د. محمد حسن عبد الله إلي أن هذه الظاهرة – إذا عدت ظاهرة- تعد إيجابية في خدمة الإرتقاء بالوعي العام وبلغة الخطاب كما تعد وسيلة للتنويع في طرح القضايا ومستويات الأداء في التمثيل ما بين الواقعي والعبثي والكلاسيكي والتجريبي، حسب طبائع الأعمال الأدبية وأساليب كتابتها، وهذا الأمر من وجهة نظره ليس بالجديد، فقد أسست السينما المصرية بفيلم "زينب" المأخوذ عن رواية ل د. محمد حسين هيكل، وبلغت مدي نجاحها بكتابات طه حسين مثل "دعاء الكروان" . الاعتماد علي الأدب ويقول د. عبد الله عن التجارب السينمائية الجديدة التي تعتمد علي الأدب: آخر تعليق قرأته في هذا الاتجاه هو تعليق عدد من النقاد علي فيلم هيبتا، لقد رأيت الفيلم وأعجبني أداء وتكنيكا وفكرة، غير أني لم أكن قد قرأت الرواية، ويري بعض نقاد السينما أن الفيلم أقوي من الرواية ومثل هذا الأمر يحكم فيه من يملك الوعي بفن الكتابة وفن السينما علي حد السواء. ويبدأ الناقد د. حسين حمودة حديثه قائلا: أتصور أن اعتماد بعض المسلسلات علي أعمال أدبية يمكن أن يقدم "ضمانًا" لوجود حد أدني من المستوي الفني، بافتراض أن هذه الأعمال الأدبية هي أعمال يمكن الاتفاق علي قيمتها الفنية، وأنها تنتمي إلي كتاب أو كاتبات يمتلكون أدوات إبداعية مشهودة، كما حدث مع أعمال لنجيب محفوظ وبهاء طاهر وفتحية العسال وخيري شلبي إلي آخره. ويضيف د. حمودة أن كثيرين من كتاب السيناريو عندما يتقنون مهارات خاصة بكتابة السيناريو فحسب، وبعضهم لا يستطيع أن يصوغ عملا إبداعيا خارج هذه المهارات، وإن كان هناك كتاب سيناريو راحلين، مثل أسامة أنور عكاشة علي سبيل المثال، قد بدأوا حياتهم كتاب قصة ورواية، وعلي ذلك أعتقد أن اعتماد المسلسلات علي أعمال أدبية يمثل ظاهرة إيجابية، تعالج فقر الرؤي وتكدس الأعباء بالنسبه..لكتاب السيناريو. وعن تحويل أعمال أدبية لكتاب شباب إلي سيناريوهات السينما يضيف حمودة: في السنوات الأخيرة هناك ظاهرة اعتماد السينما علي أعمال أدبية لكتاب شبان، ولكن أغلب هذه الأعمال السينمائية تختار أعمالا روائية رائجة "بيست سيلر" وهي بذلك تراهن علي مخاطبة جمهور واسع وكبير، وتعتمد علي "شباك التذاكر"، وأتمني أن تلجأ السينما إلي اختيار أعمال روائية أخري لكتاب وكاتبات شبان يطرحون مستويات أعلي من الرؤي والمعالجات الفنية. من أسباب النجاح أما الناقد د. سيد ضيف الله فيقول: هناك العديد من الأعمال الدرامية والسينمائية يرجع سبب نجاحها الأساسي إلي أنها كانت عملاً أدبيا تحول إلي سيناريو لمسلسل أو لفيلم سينمائي علي يد سينارست ومخرج يدرك قيمة العمل الأدبي الذي بين يديه وكيف يمكن توظيفه سينمائيًا ودراميًا بشكل يساوي إن لم يفق نجاحه الأدبي، لكن ليس معني ذلك أن الأدب هو الحل لأزمة الدراما والسينما؛ لأن أزمة الدراما ليست منحصرة في وجود أزمة في النص وإنما تتعدي ذلك إلي جوانب عديدة تخص السينما بوصفها صناعة لم يعد نجاحها مرهونًا بنص متميز فحسب. ويضيف علي ذلك أنه ربما يكون ذلك الإحساس بوجود أزمة في الدراما والسينما راجع إلي مقارنتنا بين دراما وسينما إقليمية ودولية حققت طفرات في منجزها الفني فضلاً عن مقارنتنا بتراثنا السينمائي والدراما. أن جمهور القراء الذي يسعي إلي نصوص أدبية يعرف نوع المتعة الذهنية الذي ستقدمه له بل ويعرف حجم القلق الذي ستتركه له من جراء طرح أسئلة حرجة علي واقعه ومصيره، ولذلك مجرد التفكير في توسيع هامش هذه المساحة بالاعتماد علي الأدب لحل مشكلة السينما والدراما يعني أنهما سيغامران بجمهورها الحالي وحساباتها التجارية، بل أزعم أنها سوف تغير جلدها أي ستلقي نفس مصير الأدب، وهو تقليص حضوره في الساحة الثقافية ليغدو أشبه بولي لا يسعي إليه إلا من يعرف من مريديه سرّه الباتع. وتري الكاتبة والناقدة د. لنا عبد الرحمن أن الدراما لها تقنيات فنية وأدوات مختلفة عن الأدب، فليس شرطا أن يكون عملا أدبيا جيدا حتي يتحول إلي عمل درامي جيد إلا اذا كان كاتب السيناريو والمخرج لديهم دراية واسعة بالمجالين، ولو وضعنا عملا أدبيا متميزا في أيدي كاتب سيناريو سيء ومخرج سيء سينتج مسلسلا رديئا فنيا، لكن الدراما تخاطب الجماهير، ولها أدواتها في استخدام الصورة والحوار بشكل وأسلوب أكثر حضورا من العمل الأدبي القائم علي نص مكتوب، وقارئ. هذه الفروق الواضحة لا تسمح بمقارنة دقيقة، هناك أعمال درامية بديعة لم تؤخذ عن نصوص أدبية لكن حققت نجاحها بفضل عبقرية كاتب السيناريو، والمخرج مثل " ليالي الحلمية" و" الراية البيضا" " زيزينيا" و" الشهد والدموع"، في المقابل هناك أعمال درامية تفوقت علي النص المكتوب أيضا مثل مسلسل " ذات". الارتباط وثيق يبدأ الناقد عمر شهريار حديثه مشيرا إلي أن السينما طوال تاريخها كان لها ارتباط وثيق باﻷدب، والسينما المصرية طوال تاريخها كثيرا ما اعتمدت علي روايات أدبية، لكنها مع الوقت بدأت تنفصل وتقريبا وصلت إلي مرحلة الفطام واعتمدت علي نصوص تكتب خصيصا للسينما، وبدأ الاتكاء علي نصوص أدبية يخفت شيئا فشيئا، بل شاهدنا مؤخرا كثيرا من الروايات التي تعتمد علي تقنيات السينما مثل المونتاج والمشهدية وغيرهما من التقنيات، لكن في فترات ضعف السينما وانتشار أفلام المقاولات تعود السينما مرة أخري إلي اﻷدب بحثا عن نصوص أدبية تعصمها من الزلل وتنتشلها من السيناريوهات الركيكة، فتصبح فعلا ملاذا لها، لكن المعضلة أننا في الفترات اﻷخيرة وجدنا كثيرا من اﻷعمال السينمائية والدرامية المأخوذة عن أعمال أدبية تحاول الهروب من خلطة دراما العنف والرقص والمخدرات السائدة حاليا، لكن هذه اﻷعمال اعتمدت علي نصوص أدبية متهافتة وضعيفة وبلا قيمة تقريبا، وهذا نتيجة قلة وعي القائمين علي السينما وصناعها، وثقافتهم السطحية، ما يجعلهم يستسهلون اللجوء إلي روايات "البيست سيلر" المشكوك في أدبيتها أصلا، بل إن بعضها مسروق أصلا من أفلام أجنبية، وذلك علي عكس ما كان يحدث سابقا، عندما كان صناع السينما لديهم ثقافة حقيقية وعميقة فكانوا يلجأون إلي نصوص ذات قيمة أفادت اﻷدب والسينما معا مثل دعاء الكروان وبداية ونهاية والثلاثية والحرام ومالك الحزين والحب فوق هضبة الهرم.. ما أعطي زخما للفنين معا، أما اﻷعمال الأدبية التي يتم تحويلها اﻵن إلي أفلام فتسيء للأدب والسينما علي حد سواء وتساهم في انحدارهما. سمر نور