شهدت السنوات العشر الأخيرة ظاهرة غابت عن الوسط الأدبي والفني المصري ربما لعقود، وهي ظاهرة تحويل الروايات إلى أفلام سينمائية وأعمال درامية، وفي حين يرى البعض أنها ظاهرة صحية، ومفيدة لكل من السينما والأدب، يذهب البعض الآخر إلى أنها امتداد، وترويج، لظاهرة "البيست سيلر" التي ازدهرت في الأعوام الأخيرة. البداية كانت في 2006 عندما تم تقديم رواية "عمارة يعقوبيان" للروائي علاء الأسواني إلى فيلم يحمل الاسم نفسه، من إخراج مروان حامد، وبطولة عادل إمام وهند صبري. تناول النقاد الأدبيون والفنيون آنذاك هذا الفيلم بنوع من الإشادة، بصفته إعادة للظاهرة التي شهدتها مصر في فترة الستينيات والسبعينيات، والتي كان أبطالها الأديب العالمي نجيب محفوظ والمخرجان صلاح أبو سيف وحسن الإمام، وساهم في ذلك الصورة الجيدة التي خرج بها الفيلم، من حوار جيد، وإخراج متميز، وأداء عالي الجودة من الأبطال. الأمر بالفعل تطور ولم يتوقف عند عمارة يعقوبيان، وبدأت أنظار منتجي السينما والتليفزيون تتحول نحو الأدب لتجسيده على شاشة السينما، والشاشة الصغيرة، وبدا أنها ستتحول إلى ظاهرة بالفعل بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي شهدت السنوات التالية لها رواجا كبيرا للكتابة في كافة المجالات الأدبية وبخاصة الشعر والرواية، هذا الرواج الذي تمخض عن ظهور جيل جديد من الكتاب الشباب. ورغم أنه يبدو ظاهريا من الجيد أن تمتلك جيلا من الكتاب حديثي السن، فإن النقاد قابلوا هذا الجيل بنظرة متشككة ما لبثت أن تحولت إلى هجومية، فعلى الرغم من أن هذا الجيل حقق شعبية كبيرة، ودفع عددا لا يستهان به من الشباب للقراءة، فإن كثيرًا من النقاد يرون أن ما يقدم من أعمال لا يرقى لأن يكون عملا أدبيا جديا، الأمر الذي يعني بالضرورة عدم جدوى هذا الرواج الذي حققوه في معدلات القراءة، لتصبح عبارة "كاتب بيست سيلر" سبة. هذا الأمر انعكس بدوره على الأعمال الدرامية المأخوذة عن هذه الروايات، فإن كثيرين لا يرونها مفيدة للسينما، أو استعادة لمرحلة الستينيات، وإنما يرونها استغلالا لرواج هذه الروايات بين جيل الشباب، ما يعني أن الفيلم المأخوذ عنها سيحقق الرواج نفسه. ومما يعزز من هذا الرأي أن غالبية الأعمال التي جسدت دراميا في هذه الفترة تعود لهذا الجيل المعروف بجيل "البيست سيلر" إذ لم تشهد السنوات الأخيرة سوى تجربة واحدة لعمل درامي لأحد كتاب جيل السبعينيات وهو صنع الله إبراهيم الذي تحولت روايته "ذات" لمسلسل تليفزيوني بطولة نيلي كريم وإخراج كاملة أبو ذكري، فيما عدا ذلك فإن الأعمال التي تم تقديمها أو المزمع تقديمها تعود لجيل الشباب. في عام 2012 تم تحويل رواية "فرتيجو" للكاتب أحمد مراد لمسلسل تليفزيوني من إخراج عثمان أبو لبن، وقامت ببطولة هند صبري. 2014 أيضا شهد تحويل رواية "الفيل الأزرق" للكاتب نفسه إلى فيلم سينمائي من إخراج مروان حامد، وبطولة كريم عبد العزيز ونيلي كريم. وكان مراد قد تعاقد منذ عام 2010 مع إحدى شركات الإنتاج على تحويل روايته "تراب الماس" إلى فيلم سينمائي، يقوم ببطولته أحمد حلمي ومحمود عبد العزيز، ولكن تعطل إنتاج الفيلم بسبب مشكلات بين الكاتب وشركة الإنتاج. العامان الأخيران شهدا تعقادات عديدة بين كتاب وشركات إنتاج، حيث وقع أشرف العشماوي عقدا مع إحدى الشركات لتحويل روايته "البارمان" لمسلسل تليفزيوني، كما وقع حسن الجندي عقدا مشابها لتحويل "المرحوم" لفيلم، بالإضافة لتعاقد إبراهيم عيسى مع إحدى الشركات المنتجة لإنتاج روايته "مولانا" كفيلم سينمائي يقوم بكتابته السيناريست مجدي أحمد علي، وأخيرا تأتي "هيبتا" لمحمد صادق، التي من المزمع تحويلها لفيلم سينمائي وقد تم اختيار بعض الشخصيات منها الممثلة ياسمين رئيس والممثل الشاب أحمد مالك. الملاحظ في هذه الأعمال أنها تنتمي إلى أحد نوعين، الرعب والروايات البوليسية، وهو الأمر الذي يدفع النقاد للتشكيك في مدى قدرتها على إحداث نهضة سينمئاية مشابهة لنهضة الستينيات، نظرا لغياب هذه الأعمال الاجتماعية والفكرية التي بنيت عليها الأخيرة. الإقبال الذي تشهده هذه الأعمال سواء في السينما أو في التليفزيون يجعل تحويلها أمرا مغيرا لكل من الكاتب ودار النشر؛ نظرًا لما تحققه من مكاسب مالية عظيمة، تفوق بالتأكيد المكاسب التي تحققها الرواية وحدها، حتى أن البعض يذهب إلى أن بعض هذه الأعمال يشير بناؤها إلى أنها كتبت خصيصًا لتكون صالحة للمعالجة الدرامية. ولكن مما يتعلل بنه منتجو السينما أن هذه الأعمال هي المتاحة حاليا في الوسط الأدبي، مشيرين إلى أن فترة الستينيات والسبعينيات كانت تمتلك قامات أدبية كبيرة كنجيب محفوظ ساعدت في خروج أفلام عظيمة من الناحية الفكرية، في حين أن الأمور تغيرت، حيث صار اللون الرائج هو لون الإثارة والرعب. في حين يخرج رأي يطالب، بما أن المنتجين يمتلكون رغبة تحويل الأعمال الأدبية لأعمال درامية، بأن تتجه الأنظار إلى أعمال الأجيال السابقة التي ما زالت صالحة للإنتاج كجيل السبعينيات تحديدا، مثل خيري شلبي وإبراهيم أصلان وإبراهيم عبد المجيد وغيرهم ممن يمتلكون أعمالا أدبية يشهد لها بالرقي الأدبي. ولكن يبقى العائق أمام الاتجاه لهذه الأعمال هو العائد المادي، فمع تراجع معدلات القراءة في جانب، واتجاهها إلى جانب آخر، من الصعب على المنتج أن يختار الكفة غير الراجعة، ما يعد مخاطرة مادية غير محسوبة، وهو ما يرجح الرأي القائل بأن الأمر تجاري. في حين يحسب لهذه الأعمال الجديدة عند إنتاجها سينمائيا أنها تجتذب الجمهور بعيدا عن الأهمال المتهمة بالهبوط والترويج للانحطاط الخلقي. وكما أن ظاهرة "البيست سيلر" باتت أمرًا واقعًا، فإن مسألة معالجة هذه الأعمال دراميا باتت أمرًا واقعًا هي الأخرى، ويبدو أن السينما والتليفزيون سيشهدان فترة تعج بهذه الأعمال، فهل نرى خلال السنوات القادمة نهضة سينمائية قائمة على الأدب، أم أن الأمر محض استنساخ لظاهرة البيست سيلر.