هل تقول ميركل لكاميرون تفضل خارج الاتحاد؟ العالم القديم في أزمة.. هذا ما تبدو عليه أوروبا حاليا وسط تدهور اقتصادي وكارثة إنسانية في ظل موجات اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وعجز مؤسسات الأمن عن توفير الحماية للمواطنين، وهي الأوضاع التي تجعل وحدة أوروبا الممتدة منذ أكثر من نصف قرن علي المحك. ويؤكد تقرير فورين بوليسي أن العقد الماضي كشف نقاط الضعف الرئيسية في النظام الاوروبي، حيث لم تكن المشكلة موجة التنقل من الدول الفقيرة المنضمة حديثا للاتحاد إلي الدول الأكثر ثراء، طالما ان رأس المال يتدفق من الأغنياء للفقراء، ولكن بدأت المشكلات في الظهور منذ 2010 في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي كان سببها الرئيسي تدهور الاقتصاد الأمريكي.. وعلي وقع الأزمة تغيرت أولويات الدولتين المؤسستين للاتحاد حيث أصبحت ألمانيا دائنا بينما تحولت فرنسا إلي مدين، واختلفت خطتهما لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي ضربت القارة، واتجه قادة الاتحاد من التعاون إلي قرارات اللحظة الأخيرة في حالات الطوارئ، وبالتالي تجنبوا الكوارث ولكن لم يعالجوا الأزمة كليا في ظل التضخم الذي وضع الحكومات تحت رحمة الدائنين، وكانت النتيجة انقسام اوروبا إلي معسكري الدائنين والمدينين دون النظر إلي أي مصالح مشتركة، وهو ما وضع القارة في أكبر انقسام منذ انهيار جدار برلين. أما أزمة اللاجئين فقد وضعت صناع القرار في اختبار حقيقي أكثر من الأزمة الاقتصادية، حيث اختلفت طرق تعامل الدول ما بين من فتحوا أبوابهم مثل ألمانيا والسويد ودول رفضت استقبال طلبات اللجوء مثل بولندا والمجر، وهو ما أثر علي نظام التأشيرات "الشنجن" التي فتحت الحدود بين الدول الاوروبية. كما أضعفت الهجمات الإرهابية في باريس وبروكسل الثقة في النظام الاوروبي حيث فشل رجال الأمن الفرنسيون والبلجيك في التعاون معا، مما أعطي الفرصة للارهابيين للحصول علي المأوي والتمويل والتدريب، مستغلين النظام الاوروبي الموحد. ويرصد التقرير ضمن أسباب ضعف النظام الاوروبي حاليا سطوع نجم المحافظين أو الراديكاليين في النظام السياسي وما اسفرت عنه الانتخابات في العديد من أنحاء العالم ومنها اوروبا، مثل الحال في أمريكا مع ظهور المرشحين الجمهوريين للرئاسة تيد كروز ودونالد ترامب، كما أن النظام الاوروبي ترك القرار في أيدي ناخبي كل دولة وهو ما لم تظهر خطورته في العقود الماضية وسط هيمنة المؤيدين للوحدة الأوروبية، ولكن حاليا ظهرت خطورته مع تصاعد الأحزاب المؤيدة لاستقلال دولها عن الاتحاد الاوروبي، وبالتالي اذا لم يستطع القادة الاوروبيون اصلاح العيوب في النظام السياسي للاتحاد فإن أزمات الاقتصاد والمهاجرين والأمن ستظل في تصاعد مستمر. ويضيف التقرير أن ضمن أسباب ضعف الاتحاد الاوروبي هو ضعف نظامه البرلماني ذي الغرفتين، وهما البرلمان الاوروبي بأعضائه ال751 ومجلس الاتحاد الاوروبي والذي يمثل مجلسا لمجموعة من وزراء الدول بالتناوب بحسب الموضوع الذي يتم مناقشته في الاجتماع، حيث يؤدي العدد الكبير والتردد بين أعضاء البرلمان الاوروبي إلي جعله بلا فائدة حقيقية، ويهيمن علي قرارات مجلس الاتحاد الاوروبي المشكل من وزراء يهتمون في الغالب بمصالح دولهم، وينتهي النقاش إلي طريق مسدود مع تمسك كل دولة بمصالحها، وهو ما يتكرر في القمم الاوروبية الطارئة التي فشلت كثيرا الفترة الماضية مثلما حدث في أزمة الديون اليونانية، حيث لم تتوحد مصالح الدول وبالتالي كان القرار يتخذ في اجتماعات مغلقة لقادة كبار الدول بعيدا عن أي آلية ديمقراطية بالاتحاد الاوروبي. المسئولون الاوروبيون عليهم أن يستخدموا مزيدا من الديناميكية في عملهم لتحقيق الفاعلية في اتخاذ القرار، حيث أصبحت الاجتماعات والقمم عادة، وتعطي فرصة للرافضين لتخريب أي اتفاق، مثلما حدث في اتفاق الاتحاد الاوروبي الأخير مع تركيا بشأن اللاجئين حينما عارضته قبرص، وفي النهاية اتفقت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو علي صيغة تم عرضها علي الزعماء الاوروبيين بعيدا عن الاتفاق الذي استغرق شهورا لإعداده من جانب دونالد تاسك رئيس المجلس الاوروبي. ويؤكد التقرير أنه لكي تحل أوروبا أزمتها لابد من الاخذ في الاعتبار نقطتين مهمتين هما حاجة أوروبا إلي خلق ساحة شعبية ديمقراطية تناقش فيها كل الآراء وتساهم في اتخاذ القرارات الجماعية والتشريع، والنظر إلي صيغة توافقية بين السيادة الوطنية والنظام الاوروبي الموحد، حيث إن كلا من مؤيدي ومعارضي الاتحاد الاوروبي يتفقون علي ضرورة التكامل بين الدول الاوروبية، وبالتالي أولي خطوات إصلاح وحماية أوروبا خلق آلية لاتخاذ القرار من ممثلين منتخبين، حيث يبدو الزعماء الأوروبيون مترددين في نقل السلطة والقرار إلي البرلمان الاوروبي. ويقترح التقرير نموذجا لآلية ديمقراطية جديدة لاتخاذ القرار في أوروبا، بإنشاء غرفة ثانية للبرلمان الاوروبي تسمي الغرفة الأوروبية، بحيث يبقي البرلمان الاوروبي التقليدي يؤدي عمله كنظام تشريعي يمثل مختلف الرؤي السياسية، ويختار أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان، أعضاء البرلمانات الوطنية الأوروبية، والتي ستحدد لاحقا مهام "الغرفة الاوروبية"... وعلي عكس أعضاء المجلس الاوروبي الحالي، سيقوم أعضاء الغرفة الاوربية بخدمة القضايا الاوروبية الأوسع نطاقا، ويعتبرون جسرا بين البرلمانات الاوروبية والمحلية، كما يتم تحديد عدد ممثلي كل دولة بحسب عدد سكانها، ويؤكد التقرير أن الغرفة الاوروبية ستعيد الثقة في الاتحاد الاوروبي، وتدفع الدول المعارضة للاتحاد لفتح أبوابها لنقاش المصالح الاقليمية. ولتنفيذ مقترح "الغرفة الأوروبية" يقترح التقرير أن تكون الخطوة الأولي تشكيلها من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، والتي تمثل معا 75% من السكان والدخل القومي لمنطقة اليورو، وبالتالي البدء بتلك الدول سيكون خطوة لتسريع مواجهة التحديات الاقتصادية للمنطقة. ويختتم التقرير بالتأكيد علي انه لمواجهة المشكلات الأوروبية المتصاعدة مطلوب حملة لإعادة تصور المؤسسات الاوروبية واستعادة حس المواطن الاوروبي المفقود، حيث ان الوقت قد حان لإعادة النظر في المؤسسات الاوروبية لتقوية اوروبا وبالتالي تقوية الاقتصاد الدولي وحل مشكلات العالم.