ثورة في الطبقة الوسطي، وركود اقتصادي وعودة للتضخم وطبقة حاكمة كشف الفساد عوراتها، ورئيسة مهددة بالخضوع لإجراءات تجبرها علي التنحي، لدرجة أنها ألغت زيارتها للولايات المتحدةالأمريكية.. هذا هو حال البرازيل بعد فترة نمو وازدهار مطلع القرن الحالي.. حال كان من الممكن أن يؤدي في زمن ليس ببعيد لانقلاب عسكري، ولكن هذا الزمن ولي ولم يعد هناك ديكتاتوريون عسكريون تدعمهم المخابرات المركزية الأمريكية. لكل ما سبق أصبحت لغة الخطاب التي استخدمتها الرئيسة الحالية ديلما روسيف ورفيقها الرئيس السابق لولا دي سيلفا وحزب العمال الحاكم، مثيرة لغضب كثيرين، فمع موجات الغضب في الشارع وتحركات المعارضة وفق ما تحدده الأُطر القانونية لنزع الثقة عن روسيف من خلال البرلمان، تتحدث تلك الأخيرة عن ∩انقلاب∪ تقوده النخب والإعلام وقضاة في الخدمة، وذهب بعض قادة حزب العمال إلي الحديث عن ∩انقلاب دستوري∪، ما يدل علي تناقضات صارخة تعانيها روسيف وحزبها. عزل رئيس الجمهورية هو إجراء منصوص عليه في الدستور البرازيلي، وهناك سابقة في التاريخ الحديث تتمثل فيما حدث مع الرئيس فرناندو دي ميللو (1990−1992) الذي تمت الإطاحة به علي وقع اتهامات بالفساد ومظاهرات حاشدة في الشوارع.. في تلك الأثناء لم يصرخ حزب العمال بحديث المؤامرة والانقلاب بل أعلن تأييده للشارع، وبعد إجبار دي ميللو علي الاستقالة خلفه نائبه إيتامار فرانكو الذي استطاع رغم افتقاده الكاريزما، الحفاظ علي مؤسسات الدولة. الحديث عن ∩انقلاب∪ في بلد خارج لتوه من عقود من الحكم العسكري الديكتاتوري يثير الشك فيمن يروجون للمصطلح، ففي انقلاب عام 1964 علي سبيل المثال، تم تعليق الدستور والحقوق المدنية وفُرضت قيود صارمة علي الصحف ووسائل الإعلام، وأُقر القانون العسكري في أنحاء البلاد ونٌفذت أحكام بالإعدام دون محاكمات، وأُلقي كثيرون، من بينهم روسيف ودي سيلفا في السجون، لذا كان من المفترض أن الرئيسة وصديقها لولا دا سيلفا يحسنان اختيار الكلمات التي تعبر عن واقع الحال. وإذا كانت كلماتهما بهدف سحب البساط من تحت أقدام الشارع والمعارضة، فإن السحر انقلب علي الساحر، حيث ظهرت قيادات منفصلة عن الواقع وتعيش حالة إنكار لأخطاء ظاهرة للعيان، مع رفض مطلق لأي حديث عن فساد استشري في اجهزة الدولة من رأسها وحتي أخمص قدميها، لا سيما مع الارتفاع غير المبرر للضرائب وتراجع الخدمات المقدمة في مجالي الصحة والتعليم. روسيف التي أعيد انتخابها لفترة ثانية بصعوبة بالغة في خريف عام 2014، تواجه مأزقاً حرجاً، وتبدو الاستقالة ليست بالحل الأمثل للخروج منه بشكل مشرف، وقد يكون الخيار الأمثل هو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة تُعيد الكرة في ملعب البرازيليين وتمنحهم الحق في إبداء القول الفصل، وتسمح لكلا المعسكرين، السلطة والمعارضة، بإبراز حجته أمام الرأي العام، وأياً كان المترتب علي هذا الإجراء فمن المؤكد أنه سيكون متماشياً مع احترام الدستور.