في الأسبوع الماضي نشر موقع (Boxun) يبثه ناشطون صينيون من الولاياتالمتحدة رسالة إلي شعبهم، تقول: [إلي عمالنا المتعطلين..وإلي ضحايا القهر والتعذيب والفاقة والحرمان من أبسط الحقوق.. ندعوكم إلي المشاركة في تظاهرات في 13مدينة صينية، ورفع شعارات وهتافات تطالب بالحرية والديمقراطية و الإصلاحات السياسية والاقتصادية وقيام الأحزاب وإنهاء نظام الحزب الواحد]. واختار أصحاب الدعوة يوم الإثنين الماضي موعداً لقيام وانتشار التظاهرات. رغم الرقابة الرسمية علي »النت« وكل وسائل تناقل المعلومات التقليدية والإلكترونية إلاّ أن الرسالة اخترقت طريقها إلي داخل الصين، و وصلت إلي أعداد كبيرة من المواطنين ونقلوها بدورهم إلي معارفهم وجيرانهم. وبالفعل.. نشبت بضع تظاهرات في مدن متفرقة، خاصة في العاصمة بكين، شارك فيها المئات من الساخطين الغاضبين والرافضين لظروف معيشتهم السيئة، رغم الطفرة الاقتصادية الهائلة التي حققتها الصين وأصبحت تسبق اليابان في قائمة الدول الأكثر نمواً اقتصادياً في العالم! ردد المتظاهرون الشعارات التي اقترحتها الرسالة الإلكترونية، وأضافوا إليها هتافات جماعية جديدة مثل: »نحن جوعي.. نريد طعاماً«، »نريد حقنا في العمل«، » نحن في الشوارع.. نريد سكناً«، إلي جانب: »تحيا الحرية«، و »تحيا الديمقراطية«. وسرعان ما وصلت كتائب شرطة بكين إلي مكان التظاهرة وقامت بتفريقها بوسائلها القمعية التقليدية، وألقت القبض علي العشرات ممن تصورت أنهم رموز حركة التمرد. ما حدث في بكين حدث في كل المدن التي لبي المئات من سكانها دعوة التظاهر السلمي المحظور قانوناً، وإرهاباً في شبه القارة الصينية! متحدث باسم مركز حقوق الإنسان والديمقراطية في هونج كونج، حدد عدد الذين تم القبض عليهم في تلك التظاهرات بكين وشانغهاي وغيرهما ب100شخص علي الأقل. مراسل صحيفة »ليبراسيون« الفرنسية كان شاهد عيان لتظاهرة شانغهاي التي تجمعت في »ميدان الشعب« أكبر ساحات المدينة. وعن مشاهداته كتب الصحفي الفرنسي قائلاً: [ الصينيون يكرهون الشيوعية، لكنهم يخافون الجهر بها.. وهذه هي المشكلة الرئيسية، كما أكد لي مواطن صيني: »Zhao« 78عاماً كان يقف إلي جواري في الميدان. وصارحني الرجل قائلا باللغة الإنجليزية حتي لا يسمعه الآخرون: »هذه الحكومة هي حكومة لعصابات اللصوص والأفّاقين، أما أبسط حقوق ومطالب الشعب فهذا آخر شيء يمكن أن يشغل بالها! أما الديمقراطية، وحرية التعبير والاستماع إلي الرأي الآخر، وغيرها من الحريات فإننا نسمع عنها ولا نراها.. لأنها محظورة تماماً في بلادنا. إن مهمة الجيش في أي نظام حكم طبيعي مقصورة علي الدفاع عن الوطن أما الجيش الصيني فهو من أجل خدمة الحزب الواحد الحاكم]. الحراك الشعبي في الصين أرجعه كثيرون إلي ما سمعه، وتابعه، الصينيون خلال الأسابيع القليلة الماضية عن التظاهرات الضخمة التي قامت من أجل التغيير وإسقاط الأنظمة الحاكمة في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا. نشطاء المعارضة الصينية السرية في الداخل، والعلنية في الخارج أعلنوا إعجابهم بشجاعة الشعوب العربية، وأيدوا حقوقها ومطالبها علي مواقعهم الإلكترونية ونادوا في الوقت نفسه بتكرارها في الصين. المتفائلون بانتقال ثورات الشعوب العربية إلي الصين مليار ونصف المليار نسمة يعترفون في الوقت نفسه بأن عملية الانتقال لن تكون سهلة. فالنظام الصيني وأجهزته القمعية لن يتردد في استخدام أساليبه التاريخية والتقليدية في إبادة الجماهير بالجملة والقطاعي. ومن المتوقع أن يسقط الآلاف وربما مئات الآلاف من المواطنين إذا صمموا علي تظاهراتهم وتمسكوا بإسقاط النظام في بلادهم. المتشائمون يستندون، في استبعادهم لقيام ثورة شعبية في الصين،إلي أهوال ما يتوقعه الجميع كرد فعل النظام الحاكم في محاولات قمعها وإخراس أصواتها. والسؤال الذي يطرحه المتشائمون هو: »هل الصينيون علي استعداد للتضحية بعشرات أو مئات الآلاف منهم في سبيل إنجاح ثورتهم؟!« طارحو السؤال انقسموا في الإجابة عنه. البعض استبعد تقبل الشعب لهذه المجازر والمذابح المتوقعة لأبنائه. والبعض الآخر قلل من أعداد الضحايا ليس لرحمة في قلوب زبانية النظام الحاكم، وإنما خوفاً لرد فعل المجتمع الدول الانتقامية.. ولن يجد أمامه في النهاية إلاّ الرضوخ لإرادة الشعب. بين المتفائلين بانتفاضة الصين وبين المتشائمين المتخوفين في الوقت نفسه من تبعاتنا، ظهر رأي ثالث يقول: »ثورة الشعب الصيني آتية لا ريب فيها. إن لم يكن اليوم، فغداً«.