هذه التعديلات الدستورية عام 2007 التي كتبت بقلم مغموس بالبغي والطغيان والتجبر والتكبر، والاستهانة بحقوق الشعب وحرياته، وبمبدأ سيادة القانون، والشرعية الدستورية، وبالعدوان علي هذه الشرعية وعلي القيم الانسانية والاجتماعية والخلقية التي تقوم عليها الدساتير. هذه التعديلات الدستورية، لم يقف امام غلوها واسرافها وافتئاتها علي حقوق الشعب وحرياته، ما يردعها عما تريده من قهر له واذلاله، والافتئات علي كل امل للإنسان في عيش كريم، آمن علي نفسه وعلي اولاده، وعلي بيته وعلي حياته الخاصة، من اي عدوان عليها. فتفتق اذهان من اعدوا هذه التعديلات عن نص لا مثيل له في اي دستور، وفي أية دولة في العالم كله، نص يفرغ الدستور من مضمونه، ومن مبادئه والقيم الجوهرية الأساسية التي تقوم عليها كل الدساتير ، بل يجرد الدستور من مكانته ومرتبته العليا بين كل القوانين، ويجرده من أبوته للقوانين جميعاً. سمو الدستور فلم يعد الدستور، بعد التعديلات التي أجريت عليه في عام 2007 يتميز علي غيره من القوانين بالسيادة والسمو، ولم يعد لقواعده ومبادئه الحق في أن تستوي علي القمة من البنيان القانوني للدولة، ولم يعد لها الحق في أن تتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي تلتزم الدولة الخضوع لها في تشريعها وقضائها وفي مجال مباشرتها لأعمالها التنفيذية، وأن يكون الدستور أباً لكل القوانين كما هو مقرر في كل النظم الدستورية والقانونية، بل أصبح قانون مكافحة الإرهاب يتميز علي الدستور بالسيادة والسمو، ويتبوأ مقام الصدارة علي قواعد الدستور ذاتها، بل علي أهم قواعده ومبادئه، وهي الحريات الشخصية والعامة التي يفترض أن يكفلها الدستور ويصونها، فجاء التعديل الدستوري في سنة 2007 ليبيح لقانون من قوانين الدولة أن يدوسها في طريقه، وليبيح للسلطة التنفيذية أن تنتهكها وقتما تشاء وحينما تشاء. تجريد الدستور من أهم مقوماته ذلك أن تميز الدستور عن غيره من قواعد قانونية في النظام القانوني لأي دولة، أنه كفيل الحريات وموئلها، بل إن هذه الحريات العامة التي يكفلها الدستور، لها قيمة دستورية تعلو الدستور ذاته، لأنها ليست من صنعه، أنها حقوق طبيعية للإنسان/ تسبق وجود الدستور بل وجود الدولة ذاتها.. إلا أن التعديل الدستوري عام 2007 قد جرد الدستور المصري من هذا الحق، ليهدرها بموافقة مسبقة من الدستور علي تفويض السلطة التشريعية، في إهدار الحريات العامة والشخصية التي ينص عليها الدستور من خلال ما تسنه من تشريعات لمكافحة الإرهاب، كما فوض أجهزة الدولة التنفيذية في إهدار هذه الحريات والحرمات لدي مكافحة الإرهاب. تعطيل الرقابة الدستورية علي القوانين ولم يكتف النظام السابق، بما اقترفه من جرم في حق الرقابة القضائية علي دستورية القوانين، وفي عدوانه علي المحكمة الدستورية عام 1998 بالقرار الجمهوري بقانون رقم 168 لسنة 1998 الذي كان بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت علي هذه المحكمة، بالحد من الأثر الرجعي لأحكامها، بالنسبة إلي بعض القوانين التي تقضي بعدم دستوريتها، فلا يفيد من الحكم عن الفترة السابقة علي صدوره إلا من قام برفع الدعوي، إذ يعتبر القانون بالنسبة له وحده غير دستوري، دون غيره من سائر المواطنين الذي أضيروا من هذا القانون. لم يكتف النظام السابق بهذا العدوان علي الرقابة القضائية علي دستورية القوانين، بل جاء عدوانه أشد فتكاً بهذه الرقابة، ليقتلعها من جذورها بالنسبة إلي بعض القوانين، فيعطل الرقابة عليها، لأنها تحمل اسماً أطلقته عليها السلطة التشريعية التي أقرتها وهو اسم قانون مكافحة الإرهاب. المادة 179 من الدستور كانت المادة 179 من الدستور، بالأحكام التي استحدثتها التعديلات الدستورية سنة 2007 هي المادة التي ارتكبت كل هذه الآثام، دون أن يعني ذلك أننا نبرئ التعديلات الأخري من الخطيئة التي وقعت فيها بدورها. ذلك أن المادة (179) من الدستور تبيح لاجهزة الأمن سلطة القبض علي الأفراد وتفتيشهم وحبسهم وتقييد حرياتهم بجميع القيود، والحد من حريتهم في التنقل من اي مكان تحدده لهم هذه الاجهزة، وذلك كله دون حاجة الي استصدار اذن قضائي. كما تبيح هذه المادة لأجهزة الأمن دخول المساكن وتفتيشها دون اذن قضائي. وتبيح هذه المادة كذلك لأجهزة الامن، ولاي جهاز في الدولة، ودون اذن قضائي هتك اسرار الناس ومكونات حياتهم الخاصة، من خلال حقها في الاطلاع علي مراسلاتهم البريدية والبرقية والتصنت علي محادثاتهم التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال، وفرض جميع وسائل الرقابة عليها، بل ومصادرتها، دون تقييد اجهزة الامن واجهزة الرقابة بأي قيد من مدة أو سبب، سوي التذرع بمكافحة الإرهاب. كلمة أصابها الابتذال ولعلي لم أجد كلمة أصابها الابتذال، كما أصاب كلمة الإرهاب، فباسم الإرهاب ومكافحة الإرهاب ارتكب بوش كل جرائمه البشعة في حق الشعوب المغلوبة علي أمرها، وباسم مكافحة الإرهاب، أذل هذا النظام الشعب المصري وقهره في ظل قانون الطوارئ. فالمادة (179) من الدستور، تخول قانون مكافحة الإرهاب، أن يبيح لأجهزة الأمن ارتكاب هذه الفظائع والجرائم، دون اعتداد بالقيم الجوهرية التي يقوم عليها اي دستور، أو الاعتداد بالبناء الأساسي الذي تقوم عليه الدساتير، وبالحقوق الطبيعية للإنسان، التي تقننها الدساتير ولا تنشئها، فلا يجوز الإخلال بجوهرها. إهدار الحرية الشخصية فالحرية الشخصية التي هي حق طبيعي، والتي كفلتها المادة 41 من الدستور وجعلتها مصونة لا تمس، لم تعد حقاً طبيعياً مصونا في ظل المادة 179 التي فوضت مجلس الشعب في إصدار قانون مكافحة الإرهاب، لا يعبأ بهذه الحرية أو بمتطلباتها. ولأجهزة الأمن في ظل هذا القانون، انتهاك الحرية الشخصية للأفراد/ معتصمين بالقانون الذي يحميهم . إهدار حرمة المساكن وحرمة المساكن التي صانتها المادة (44) لم تعد مصونة في ظل المادة 179 التي فوضت مجلس الشعب في إقراره لقانون مكافحة الإرهاب أن يدوس هذه الحرمة بنصوصه، وأن يخول زبانية النظام اقتحام البيوت علي أصحابها آناء الليل وأطراف النهار وتفتيشها وتدنيسها دون أي رادع من قانون، ودون الحصول علي إذن قضائي. وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، التي كفل الدستور حماية أسرارها في المادة (45) وألزم المشرع بحمايتها، لم تعد كذلك في ظل المادة (179) التي تبيح كشف سريتها لكل من مجلس الشعب بالتشريع الذي تسنه، وأجهزة الأمن بالإجراءات التي تتخذها جورا وقهرا وعدوانا في حق المواطنين. لذلك فإني أناشد المستشار الفاضل طارق البشري، الذي كان اختياره لرئاسة لجنة تعديل الدستور، اختياراً صادفه التوفيق، لما عرف عنه من إيمان صادق وعميق بالحريات، وبفهم عميق لكل النصوص الدستورية التي تحكمها، أناشده وأناشد اللجنة التي شكلها، ألا تلغي هذه المادة، بل يستبدل بنصها نص جديد، يكون حصناً للحقوق والحريات العامة، وملاذا أميناً لمكتسبات هذه الثورة الشعبية، بعد أن كانت قبراً لهذه الحقوق والحريات، بل وهدماً للركن الركين في بنيان الدستور وأساسه الذي يقوم عليه، ولتكون كذلك شاهداً في التاريخ علي أكبر خطيئة لا يمكن ان يقع فيها اي دستور، وعلي اكبر إنجاز لهذه الثورة الشعبية وهو الانتصار للحريات العامة والانتصاف لمبادئ الدستور، علي انقاض النص الاصلي الذي كان قبرا لهما بحيث يكون نص المادة (179) علي النحو التالي: "الأحكام الخاصة بمبادئ الحرية والمساواة لا يجوز اقتراح تعديلها إلا لمزيد من ضمانات الحرية والمساواة". درءا لاقتحام تخوم هذه المبادئ في أي تعديل دستوري مستقبلا ، يهدر هذه الأحكام او ينتقص منها. المستشار شفيق امام واحد من أهم الخبراء الدستوريين المصريين علي الاطلاق يعمل في الكويت منذ نحو 40 عاما خبيرا دستوريا سابقا لمجلس الأمة ثم خبيرا دستوريا للحكومة الكويتية وقد كتب هذه الدراسة المختصرة المهمة جدا خصيصا للأخبار.