ويستمر الحوار مع الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار. وأود أن أنوه هنا إلي أن كل من يعرفنا (زاهي وأنا) يعرف جيدا أننا أصدقاء قدامي قبل أن نكون زميلين في وزارة الثقافة. لذلك لا يجب النظر الي هذا الحوار الذي بدأ منذ أسبوعين في هذا المكان أبعد من كونه اختلافا في الرأي ووجهات النظر قد يفيد من يطالعه. قال الدكتور زاهي إن المعهد الألماني للآثار قام بترميم معبد آمون في سيوه باستخدام الخرسانة من خلال الدكتور كولمان عالم الآثار عام 1998. وأنه »الدكتور زاهي« كأثري موافق علي هذا الحل باعتباره الحل الوحيد والمتاح لإنقاذ المعبد من الانهيار. وليسمح لي سيادته بالتعليق التالي: من الأمور البديهية أن الذي يجب أن يقوم بترميم أي أثر والإشراف علي هذا الترميم خبراء في الترميم الأثري وليس علماء في الآثار. ومن المؤكد أن الدكتور زاهي يعرف جيدا الفوارق بين عالم الآثار وعالم أو خبير ترميم الآثار، كما أنه ولاشك يعرف الجوامع بينهما. ومن هذه الفوارق الأساسية أن خبير الترميم، في حالة المباني الأثرية، يجب أن يكون مهندسا أولا، لديه علم وخبرة عريضة بالهندسة الإنشائية والمعمارية، قبل أن يكون لديه علم وخبرة بالآثار كتاريخ وحضارة. ذلك لأن المرمم يتعامل مع مواد وخامات وأساليب بناء معماري تدرس في كليات الهندسة. وبلا شك يجب أن يكون خبير الترميم عارفا بتاريخ الأثر وجوانبه الحضارية ثانيا حتي تتكامل فيه المواصفات الواجبة لتصديه للتعامل مع أثر هو كالمريض في يدي الطبيب، يمكن أن يشفي وقد يموت. الدكتور كولمان عالم آثار كبير، لكننا نريد أن نعرف من قام بترميم قاعة معبد آمون ومن اشرف علي هذا الترميم. اعتقد أن الدكتورين : زاهي وكولمان يعرفان أن استخدام خامتي الأسمنت والجبس ممنوع دوليا في ترميم الآثار. وقد حرمته اليونسكو والهيئات العلمية المختصة التابعة لها تحديدا منذ يونيو 1994. أي قبل ترميم معبد آمون بأربع سنوات. لماذا ؟ لست عالما في الآثار ولا خبيرا في الترميم، لكني رجعت الي الخبراء والمراجع العلمية المتخصصة. وجدت مثلا أن الخبير مورو بولو وآخرين نشروا بحثا في المجلة العلمية للتراث الثقافي عام 2003 يوضحون فيه أن استخدام الأسمنت يسرع من تدمير وتحلل اللاصق الأصلي المستخدم في المباني الأثرية والذي يربط بين طبقات الحجارة. فضلا عن أن خامة الأسمنت تختلف في تكوينها ونسيجها عن الأحجار الطبيعية التي بنوا بها الآثار. وأن تواجد خامة الأسمنت المختلفة بجوار خامة طبيعية تؤدي الي رفض النسيج الأثري الأصلي للبناء لها، فخامة الأسمنت أكثر صلابة بكثير من الأحجار الطبيعية، مما يضعف من قوة الأحجار الطبيعية الموجودة بجوار الطبقة الأسمنتية. وثبت أن كل مائة كيلو من الأسمنت يحتوي علي حوالي نصف كيلو من كبريتات الكالسيوم والصوديوم التي تتفاعل مع الماء إذا وصل إليها وتضر بالأثر. كتب الأستاذ الدكتور عبد الفتاح البنا أستاذ ترميم المباني والمواقع الأثرية في مدونته علي الإنترنت والتي أطلق عليها اسما فرعونيا " خع إم واست " أن " كل الترميمات التي استخدمت فيها مادة الأسمنت مصيرها التلف وعدم الاستقرار، تؤدي في النهاية الي إضافة عامل جديد من العوامل المهاجمة والمسببة في التعجيل بتدهور الآثار المرممة بالأسمنت. ويضيف الدكتور البنا صراحة : " أصبحت أعمال الترميم التي تطبق في كثير من المواقع في حد ذاتها معاول هدم لآثارنا الخالدة ". لعل الدكتور زاهي يتذكر أنه عندما سقطت قطعة من كتف تمثال أبو الهول في بداية تولي الفنان فاروق حسني وزارة الثقافة، ثار جدل كبير حول أسلوب ترميم الأثر الذي تم قبله في عهد الدكتور المرحوم أحمد قدري، وكان زاهي يعمل في ذلك الوقت في منطقة آثار الهرم بجوار أبي الهول. ومن بين الهجوم علي الترميم الذي تم أنه استخدم فيه الأسمنت. في ذلك الوقت لم يكن قد تم تحريم استخدام الأسمنت دوليا. لكنه حرم بعد ذلك كما أسلفت. الدكتور زاهي يمنحني، من حيث لا يحتسب، مبررا آخر ضد استخدام الأسمنت في معبد آمون بسيوه. حيث كتب في رده لي عن أعمال الترميم التي تمت في عهده للمعبد والصخرة الجبلية المقام عليها المعبد ما يلي : " أما ما تم مؤخرا من أعمال ترميم فقد جري علي أحدث ما وصلت اليه نظم الترميم في العالم، وتتسم بأنها غير ظاهرة للعيان حيث تم تدكيك وحماية الجبل الذي كان في حالة سيئة جدا ومهددا بالانهيار نظرا لطبيعة التكوين الجيولوجي لصخور الجبل ". وهذا صحيح لأن مشكلة المعبد أساسا هي مشكلة صخرة الجبل المقام عليها. وبدلا من أن يذهب الدكتور كولمان إلي السبب الأصلي رمم النتيجة! فمن رد الدكتور زاهي يتضح الفارق بين ترميمين، أولهما لعالم الآثار الألماني كولمان! يعلم الدكتور زاهي أن استخدام الأسمنت في ترميم الآثار المصرية ليس مقصورا علي معبد آمون، ولم يتوقف بعد عام 1998. وأعتقد أنه في غني عن أن أذكر له أسماء مواقع أثرية تم استخدام الأسمنت في ترميمها. أدهشني، ولكن ليس كثيرا، في موضوع استخدام الأسمنت أن كثيرا من خبراء ترميم الآثار المصريين سكتوا عن استخدامه. وبأكثر دقة، لم ينشر اعتراض علي استخدامه، لا في معبد آمون ولا في غيره! أخيرا لعل من المفيد أن يدعو الدكتور زاهي حواس بصفته الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار الي ورشة عمل أو لقاء علمي حول استخدام الأسمنت في ترميم الآثار في مصر : الأسباب العلمية والتطبيقات وأساليب العلاج. فمثل هذه اللقاء لم يتم من قبل علي خطورة موضوعه. وفي هذا اللقاء يمكن أن يدلنا أساتذة الترميم المعماري الأثري ما إذا كان استخدام الخرسانة في معبد آمون هو الحل الوحيد لإنقاذ ما تبقي من المعبد كما قال الدكتور زاهي أم كان هناك حل آخر غيره أو أكثر ؟ كما يمكن في هذا اللقاء بين العلماء والخبراء مناقشة أوضاع تعليم وممارسة الترميم الأثري في مصر، ففي هذا كلام كثير موجع يقال. انتقل الي النقطة الأخيرة في رد الدكتور زاهي حواس علي مقالي الأسبق عن سيوه، الخاصة بعدم وجود حراسة علي الآثار هناك. وأنا لن أذكر أسماء مسئولين هنا حتي لا أحرجهم ويضطرون إلي نفي كلامهم معي وربما معرفتهم بي أصلا. وسأقتصر علي ما رأيته بنفسي هناك. إذ لم أر في قرية شالي الثرية فرد أمن واحدا لا ليلا ولا نهارا وقد أقمت بجوارها خمسة أيام. وسمعت من قاطنين حولها ما نشرته من أن هناك من نزعوا نوافذ شالي وأبوابها الأثرية وباعوها أو أعادوا استخدامها في أماكن أخري. وقد طلبت في مقالتي إحالة هذه الوقائع للتحقيق لبيان صدقها من كذبها. هذا وعندما زرت معبد آمون، فوجئت بشاب صغير طيب يرتدي الجلباب أرسله الموظف المسئول ليشرح لي المعبد. ولما وجدت كلام الشاب بسيطا سألته ماذا يعمل هنا ؟ فأجابني أنه غفير! فشكرته علي اجتهاده. وهكذا لم أجد حارسا في شالي فيما وجدت حارسا في معبد آمون يعمل مرشدا!! إنني أعلم، وأنا أكتب عن الآثار في مصر، الحجم الضخم للمشكلات المحيطة بها، ومنها المشكلة البشرية فيما يتعلق بتوافر الكفاءات المؤهلة أخلاقيا وعلميا، في زمن تدنت فيه الأخلاق مع التعليم بكل مراحله إلي حد الخطر. فليكن الله في عوننا.