انهالت علي الصحف القومية اتهامات شديدة اللهجة وكلمات تقريع وكلها تدور في فلك واحد تحوّل المسئولين في هذه الصحف من التأييد التام للنظام إلي تأييد مماثل لثورة 52 يناير التي طالبت بإسقاط النظام في أيام معدودة، وهذه بعض العناوين لبعض من الكتاب الصحفيين في انتقاداتهم للصحافة القومية: »جنود فرعون« رداً علي انتصرنا. »أن تخسر نفسك« في إشارة إلي أن معظم الجرائد القومية بلا حياء. »موقع دويتشه فيله الألماني« وصف الصحافة القومية بأن الكذب حصري فيها، وآخرون طالبوا بتغيير منظومة الصحف القومية التي ساندت النظام طوال الثلاثين عاماً. هذه بعض العناوين والآراء لكتاب كبار نجلهم ونحترم آرائهم، ولكن إذا كنا نلتمس لهم بعض الحق فيما يقولون فإننا نؤكد بكل قوة أن التعميم خطأ جسيم، فهناك صحفيون لم يترددوا يوماً في التعبير عن آرائهم بكل شجاعة وصدق منتقدين النظام والحكومة في ظل ظروف مناوئة معلومة للجميع ودون غطاء مجتمعي كالذي بسطه الشعب علي الكتابات المؤيدة لثورة 52 يناير. علي أية حال فإن السؤال.. هل بعد قيام الثورة الشابة نتفرغ لمقاتلة بعضنا بعضاً وتغليب روح الشماتة والمعايرة بيننا.. إننا بهذا نعود خطوات إلي الوراء وبدلاً من أن نقدم اسهامات صحفية بناءة في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة التي يمر بها الوطن والخوف من أن تقتطف ثمار الثورة بعيداً عن أصحابها وعن الشعب الذي قامت من أجله، نتفرغ لتصفية الحسابات فنصيب المهنة والشعب علي السواء بضرر بالغ. هذا القتال الكلامي يتطلب أن نضع نحن الصحفيين لأنفسنا مبادئ ثورة صحفية سلمية نحتكم إليها ونحاسب من يخرج علي قواعدها، فنحن في أشد الحاجة إلي دستور صحفي جديد، كما كان الشعب في حاجة إليه.. دستور ينظم العمل ويجعل انتماء الصحفيين أياً كان مدلول تعريفهم إلي الشعب وليس إلي مالك الجريدة أو إدارتها التي تصدر لهم الأوامر والتعليمات بالانحياز إلي هذا أو ذاك. دستور يرفع سقف الحرية بلا حدود علي أن يكون من أجل الشعب وليس لتصفية الحسابات أو خدمة مصالح خاصة أو لضرب هذا بذاك.. فالصحافة أشرف وأنقي من أن تُجر إلي معركة بين الصحفيين ليثبت كل طرف من أطرافها أن »خصمه« علي خطأ، وحتي لا نقع في إشكالية أخري يجب أن يحتوي الدستور الصحفي الجديد بنداً مهماً وهو المساءلة حيث يخضع الصحفي أياً كان موطنه واتجاهه للتحقيق فيما يكتبه بدون أدلة بهدف تضليل الرأي العام أو توجيهه وجهة له فيها مآرب أخري. لقد حان الوقت لأن تعود الصحافة المصرية بجميع أطيافها إلي رسالتها الحقيقية، رسالة التنوير لخدمة الشعب والدفاع عن حقوقه ومصالحه. علي الصحافة أن تعود سلطة رقابة مثل المجالس النيابية والرقابة تبحث وتنقب لفضح ما يصيب المواطنين من أضرار. نريد صحافة جديدة في هذا العهد الجديد وعار علينا أن يسخر بعضنا من بعض فينادي زميل زميله بأنه قومي. كلنا صحفيون قوميون إذا فهمنا معني الكلمة حق الفهم فكلنا في بوتقة مهنة واحدة أساسها الكلمة الصادقة.