« كان من محاسيب السيدة نفيسة، وإذا سألته، يخجل من بوح الحب ل»نفيسة العلوم» . إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا علي فراقك يا عمي لمحزونون، ورحل طبيب الغلابة، رحل مشيَّعاً بدعوات صالحات، كل من فجعه الخبر ترحّم عليه، من أحبه الله حبّب فيه خلقه، وخلق كثير كانوا يحبون هذا الرجل، ذهب إلي ربه راضياً مرضياً، وجنة عرضها السموات والأرض. قبل شهور، كتبت عنه في هذا المكان سطوراً أدخلت السرور إلي قلبه، حياؤه منعه من أن يهاتفني، بلغني منه كلام طيب، وترقرق الدمع من عينيه، كان بَكَّاءً عِنْدَ الذِّكْرِ، ويخشي مدحاً أن يطاول نفسه المتواضعة، قانعا بمحبة الناس، طالبا رضا من الله، فليرحمه الله. كتبت عنه من قرب، وقرب الدكتور بدران مثل قرب الحبيب، رق الطبيب ( الحبيب ) يوما، والتقينا في مكتبه البسيط في مستشفاه القريب، أطل بدرا علي الاستقبال، بش وهش المتألمون، ونسوا الألم هنيهة، طاف بهم الطبيب المداوي، يداوي نفوساً معذبة، ويوزع بيديه الرقيقتين حلوي، ومن فمه تخرج كلمات مبلسمات، حلوة المذاق، من مدرسة طب النفوس، من الطب النبوي. في زمن صعيب، كنت أبحث عن طبيب أريب في قلب العتمة، هداني قلبي إلي الدكتور إبراهيم بدران، يزيح الغمة، ينير الطريق، نور القرآن يشع من عينيه، ينير وجهه، يغسل أحزان نفسه، ذهبت أبثه حزناً، غلبني حزنه، نصحني بالحبيب، قلبك يطيب،» وحب الرسول يابا دوبني دوب.. عن المعاصي يابا توبني توب.. جاني في منامي يابا لبسني توب». كان يجد في جوار السيدة نفيسة رضي الله عنها، راحة، يطبب نفسه، من محاسيب السيدة نفيسة، وإذا سألته، يخجل من بوح الحب ل»نفيسة العلوم»، سمّيع قديم، وصوت أم كلثوم في «ولد الهدي» غذاؤه، يحب الحب في أهله، عجباً لا يعرف سوي الحب ينثره مبللاً بماء القلب علي المحبين. علي رقته وحيائه، قوال، لا يخشي في الحق لومة لائم، ينطق بالحق اعتقده، وبالحكمة بنت السنين من حكيم، ويقف علي حرف الدنيا الفانية راضياً مرضياً، لم ينس أبدا قسم «أبقراط»، والطب عنده رسالة، وبعد هذا العمر الطويل ( رحمه الله ) كان لايزال يتذكر أساتذته حباً واعترافاً بالجميل، من علمني حرفاً. الاقتراب من عالم الدكتور إبراهيم بدران ليس نزهة خلوية، لن تعود منها خالي الوفاض، سيحلق بك كبير المقام في عوالم صوفية ملونة رائعة، تعود من الرحلة في حالة صفاء، ونقاء، وحب لبني البشر أجمعين، وتنتحب صمتاً، ودمعه يسيل رقراقاً من عينيه مدرارا، وهو يتألم لألم الفقراء. يردد حتي لا ينسي وكأنه يحدث نفسه، يغالب دمعا، والله الناس غلابة، المصريون غلابة قوي، نفسهم يتعالجوا، طبيب الغلابة، الغلابة كانوا همه، يحزنه حتي البكاء حال مريض غلبان هده المرض ونال منه الفقر، فجاء إليه طالباً الشفاء، والشفاء من عند الله، يبلسمه بيد حانية، ويطعمه من حلاوة الإيمان، يعالجه بالحب، من أين لمثل هذا الرجل بكل هذا الحب.. نهر فياض. عد الجروح يا ألم، والمحن الإنسانية القاسية التي مرت بهذا الحكيم لم تورثه سوي إيمانا بالقضاء والقدر، تفلت دمعة عزيزة غصب عنه وهو يتذكر الابن يموت بين يديه، والحفيد الحبيب يختاره ربه في أصقاع لندن، وفي كل مرة ييمم وجهه إلي السماء حامداً شاكراً.. متمنيا حسن الخاتمة.. اللهم ارزقنيِ حسن الخاتمة.