احتل الإعلام والإعلاميون صدارة المشهد هذا الأسبوع. رسالة الرئيس السيسي لهم فتحت أبوابا لم يتوقع الإعلاميون وأصحاب القنوات أن تفتح.. اعتبرها البعض إظهارا للعين الحمراء واجبة الظهور في تلك المواقف.. واعتبرها البعض الآخر رسالة محذرة في وقت وجب فيه التحذير وأمرا بتصويب الأداء في وقت لزم فيه التصويب. سبق تلك الرسالة بيوم واحد تراشق بين مدرسة الإعلام العربي المرئي وهو التليفزيون المصري وقناة إم بي سي السعودية بعدما انتقدت الأخيرة ضعف أداء التليفزيون الرسمي في مصر وأنه يعيش علي الماضي ويتخلف عن متابعة الأحداث المهمة والجماهيرية وفقدانه للمشاهدين الذين تحولوا إلي القنوات الخاصة والعربية والأجنبية. وكأن التليفزيون المصري كان ينتظر البرنامج الساخر « أسعد الله مساءكم « لأكرم حسني الشهير ب» أبو حفيظة « كي يكتشف الحقيقة.. وأنه يفقد مشاهديه فعلا.. وأنه فعلا لا يملك إلا الماضي. أما الحدث الثالث والذي أثار ضجة كبيرة إعلاميا وعلي مواقع التواصل الاجتماعي التي هي إعلام المستقبل.. فهي أزمة المذيعة ريهام سعيد التي استكملت مسلسل الهبوط اللا أخلاقي بمهنة الإعلام وانحدرت بها إلي قاع المستنقع الذي أوجده الإعلام الخاص في مصر. وهو موقف ينقلنا إلي حالة من الإعلام الهابط الفارغ المرفوض من كل الناس. لاشك أن الإعلام مهنة مؤثرة.. فهو يقدم ما يحتاجه كل واحد منا من خبر وتحقيق ومعلومة وتسلية.. ويخلق قدرا كبيرا من التواصل مع المجتمع.. ويقدم لنا شخصيات نحب أن نتابعهم وينقلنا إلي قلب الأحداث.. يضحكنا ويبكينا.. يصحصحنا وينومنا.. يدغدغ مشاعرنا ويخدرنا.. وإذا أدمنا كل هذا فقدنا السيطرة حتي علي أنفسنا وأصبحنا له مأسورين. وهو أيضا صناعة مربحة حتي لو ادعي أصحاب القنوات الخاصة وجميعهم من رجال الأعمال وليس الإعلام أنهم يخسرون.. فما الداعي لاستمرار وجود أي قناة مع استمرار نزيف الخسارة.. بالطبع هم لا يخسرون.. وهم إن خسروا الفلوس.. كسبوا النفوذ والشهرة والتأثير. ومن هنا تختلط الأمور وتختفي الأهداف الحقيقية لأصحاب تلك القنوات وإن كان لكل منهم هدف خاص به. في رسالة الرئيس غضب واضح من بعض الإعلاميين، حيث ذكر أن أحدهم قال إن الرئيس يجلس مع رئيس شركة سيمنس وترك أزمة غرق الإسكندرية بالأمطار، وقال الرئيس «هذا أمر لا يليق»، ولا يمكن أن تصل اللغة إلي ذلك، وتساءل هل تعذبونني لأنني أقف في هذا المكان. ووصف هؤلاء بأنهم «لا فاهمين ولا عارفين» ولكن أمامه ميكروفون أو صحيفة يقول ويهاجم فيها من يشاءون.. وتساءل : وهل القطاع الإعلامي ليس به كارثة، وأخطر ما قاله هو أنه « سيشكو الإعلام للشعب «.. وأعتقد أن كل الإعلاميين يعرفون معني هذه الرسالة. حتي لو فسرها البعض علي هواه.. أو اعتبر نفسه خارجها وأنه ليس المقصود بها. أما عن قضية التليفزيون المصري.. الذي نقصد به الرسمي الحكومي.. فهو مدرسة بلا شك.. وهو أول تليفزيون أنشئ في المنطقة كلها.... قرر عبد الناصر إنشاءه عام 1959.. وكلف عبد القادر حاتم بالمهمة التي تمت في أقل من عام ليكون خطاب ناصر في الاحتفال بالعيد الثامن بثورة يوليو 1960 هو أول ما يبثه. كان ذلك قبل أن تكون هناك دول كثيرة نراها الآن علي الساحة. وقتها كان العالم العربي يعيش في الخيام لا يعرف شيئا عن حاله وحال دنياه إلا من خلال إذاعة صوت العرب. طبعا تغير الحال كثيرا في الخمسين سنة الماضية.. ولأن الإعلام كان هو الفكرة وهو الرجال أو النساء الذين ينفذونها ثم هو التمويل الذي.. أصبح المال هو المسيطر.. واستطاع أن يشتري الفكرة ويشتري الناس ويسيطر ويتوغل.. ثم يشتري التاريخ والتراث. تغيرت صورة الإعلام التليفزيوني تماما في السنوات الأخيرة.. وسيطر المال عليها بشكل واضح. التليفزيون المصري في أزمة.. ولابد أن نعترف بها.. وأن نعمل علي حلها إذا كنا نريد له أن يعود إلي الصدارة.. التليفزيون المصري مريض ولكنه لم يمت.. وهو في أمس الحاجة إلي الدواء.. ولكننا مع كل هذا نرفض السخرية منه.. أو التعريض به.. أو إهانته.. فهو الذي علم الدنيا كلها.. ولا يصح مهما كانت الأسباب أن يسخر التلميذ من أستاذه حتي لو تفوق عليه.