في ميادين الثورة.. سواء في يناير 2011 أو في 30 يونيو، أو في الساحات العربية التي جسدت إرادة الجماهير في التغيير.. كان لافتا أن الصورة الوحيدة التي ارتفعت كانت صورة جمال عبدالناصر!! ولم يكن ذلك حنينا إلي الماضي، أو مجرد استحضار لتاريخ مضي، بل كان تعبيرا عن شوق الملايين في مصر وفي العالم العربي لكل ما جسده الرجل من انحياز للفقراء ومن إعلاء الكرامة الوطنية، ومن السعي لاستقلال مصر والوطن العربي وإيمان بالعلم والعمل لارساء دعائم التقدم بعد عهود طويلة من الاستعمار والقهر والتخلف المفروض، والفساد الداخلي والتبعية الخارجية. كانت هذه هي اللقطة الأولي، التي تبعتها بعد ذلك لقطة ثانية كانت تمهيدا لما هو أخطر، وذلك حين بدأت محاولات التحالف الأمريكي - الإخواني للسيطرة علي الموقف، وذلك بالحشد وراء الدعوة للقطيعة مع الماضي !! ثم التأكيد علي أن هذا الماضي هو ما بدأ مع ثورة يوليو 1952!! وليس مع ما سبقها من سنوات الاحتلال الأجنبي التركي والفرنسي والبريطاني وما رافقها من حكم المماليك وفساد الخلافة العثمانية ثم سيطرة القصر والاحتلال لاغتيال ثورات الشعب، وحكم البلاد في غياب العدل والكرامة والاستقلال وبحراسة أحزاب رضيت بذلك كله أو عجزت عن مقاومته. في ميادين التحرير، وضد ارادة الشعب وحكم التاريخ، كان هناك مشهدان جسدا ما يدبر لمصر.. المشهد الأول كان حين تم اغتصاب منصة التحرير ليقف عليها "القرضاوي" في جمعة "قندهار"، ثم ليقف عليها -بعد ذلك- المعزول مرسي ليتحدث عن الستينيات.. وما ادراك ما الستينيات!! كما قال المعزول ليفصح عما يدبر لمصر، وليكشف عن رغبة الثأر من ثورة الشعب العظيمة، وليدشن الحملة الإخوانية-الأمريكية ضد ثورة يوليو بدعوي انها تمثل حكم العسكر!! تحالف الإخوان مع الأمريكان في العداء لثورة يوليو لم يكن جديدا بل يعود إلي الأيام الأولي لثورة يوليو. والطرفان كانا شريكين في التآمر علي الثورة، ثم في الانقلاب عليها في السبعينيات من القرن الماضي. ومازال العداء لهذه الثورة العظمي يجمع بين الفريقين بعد كل هذه السنوات، وبعد ان قال الشعب كلمته، وأسقط فاشية الإخوان في 30 يونيو، واستعاد لثورة يناير وجهها الحقيقي، ولتعود مصر التي افتقدناها لأكثر من أربعين سنة.. مصر الكرامة الوطنية والاستقلال الحقيقي والانحياز للعدالة الاجتماعية وقيادة الأمة العربية في طريق الخير والتقدم. نعرف ان التاريخ لا يعيد نفسه، وأن الظروف تختلف لكن ما يبقي هو المبادئ التي جسدت روح مصر الحقيقية، والدرس الذي جسدته الملايين وهي تخرج للثورة رافعة صور عبدالناصر في ميادين التحرير بعد أربعين سنة من رحيله لتقطع ألسنة من نادوا بالقطيعة مع يوليو، ولتقول ان هذا هو الطريق الذي اخترناه لأنه يجسد ارادة الشعب ويؤكد دور جيش مصر الوطني علي مدي التاريخ في الانحياز لهذه الإرادة.