في الشوارع حلم عاشق للنهار شفته في عيون طيبين حلم مطحون بالمرار يطرح غناوي المجروحين ولإمتي حنعيش في إنتظار وعلينا بتمر السنين في الشوارع ليه بنسأل ميت سؤال والطريق نمشيه وتاني نرجعه كل حاجة فوق حدود الاحتمال كل واحد فينا همه بيوجعه في الشوارع شئ غريب بيناديني شئ بيفرض جوه مني حزن عيني شئ ياخدني يشدني يرمي حزني علي الشوارع اترسم كل الوشوش ..تنقسم بينا المواجع وأبقي واحد منهم ..جرحي هو جرحهم والحقيقة متوهاني. هي كلمات الشاعرالجميل أحمد قدري، وهي رحلته في الشوارع مع كل أبناء جيله من المبدعين الشبان، في رحلة البحث عن الأمان والتحقق والوطن. هي رحلة أشبه ما تكون برحلة "ابن فطومة" في رواية مبدعنا الكبير نجيب محفوظ ، حيث هجر البطل بلاده في رحلة البحث عن الحقيقة والعدالة والكمال المنشود. هجرها بالظل لكنه حملها معه أينما ذهب بحثاً عن معجزة البلاد ومرفأ الانسان حين تدهسه تعاسة الحياة وترهقه المظالم والشرور فيتوق للحق والخير والجمال ويهفو للخلاص ويلوذ بالحلم ويتمسك بالأمل. هي رحلة في الزمان والمكان الغامضين. رحلة ربما استغرقت العمر كله، في صراع الفكر والروح والتراب، ومفارقات البلاد والعباد وتقلبات الأزمان والأحكام والأفكار والسياسة، ينتقل من بلاد الحيرة إلي دار الأمان، ومن بلاد الشروق إلي بلاد الغروب إلي دار الجبل، وهو في كل ذلك يكابد عذابات الاغتراب وصعوبة التكيف ومعاندة الواقع للطامح والمتطلع للتحقق والتطهر والاكتمال. خرج ابن فطومة من الرحلة خالي الوفاض بلا أمل في امتلاء، لم تحصد يداه إلا قبض الريح وتجارب الفقد والاحباط والحرمان، لكنه ظل مستمسكاً بالحلم والخيال والأمل والصدق مع الذات والتوحد مع الآخر. هو نفسه مافعله هؤلاء الشبان المبدعون حين هاجروا بالحضور إلي عيون الوطن وعمقه وأحلامه، أخذوه معهم في عالم من صنعهم، عالم اختلط فيه الخيال بالفانتازيا بالمفارقة بالواقع. عالم مواز ووطن بديل في فضاء الانترنت الافتراضي، صنعوه علي عيونهم وتحلقوا حوله تدفئه إبداعاتهم وتنهشه عضات الألم في صدورهم. غاضبون هم لكنهم مخلصون مسالمون عاشقون حالمون محبطون متفائلون، وعدد ماشئت من كلمات وأفكار ومعان ومرادفها ونقيضها، ولسوف تصدق عليهم كل الأوصاف النبيلة والجميلة والبريئة والطاهرة. ناسكون في محراب الوطن وكافرون به، عاشقون له وغاضبون منه، متوحدون معه ومفارقون فيه، متعجلون " ولإمتي حنعيش في إنتظار وعلينا بتمر السنين" يوجعهم الهم وتتوههم الحقيقة، لكنهم متماسكون اقتسموا بينهم المواجع ثم اترسموا كل "الوشوش" بينما هم في رحلة البحث والظنون، كما يقول الشاعر أحمد طه في قصيدته بديهيات خاصة: تُخالِطُنا لديَ الدُنيا ظنونُ وبين النور والظُلما نكونُ وعمري قد تَمدَّدَ مِن وَرائي فقد مرَّت علي ذاتي قرون. وكما تقول هالة زين: "لم أجهل الحقيقة يوما ً .. ولكنني أمارس " العمي " باحتراف لكي أعيش". وكما يقول غيرها في مجموعة علي الفيس بوك: "كنت أتصور أن الحزن يمكن أن يكون صديقا..لكنني لم أكن أتصور أن الحزن يمكن أن يكون وطنا .. نسكنه ونتكلم لغته ونحمل جنسيته". إنه جيل مأزوم حلق بعيداً، وهم يعلمون ذلك إذ تقول "جنون كاتبة": " لدي خيال عاري يجرد الشئ من ملابسه أتمني لو يرتدي خيالي شئ من الواقعية". وكما تقول مي محمد: "آخر الكلام ..صلوات الصمت هُنا جامعة ..استودعوني الذاكرة قيد أنمُلة...والقلب يغزل من حبات المطر وشاحاً للسفر العصيّ....هنيئا لي أنتم ترنيمتي الخالدة ولا تثريب". أو تقول: "الورق يُعلمنا صِناعة الموت .. من تراكم الخيبات علي سقف الذاكرة"، أما إيمان عزمي فتقول: قربت أموت ولا يوم هافكر في السجود من أجل قوت إياك تقول أني عبيط ! أو يوم تقول إني شريك في الميغه ديه أنا لا ابن سوق و لا جار وزير أنا ابن سيد الغفير .. مسنود بعوده المستحي من لقمه ضايعه. وفي إيده وعد ماموتوش.. وآدي دموعنا ..إن يوم رجعنا وطلبنا منك حقها.. إكسر ضلوعنا. جيل عاتب ناقد، لكنه واع فاهم يوجه سهامه لكل من استعصي عليه الإدراك والتقدير والفهم، فيقول عماد محمد سالم: افهم بقي.. ماسكين هلال يحضن صليب بس القلوب متفرقة .. إفهم بقي كل اللي حواليك يخدعوك ويشجعوك ويصدقوك وحياة أبوك الخلق ماهي مصدقة ..إفهم بقي الفقر زاد غطي العباد .. والخلق عايشة ف شرنقة .. افهم بقي. في رحلتهم يضعوا أصابعهم في شق الثعبان قبل أن تنهش أسنانه نسيج الوطن وتماسكه، فيقول عصام بدر: كان الشاويش مينا وحسين في خندقهم عاشقين تراب سينا والنار بتحرقهم حلفوا الوطن لينا ولاسابو بنادقهم يحضن حسين مينا والموت ما فرقهم في رحلة التيه والإبداع والغربة، أبداً لم يخفت الأمل والحب لحظة ولم تتوار عيونه خلف مشربية الحرمان، فيقول الشاعر حسام البساطي في قصيدته "الأرض عرض المنتمي للطين": وأنا عشقي ليكي طَرَح عُقد من الياسمين ياحلوة قلبي انجرح ..وانصاب ف نن العين عقلي ف هواكي سرح.. والصبر ألقاه فين؟ دانا شعري فيكي سِبَح..مرصوصه ع السطرين والنيل دوايا سَبَح..صفحة ما بين موجتين يسقي العطاشي مِنَح.. مزروعه بين شطين وهم في كل الظروف لم يفارق الإيمان مهجتهم، ولا التبتل والخشوع، فتقول رانيا النشار مخاطبة مصر: لحظة أدان الفجر بيكبر يا أم الإيدين ممدودة بالبركة بتشد ضهري ع الحمول قلبك سفينة نوح وأنا بستني مرساكي مليانة بالدعوات وف حلمي بلقاكي ورغم كل شئ، لم يغب سؤال القلق والترقب وإيمان الوصول لمرفأ الأم الرءوم وحضنها الحاني، إذ يقول محمد عبد الرازق: النوم حمام قلقان ترك البناني وطار الفكر شارد في الجبل يشبه غزال رحال وثواني أطول م الزمن وأتقل من الغربة وأنا اللي نايم في حضنك و باحس بالترحال عمري اللي ساقط ورق جنب الرصيف قلقان أنا أبقي إيه ليك يا كل شيء ليه ماتفكي لي ...إيدي و تاخدي بإيديه. ويقول آخر: ردي عليهم يابلد واحضني ولادك واصدقي مرة الكلام وتعالي في ميعادك القلب لسه خضار ليه العناد زادك كوني الملاذ والأمل تحققي مرادك وإن كان ع الحمول شيال ولا اباتش ف بعادك. إنهم شبان عشقوا النهار واغتربوا في المعاني والأحلام والوطن فأبدعوا عالماً في الخيال من صنعهم، فكان الحزن وكان الحلم وكان الحب وكان الغضب. لم يقترب منهم أو يسأل عنهم أو يفهمهم أحد، فأبحروا بشراعهم مبدعين علي الشاطئ الآخر حيث لا أحد.