مازلت متمسكاً بما كتبته في نفس هذا المكان يوم الخميس قبل الماضي تحت عنوان »عن الفوضي الخلاقة« التي تحدثت عنها كونداليزا. وذلك عندما ذكرت أن الفوضي لا يمكن أبداً أن تكون خلاقة بدليل ما يحدث في العراق، وفي السودان، وفي لبنان، ثم أخيراً في تونس التي انفجرت فيها ثورة عارمة غير مألوفة، وغير متوقعة.. في كل هذه الدول كانت »فوضي كونداليزا« فوضوية ودموية بدرجات مختلفة، وكان الاستثناء الوحيد في مصر بعد الحادث البشع الذي تعرض له الإخوان المسيحيون في كنيسة القديسين بالاسكندرية.. الفوضي بعد الحادث لم تكن مدمرة أبداً بقدر ما كانت بناءة تمثلت في مزيد من التقارب بين عنصري الأمة المصرية، وكانت ردود الفعل بين مختلف طوائف وطبقات المجتمع المصري هي ردود »خلاقة« انعكست بوضوح في احتضان عنصري الأمة لبعضهما البعض وشعور جارف وعميق بمصرية الجميع، وأننا شعب واحد يعيش في وطن واحد لا بديل عنه لأي سبب من الأسباب. وحتي هذه اللحظة كانت مصر هي الاستثناء الأوحد من »فوضي كونداليزا«، ولكن فوضي الخراب والدم والنار امتدت من العراق شرقاً إلي تونس غرباً أي من قلب آسيا إلي سواحل افريقيا ومن لبنان شمالاً إلي السودان جنوباً.. فوضي مدمرة تقطع أوصال العالم العربي بأجمعه.. أي ذات الحلم الذي راود تطلعات وأحلام أعداء هذه الأمة منذ فجر التاريخ، واستمر حتي بداية الألفية الثالثة من تاريخ الحضارة الإنسانية!! إن الاستثناء الذي يتمثل في حادث كنيسة الاسكندرية لا ينبغي أبداً أن يكون دافعاً لتقبل هذا المبدأ الأمريكي الذي صاغته كونداليزا، فهناك من بيننا من يتمنون أن تكون الفوضي مدمرة تلتهم الصالح والطالح، وأيضاً هناك من بيننا من يتبعون أسلوب »التقليد الأعمي« وذلك كما رأينا خلال اليومين الأخيرين عندما خرج البعض ممن يشعلون النيران في أنفسهم تماماً كما فعل المواطن التونسي في أقصي الشمال الافريقي!!