اتبعت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية والأمريكية السابقة في إدارة بوش الابن سياسة تسمي بالفوضي الخلاقة« أي الفوضي التي يتبعها استقرار وهدوء ونظام، وفي رأي الكاتب توفيق أبو شمر في مقال له في الحوار المتمدن الصادر في 14 أكتوبر 2007م فإن ميكافيلي وليس كوندوليزا رايس هو أول من ابتدع عبارة الفوضي الخلاقة« حيث يقول في كتابه الأمير«: الشجاعة تنتج السلم والسلم ينتج الراحة والراحة يتبعها فوضي الفوضي تؤدي إلي الخراب ومن الفوضي ينشأ النظام والنظام يقود إلي الشجاعة«. قد نوجه اتهامات للإدارة الأمريكية السابقة بأن سياساتها أسفرت عن الفوضي التي تعيشها المنطقة والمتمثلة في عدم الاستقرار في لبنان واضطراب الأحوال في السودان والتوترات الطائفية التي تشهدها الساحة العراقية والخلافات الفلسطينية الفلسطينية التي تصب في صالح إسرائيل، وفي الحقيقة فإن العالم يشهد فوضي غير خلاقة في الكثير من مناحي الحياة، منها المجال الاقتصادي والصحي والاجتماعي. من الملاحظ أن القارة الأمريكية باتت مصدراً رئيسياً للفوضي السياسية والاقتصادية والصحية وهذه الفوضي تلقي بظلالها علي السلام الاجتماعي في الكثير من دول العالم الثالث. لاشك أن العالم يمر بفوضي اقتصادية نتيجة الأزمة المالية التي لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ العشرينيات وهي الأزمة التي تسببت فيها شركات الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية عندما بادرت بتقديم قروض كبيرة للمواطنين الراغبين في شراء منازل غير أن المقترضين فشلوا في السداد وذلك بفضل ارتفاع أسعار العقارات وهذا الارتفاع في الأسعار مرده إلي السياسات واللوائح المقيدة للبناء والتي بدورها أدت إلي إرتفاع أسعار أرض البناء. ولم تستطع شركات كبري كليمان برزرز وبير ستيرنز وفاني ماي وفريدي ماك تغطية الخسائر الناجمة عن التوقف عن سداد القروض مما أدي إلي إنهيار السوق العقاري، ويمكن قول إن سقوط هذه الشركات العملاقة كان له أكبر الأثر في إنهيار الأسواق المالية في العالم. ويعلم الجميع أن الساحة الصحية أيضاً تشهد فوضي عارمة نتيجة انتشار مرض انفلونزا الخنازير في العالم. وتعتبر القارة الأمريكية مصدراً أساسياً لهذا المرض الذي انتشر في المكسيكوالولاياتالمتحدةالأمريكية قبل أن ينتقل إلي مناطق متفرقة من الكرة الأرضية، وبالتالي فإن هذه القارة تستحوذ علي النصيب الأكبر من ضحايا هذا الوباء. لعلني لا أبالغ إذا قلت إن عالمنا بات يشهد كل أنواع الفوضي بما في ذلك الفوضي الاجتماعية لقد شهد هذا الشهر عدة أحداث تدل علي أن الفوضي باتت تعشعش في حياتنا لتشكل خطراً يفوق خطر انفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير. لقد تعرض مجموعة من المواطنين للنصب والاحتيال علي يد مدير إحدي شركات النقل السياحي الذي استولي منهم علي مبلغ من المال اللافت للنظر أن هؤلاء الضحايا لم يلجأوا للقانون حتي يسترد لهم حقوقهم بل فضلوا استخدام العنف كوسيلة لتحقيق هدفهم فقاموا بخطف المدير واحتجازه لرد ما استولي عليه. وتتجلي الفوضي في أقبح صورها حين يسعي البعض لعرقلة العدالة وتعطيل القانون من خلال الاعتداء علي القائمين عليه. لقد ألقي أربعة عاطلين زجاجة حارقة علي استراحة مأمور مركز شرطة في الصعيد للانتقام من ضباط وحدة المباحث الذين ألقوا القبض علي أحدهم وبحوزته قطعة حشيش. لعل فوضي تحدي القانون بلغت مبلغها حين اصطحب عضو مجلس شعب في الصعيد أفراد عائلته وقاموا باقتحام مركز شرطة والاعتداء علي الجنود والضباط وهم يؤدون عملهم وذلك لإطلاق سراح بعض أنصاره ومثل هذا السلوك من نائب برلماني لا يحدث إلا في مصر. فمن المفروض أن يكون النائب أول من يحترم القوانين ويصبح قدوة لأفراد الشعب في الإلتزام لأنه ببساطة هو الذي يشرع القوانين التي تنظم حياتنا بعيداً عن الفوضي. ومجمل القول إن الفوضي التي تثيرها بعض الشخصيات والمجموعات التي لا تقيم وزنا للقوانين تمثل خطراً يفوق كل الأخطار الاقتصادية والفيروسية التي تواجهها مجتمعاتنا.. لو أن المجتمع تعامل بجدية مع مصادر الفوضي مثلما يفعل لمواجهة الأزمات والمخاطر الأخري لأصبح لنا شأن آخر.