علي كثرة ما تردد وهو بيننا وبعده يتردد بعد مغادرته دنيانا من أحاديث عن استعصاء أفلامه علي الفهم يبقي يوسف شاهين مخرجاً مبدعاً متفرداً في لغته السينمائية.. لعب في مساحة فنية خاصة جداً صنعها هو ولم يباره ولا شاركه فيها أحد.. والصدق أنه ورغم كثرة من أنجبت السينما المصرية من مخرجين فليس بينهم من يقف حتي قريب من السلمة الأعلي من درج السينما العربية التي احتلها وحيداً يوسف شاهين ويكفي أن يعود المشاهد بذاكرته إلي أفلام شاهين ليجد فيها متعته العقلية والوجدانية والفنية صورة وحواراً.. غناء ورقصاً وموسيقي وفي الغالب قضية ذات قيمة وصحيح أن السينما العربية التي هي في مفهومها وبأغلبها مصرية عرفت كثيرا من المبدعين الكبار، أعفي نفسي من ذكرهم حتي لا يسقط صاحب حق عن مكانه، إلا أن أحداً منهم لم يقدم فناً شمولي الإبداع علي نحو ما قدم شاهين فلكل اسم من هؤلاء الكبار نقاط تميز ربما تكون في وجوه التكنيك السينمائي كلها لكن أحداً منهم لم يوظف الفنون الأخري كلها تقريباً لخدمة موضوعه السينمائي كما كان يفعل. لماذا اختلف شاهين إذن؟ لماذا هو وحده؟، تجيب عن ذلك غير الموهبة مسألة التكوين.. التجارب الحياتية نفسها التي عاشها وكيف صنعت منه مثقفاً شاملاً متذوقا مطلعا علي كل هذه الفنون منفتحا علي عوالمها، لهذا وهكذا اختلف شاهين وصارت أفلامه كما أحجار الماس بين معادن وأشياء فيها الذهب وفيها الروث.. غاب شاهين وغابت معه سينما عرفنا معها متعة مشاهدة كلية لتراكيب وجزئيات الفنون.. وحتي أقرب تلامذته وهم كثر لم يقاربوه فمن أين لهم عقل ووجدان له هذا التكوين !! علي تباين المراحل التي مرت بها السينما المصرية ظل ممكناً لعشاقها تلمس المتعة هنا وهناك.. إلي أن تجاوزنا عتبة الألفية وبلغنا حافة الانهيار الكبير تحت وطأة فقر وجهل وقذارة غلفوا كل شئ في حياتنا، ووصلنا إلي سينما المواخير وخرابات العشوائيات والكباريهات التي تشغي بالعاهرات والقوادين واللصوص والإمعات.. سينما تخاطب شعباً لا تري فيه أكثر من متعاط للترامادول الذي صار له اسم معروف بين جمهور مشاهدين ظلوا حتي ما قبل انتصاف زمن مبارك يفهمون بأن الحشيش هو المخدرات.. باختصار وقعنا في صندوق زبالة !! وحشني شاهين..