أحسن فضيلة الإمام الاكبر، شيخ الجامع الازهر بالتعامل مع التفاعلات التي اعقبت الحادث الارهابي الاثيم بالاسكندرية علي محورين متزامنين. حيث سارع بفك الاشتباكات الخاطئة علي الصعيد الداخلي موضحا أن ما شهدته مصر هو حادث إرهابي موجه الي كل المصريين وموجه في المقام الأول ضد الاسلام والمسلمين فمرتكب الحادث- أيا كان- هو مجرم وآثم وان الارهاب لا دين له.. كذلك تبني فكرة »بيت العائلة« كي يكون مكانا لجمع الشمل والتأكيد علي وحدة جسد الامة المصرية بأقباطها ومسلميها ومن خلاله يمكن الحديث عن كل ما يهدف الي تعميق أواصر الاخوة والمواطنة والتصدي لمحاولات العابثين من هنا وهناك لشق صف الامة واضعافها وتحويلها الي كيانات انشطارية. ان المحلل لتصريحات الامام الاكبر يجد انها تصريحات تطمئن الجميع وهي تصريحات تفتح الباب امام المراجعات الايجابية والاستفادة من الدروس والنقد الذاتي البناء لسد الثغرات امام من يريد هدم الوحدة والاستقرار، فمثلا تصريحه بأن وجود مسجد يبني امام كل كنيسة هو مضايقة لا معني لها ولا تعبر عن رحابة الاسلام واحترام لحرية العقائد.. وللحديث حول هذا البعد الداخلي الخاص »بيت العائلة« ما يتعلق به من تفاصيل أخري تحتاج الي المناقشة العائلية.. أما المحور الذي أريد التركيز عليه في هذا المقال فهو محور التفاعلات الخارجية والاهتمام بهذا البعد الحيوي لانه اذا كان الداخل بحاجة الي »فك الاشتباكات الخاطئة« والتفريق بين ما هو »طائفي« وما هو »إرهابي« فإن الخارج والتعامل معه دون تقوقع أو رفض أو اهمال لهذه التفاعلات هو توجه محمود ومطلوب ويحتاج الي تكثيف التفاعل الايجابي بخصوصه، فالوضع الخارجي وخاصة الاوروبي مليء بحملات المعلومات الخاطئة والمغلوطة وتتسم بالازدواجية في المعايير. فلقد صدر عن الكتلة البرلمانية الالمانية قرار يدعو الي حماية الحريات الدينية في جميع انحاء العالم وخاصة المسيحيين ولقد زار مصر وفد يمثل تلك الكتلة البرلمانية ليطرح ما اسموه بمبادرة الحريات الدينية ولقد استقبلهم الامام الاكبر وطالبهم بأن تكون دعوتهم لمساندة المضطهدين في العالم كله وخصوصا الفلسطينيين الذين انتم تهملونهم لانه أمر خاص باليمين المتطرف الاسرائيلي. وانتم لا تستطيعون نقده والتصدي لهم وكنا نتمني ان يكون التضامن ايضا مع العراق مسلميه ومسيحيه ويقول الامام الاكبر ايضا اما الاقباط فلا يحتاجون لحماية من احد لانهم جزء من نسيج المجتمع ومواطنون يتمتعون بحقوق المواطنة ولا يحتاجون لحماية من احد لان المصري المسلم أقرب للمصري القبطي هم أخوة في الوطن والعيش المشترك.. ان مشكلة هذه المبادرة الاوروبية وما يشبهها والتي سنتناولها بالمزيد من التحليل انها لا تأتي في جوهرها من الواقع الالماني فقط وهو الامر الذي يحتاج الي حوار بناء ممتد.. ولكنها تعتبر مؤيدة من خلال تصريحات واشتباكات خاطئة اخري تأتي من الواقع الاوروبي.. خاصة وانها تأتي من رئيس مثل الرئيس ساركوزي الذي يعتبر من الرؤساء الذين يسعون الي شراكة وحوار بناء مع مصر كما في مبادرة المتوسط وغيرها.. حيث جاءت تصريحاته عكس ما كان يتوقعه منه كل مصري كان يريد تنديد فرنسا بالارهاب بدلا من ان »يحذر ساركوزي« وبلهجة قاطعة من وجود مخطط تطهير ديني يستهدف المسيحيين في الشرق الاوسط في مصر والعراق.. مرة اخري لماذا لم يتمعن الرئيس ساركوزي واصحاب التصريحات المماثلة مثل البابا بند يكت والذي رفض تصريحاته الامام الاكبر ورد عليها- وكذلك تصريحات مماثلة وخاطئة في كل من ايطاليا وهولندا.. لماذا لم يتمعنوا الدلالات التالية: 1- من الذي اجبر الفلسطينيين المسيحيين علي الهجرة من فلسطين وخاصة في المناطق التي تحتلها اسرائيل وجعل نسبة وجودهم 1٪ بعد ان كانت 51٪ من السكان؟.. وما الدولة التي تنادي بأن تكون دولة دينية وان يعترف العرب بيهوديتها الخالصة!. 2- ومن هذا المحتل الامريكي للعراق الذي شجع بشكل مباشر أو غير مباشر علي هجرة العراقيين المسيحيين منهم وسهل مهمتهم باحتلال أفسد حياتهم ودمر مجتمعهم؟!. الخلاصة ان لغة الطائفية والتطهير العرقي ونبذ الحديث عن الارهاب الاسود الذي لادين ولا وطن له وأهمية مقاومته علي مستوي العالم كله يحتاج الي مزيد من الحوار والتفاعل الهاديء.. مهما كانت عوامل الاستفزاز الكامنة فيه.. ففخ الارهاب وفخ خلط الاوراق هي فخاخ سيقع فيها العالم كله ولا يمكن ان يتسم امر تجنبها بهذه اللغة التحريضية والقطعية الخاطئة في مسألة معقدة يحتاج العالم كله فيها للتكاتف والفهم المتبادل بدلا من المعادلات الحوارية التي لن تفيد أحدا والله ولي التوفيق وهو وحده المستعان.