عشنا العمر كله علي أن مصر والسودان بلد واحد.. أو بلغة أهل الجنوب كنا نقول انهما »حتة واحد«. هكذا كان الحال منذ 5 آلاف سنة حتي عام 6591. في ذلك العام اجبرت مصر لأسباب عديدة علي ان توافق علي تنظيم استفتاء يقول فيه ابناء السودان رأيهم في بقائهم مع مصر في دولة واحدة كان ملكها يلقب بملك مصر والسودان. وتخرج فيها المظاهرات تهتف »مصر والسودان لنا.. وانجلترا إن امكنا«. وقتها ارسلت الثورة المصرية واحدا من رجالها وهو الصاغ صلاح سالم اشهر أعضاء مجلس قيادة الثورة بفضل الشارع المهم الذي يحمل اسمه ويطالب البعض الآن بتغيير الاسم لما سببه من انفصال البلدين. ذهب صلاح سالم للشمال فعاملهم بعجرفة وإلي الجنوب فرقص معهم .. فرفضه الاثنان ورفضته السودان حتي ان يكون سفيرا لمصر في الخرطوم. حزن جيل سبقني من انفصال السودان عن مصر.. وكأن الحزن مكتوبا علي جيلي ايضا حتي نشهد انقسام السودان الي سودانين. هذا الانقسام الذي شطر نصفنا الي نصفين والبقية تأتي. نفس ما تعرضت له ثورة يوليو من ضغوط اجبرتها علي ترك السودان.. تعرض لها الرئيس السوداني عمر البشير ليترك جنوب السودان في حاله.. والمقابل طبعا وعود برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ورفع اسم البشير نفسه من قائمة المطلوبين للمحاكمة الدولية.. وكأن هناك من يتربص بنا في مصر.. وأيضا في السودان. مصر والسودان دولة كانت مساحتها 5.3 مليون متر مربع.. انقسمت الدولة الواحدة الي مصر »مليون متر« والسودان »مليونين ونصف« ثم انقسمت السودان الي جنوبي »007 ألف متر مربع« وشمالي »8.1 مليون متر« والاخير طبعا مهدد بالانقسام الي سنارية ودارفورية وكردفانية. ومهما كانت المبررات التي قادتنا الي هذه النقطة السوداء.. ومهما قيل من ان انفصالا سلميا افضل من وحدة في ظل حرب أهلية.. فإننا يجب ان ننظر الي الامر بجدية.. ونرصد ما جري لنا وما سوف يجري.. لقد عرفنا ما جري ولكن هل نتصور ما سيجري.. بالتأكيد نحن غائبون عن ذلك. مصر هي أكثر الدول تضررا من جنوب السودان.. فزعماء شمال السودان سيستريحون من وجع قلب الجنوب وحركة التحرر هناك حتي لو فقدوا الثروة البترولية الجنوبية. لكن مصر ستخسر جزءا كبيرا ومهما من بعدها الاستراتيجي في دولة تدعي انها غير عربية وغير اسلامية ولها أهداف اقليمية ودولية مختلفة.. وسيكون علينا ان نتفاوض مع دولة عاشرة في حوض النيل في قضية مياه النيل وحصة مصر منها.. والله اعلم كيف ستكون المفاوضات هذه المرة. لقد انشغلنا عن السودان كثيرا.. وتعاملنا مع القضية باستخفاف شديد.. شغلتنا الانتخابات.. شغلتنا احداث الاسكندرية.. وقضية الجاسوس وسيول المنيا وأشياء أخري كثيرة مهمة أو غير مهمة.. لكننا ما كنا يجب ان ننشغل عن جزء مهم من مصر ولا أقول دولة مجاورة.. لان السودان ليست دولة مجاورة.. انها جزء من مصر بل أهم جزء منه. أرجو أن نتحرك لإصلاح الموقف وان نسبق من ينوي ان يسبقنا الي جنوب السودان.. وان نسعي أيضا للم الشمل مع الشمال.. واتمني في الوقت الذي سيعلن فيه عن قيام دولة جنوب السودان في يوليو القادم ان يتم الاعلان عن قيام دولة الوحدة بين مصر والسودان.. يجب ان نعمل علي ذلك الهدف من الان لانه الحل الوحيد ضد انقسام اكثر في البلدين. مصر والسودان إلي أين من جديد.. ربنا يستر.