تحمل بيديها الصغيرتين «مبخرة».. تقفز بين السيارات كعصفورة متعبة.. ملامحها البريئة يكسوها الغبار.. وجهها يميل إلي الاصفرار من قسوة الحياة..براءتها وعملها يجعلك تزداد اعجابا بها مختلطا بالشفقة..مبتسمة رغم مرارة الأيام..لكنها تخفي وجهها البريء بعرق لقمة العيش..إنها بدور محمد عمران صاحبة السبع سنوات «أصغر سريحة بخور» والتي اختارت المهنة دون إرادتها منذ نعومة اظافرها.. تتنقل في شوارع «المهندسين» قادمة من منطقة «أوسيم» ,مكررة جملة «بخور ياعم».. سألتها اين والدك وامك ؟, اجابت بحسرة «والدي تعيش انته»..وامي مع اخوتي الصغار «عند اشارة المرور» تبيع المناديل»..اجاباتها التلقائية ورائحة البخور في يدها تضعف قلب اي انسان ، قاطعتني قائلة : «بخور ياعمو..خد للبيت ونفعني».. ابتسمت واخذت منها ودفعت لها ضعف الثمن الذي تريده ، لم تتمالك نفسهامن الفرحة..جلست علي الرصيف تعد «الفكة» والمبخرة «تحت قدميها الصغيرتين»وفي عينيها لمعة الرضا، شاكرة ربها الذي رزقها من حيث لاتدري. قالت :انا اساعد امي «بائعة المناديل» وإخوتي «الستة» السريحة لكي «نقدر علي الدنيا» وناكل عيش بعد وفاة والدي منذ سنتين ,وفجأة تساقطت الدموع من عينيها. سألتها «نفسك في ايه؟»..ردت مسرعة «نفسي ادخل المدرسة زي جيراننا، والعب مع العيال في الشارع لكن نصيبي كده..هعمل ايه ؟! تأثرت بشدة لكلمات بدور وتمنيت ان انقل امانيها لعلها تجد من اصحاب القلوب الرحيمة من يقدر علي انقاذها من حياة الشقاء فهل تجد بدور «سريحة البخور» من ينقذها ويحقق حلمهافي دخول المدرسة والابتعاد عن حياة الشوارع المليئة بالمشقة والعناء. في اخر المقابلة وعندما اضاءت اشارة المرور باللون الأخضر،نظرت في المرآة فوجدت بدور تركض خلفي مسرعة وهي تقول بصوت عال «ياعمو» ، توقفت «فوجدتها «تعطيني أعوادا من البخور» وقالت : «دي هدية مني ليك..عشان انت جدع» .. وتركتني في الشارع امسك بيدي اعواد البخور وعيني تتابعها وهي تجري مسرعة، حتي عبرت إلي الناحية الأخري لتتوقف عند سيارة اخري تعرض بضاعتها وتقول : «بخووور ياعم » ! .