احتفالات انصار الحزب اليسارى بالفوز فى الانتخابات اتجهت أنظار العالم نحو اليونان التي شهدت قبل ايام انتخاب زعيم المعارضة اليساري أليكسيس تسيبيراس ليترأس الحكومة اليونانية الجديدة وسط مخاوف أوروبية من خروج اليونان عن بيت الطاعة الأوروبي الذي فرض عليها إجراءات تقشف بعد إفلاس الدولة في عام 2011 وهي السياسة التي تسببت في مظاهرات عنف اجتاحت البلاد رفضا للقرارات الأوروبية. حالة الإحتقان الشعبي تلك هي التي ساعدت تسيبيراس المناهض لسياسة التقشف الأوروبية في الفوز بالإنتخابات ليبدأ حربه التي سماها «حرب الكرامة» ضد ما يعرف بالترويكا، وهي لجنة دولية ثلاثية تضم الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي حيث يسعي رئيس الوزراء الجديد إلي تخفيض الديون البالغ قيمتها 300 مليار يورو إلي جانب إلغاء سياسة التقشف التي أثرت علي اليونانيين في حياتهم اليومية، وزيادة الحد الادني للاجور من 580 إلي 751 يورو وإلغاء عدد من الضرائب التي فرضتها الترويكا ضمن الخطة التي وضعتها لإنقاذ الاقتصاد اليوناني. وقد بدأ تسيبيراس مشاوراته لتشكيل حكومة ائتلافية بعد فشله في الحصول علي المقاعد المطلوبة في البرلمان لتشكيل حكومة بمفرده حيث فاز حزبه ب 149 من أصل 300 مقعد بفارق مقعدين فقط حالت دون حصوله علي الاغلبية المطلوبة ( 151 مقعداً). وهناك حزبان رئيسيان تدور حولهما النقاشات هما حزب بوتامي من وسط اليسار والمؤيد لأوروبا، وحزب اليونانيون المستقلون القومي. وبينهما خلافات حادة جعلتهما يعلنان انهما عدم المشاركة في حكومة تجمعهما لذا سيكون علي رئيس الوزراء الجديد مهمة اقناع الحزبين بالمشاركة في حكومته. أما أنطونيس سماراس، رئيس الحكومة اليونانية السابق وزعيم حزب «الديمقراطية الجديدة» فقد أعلن إنضمامه لصفوف المعارضة وشدد علي ضرورة أن يمضي تسيبيراس في سياسة التقشف لأن الدخول في صراع مع الاتحاد الأوروبي سيكون بمثابة كارثة لليونان. في الوقت الذي ستعمل فيه الحكومة الجديدة علي زيادة الانفاق علي الخدمات العامة إلي جانب زيادة الرواتب والمعاشات بعد أن أدت سياسة التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي مقابل تقديمه مساعدات مالية إلي تدهور الرعاية الصحية والاجتماعية لليونانيين ، وأصبح معظمهم يعاني من الفقر، حيث أغلقت في السنوات الماضية نحو 90 ألف شركة صغيرة وارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير وباعت الحكومة الشركات الوطنية إلي شركات أوروبية وأمريكية. يذكر أن سياسة التقشف التي اشترطها الاتحاد الأوروبي ووافقت عليها اليونان عام 2010 كانت تنص ان تمنح 15 دولة اوروبية اليونان قرضا بقيمة 130 مليار يورو من أجل تجنب الإفلاس وبقاء اليونان ضمن منطقة اليورو وتضمنت برنامجاً زمنياً لعمليات الخصخصة وخفض الحد الأدني لأجور موظفي القطاع الخاص بنسبة 22%، وإلغاء 15 ألف وظيفة وطرد 150 الف عامل حتي عام 2015 واقتطاعات في رواتب التقاعد إلي جانب خفض مخصصات الصحة والضمان الاجتماعي والدفاع. ومع فوز تسيبيراس المناهض لهذه الهيمنة الأوروبية أصدرت ألمانيا وبريطانيا تحذيراتها لليونان كي تلتزم بالاتفاقيات التي وقعت عليها مع الاتحاد الاوروبي وعلي مواصلة العمل بسياسة التقشف لأنها السبيل الوحيد لإخراج اليونان من أزمتها الإقتصادية. لكن من الواضح أن تسيبيراس غير مستعد للرضوخ للإملاءات الأوروبية حيث هدد مرارا بالخروج من الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو، وعدم دفع الديون بعد أن تحولت اليونان لبلد الفقر وتحول مواطنوها لملايين من العاطلين، وأغلقت فيها المئات من المدارس والمستشفيات والمصانع وتساءل عن إمكانية وجود اتحاد اوروبي عادل. شخصية تسيبيراس الشاب الطموح الذي كان اصغر سياسي يتولي رئاسة حزب في اليونان عندما كان في ال33 من العمر والذي أصبح اليوم أيضا أصغر رئيس للوزراء في تاريخها بعد ان بلغ الأربعين تقول أن الأمل لا ينقصه سوي العزيمة والعمل الجاد وأن الأمم تبني بعرق ابنائها وليس بالاقتراض وفرض السطوة الاجنبية علي مقدرات الشعوب.