الانتخابات التشريعية التي بدأت أمس الأحد في اليونان والتي تحمل في طياتها بشائرعودة اليسار الراديكالي المتشدد إلي سدة الحكم في هذا البلد الأوروبي الذي يمر بأزمة اقتصادية طاحنة منذ العام2010 ليست كأي انتخابات مماثلة في أي بلد آخر, لأن نتائجها لا تعني اليونانيين فقط ولكنها تهم كل دول الاتحاد الأوروبي من دون استثناء بسبب الدين اليوناني الهائل الذي حصلت عليه اليونان من الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي الذي بلغت قيمته240 مليار يورو منذ4 سنوات والتي تجاوزت الآن حد ال300 ملياريورو, والذي يبدو أن المرشح للفوز بهذه الانتخابات حزب سيريزا أليكسيس تسيبراس المعروف بميوله اليسارية المتشددة, والذي أعلن عقب إدلائه بصوته أمس ما يعد تمردا صريحا علي السياسة الاقتصادية لدول الاتحاد التي فرضت علي بلاده برامج تقشف منذ سنوات بقوله: المستقبل الأوروبي المشترك ليس هذا.. ليس للتقشف. ف تسيبراس لا يخفي رغبته في الوصول إلي منصب رئيس وزراء اليونان- وهو أمر وارد في ضوء اختناق اليونانيين من الآثار التي ترتبت علي الدين الفادح مع بقاء معدلات البطالة بينهم إلي أعلي مستوياتها والتي وصلت إلي25%, مع التخفيضات الحادة التي لحقت برواتبهم- وهو أشد ما يزعج الأوروبيين. ووصول حزب سيريزا إلي الحكم مع إعلانه رفضه لسياسة التقشف التي فرضتها دول الاتحاد الاوروبي علي بلاده منذ4 سنوات قد تعني مباشرة محاولته إعادة التفاوض علي الدين الكبير وإرغام الدائنين علي تقليص ديون بلاده, والتمرد علي هذه البرامج التي فرضت علي اليونان وتسببت في معاناته الشديدة, والتي قبلها رئيس الحكومة الحالي المحافظ أنتونيوس ساماراس الذي سعي لتلبية الحد الأقصي لطلبات ترويكا الدائنين, وهو ما قد يعرضه لعقاب الناخبين خلال الانتخابات الجارية. كما أن نجاحه قد يفتح الطريق أمام أحزاب اليسار الراديكالي الأوروبية المماثلة في كل من إسبانيا بزعامة بوديموس واليسار الفرنسي بزعامة جان لوك ميلينشون. وهو ما يشير بقوة إلي فشل الاتحاد الأوروبي الذريع في إيجاد علاج ناجع للأزمة الاقتصادية اليونانية الطاحنة علي الوجه المطلوب. والمعروف أن تسيبراس يعتزم تطبيق تدابير فورية- في حال نجاحه في الانتخابات ووصوله إلي تشكيل الوزارة- رفع الحد الأدني للأجور المتدنية من580 إلي751 يورو, لتعويض اليونانيين عن معاناتهم بسبب تطبيق سياسة التقشف المتشددة التي أجهدتهم علي مدي السنوات الأربع الماضية من دون تحقيق أي تقدم علي صعيد تقليص الدين الذي تجاوز300 مليار يورو ممثلا175% من إجمالي الناتج الداخلي, كما ينوي خفض نسبة الفائدة علي الدين أو تمديد فترة السداد. ليس هذا فقط ولكنه يعتزم مطالبة الدائنين بتقديم تنازلات- في صورة خفض كبير وفعلي لحجم الدين- مثل تلك التي حصلت عليها ألمانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية( التي تتزعم حاليا الاتجاه لانتهاج سياسة مالية متشددة في دول الاتحاد). ولهذه الأسباب لا يقتصرالقلق من نتائج الانتخابات التشريعية اليونانية فقط علي شركائها الأوروبيين, ولكنه يتجاوزهم إلي الأسواق المالية الأوروبية والعالمية, لأنه قد يعني خروج اليونان من منطقة اليورو بكل ما يعنيه من تبعات مازالت مجهولة إلي الآن من جانب القائمين علي السياسات الاقتصادية للقارة العجوز. وفيما يعد مؤشرا قويا علي ماينويتسيبراس فعله في حال نجاحه ما أعلنه أمس أمام مؤتمر صحفي حاشد بالصحفيين والإعلاميين في العاصمة اليونانية عقب إدلائه بصوته اليوم نقررما اذا كانت الترويكا ستعود غدا الي اليونان وأضاف أن بلاده ستخوض مفاوضات صعبة من اجل استعادة الكرامة والتلاحم الاجتماعي. بينما أعلن ساماراس الذي تتوقع استطلاعات الرأي الاخيرة هزيمته اليوم نقرر ما اذا كنا سنتقدم أو اننا سنقفز في المجهول. الناخب اليوناني بدوره مازال حائرا بين ما يعد به المحافظ ساماراس المرشح بقوة لتلقي هزيمة ثقيلة, وبين ما يستعد له تسيبراس الذي قد يحالفه الحظ بالفوز والذي يطمع في تحقيق أغلبية مطلقة بعد حصوله علي50 مقعدا بوصفه الفائز الأقرب لتشكيل الوزارة المقبلة, غير أن استطلاعات الرأي تفيد أن الرياح ستأتي علي هوي الأخير, وسط مخاوف من بعض الناخبين من أن تعجز بلادهم عن السداد نهائيا. مراقبون يرجحون تحالف سيريزا مع أحزاب مثل النهر الجديد المنبثق من يسار الوسط والذي يضم نائبين( من اصل21 نائبا يونانيا) في البرلمان الأوروبي, كما أن حزب الفجر الذهبي الذي يستوحي أفكاره من النازيين الجدد يشكل رهانا في الاقتراع رغم المحاكمة التي تنتظر حوالي سبعين من أعضائه بتهمة الانتماء إلي منظمة إجرامية وسجن سبعة من نوابه ال16 بينهم قادة الحزب, والذي قد يحتل المركز الثالث في البلاد. إلا أنه في حال فشل الأحزاب الثلاثة التي ستتقدم السباق في تشكيل الحكومة الجديدة سيتعين علي اليونانيين العودة الي صناديق الاقتراع في مارس المقبل.