«أفريقية النواب» تستقبل وفد دولة سيراليون في القاهرة    وزير التعليم يفتتح الندوة الوطنية الأولى حول «مفاهيم تعليم الكبار»    نائب محافظ أسوان تتابع معدلات تنفيذ الصروح التعليمية الجديدة    رئيس مجلس الدولة يجلس على منصة القضاء بقاعة المحكمة داخل الفرع الجديد    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الدولي CWUR وتأتي ضمن الأفضل عالميا    «التخطيط»: نرحب بمقترحات القطاع الخاص بالاستثمار مع الصندوق السيادي    الحكومة: غداً.. بدء التشغيل لمحطات الجزء الثالث من الخط الثالث للمترو    يخدم 50 ألف نسمة.. كوبري قرية الحمام بأسيوط يتجاوز 60% من مراحل التنفيذ    «الزراعة»: مشروع مستقبل مصر تفكير خارج الصندوق لتحقيق التنمية    حظر إصدار تراخيص جديدة للمشروعات بالشرقية إلا باستيفاء الشروط البيئية    شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على عدة مناطق بقطاع غزة    الاتحاد الأوروبي يعزز استعداده لمكافحة موسم حرائق الغابات في 2024    الحكومة النرويجية تنوي مضاعفة مساعداتها للفلسطينيين أربع مرات    كلوب بعد التعادل مع أستون فيلا: أنا حقا سعيد    "أغلق تماما".. شوبير يكشف ردا صادما للأهلي بعد تدخل هذا الشخص في أزمة الشحات والشيبي    الشيبي يظهر في بلو كاست للرد على أزمة الشحات    تردد قناة سبيس تون للاطفال الجديد 2024 Spacetoon بجودة عالية    متحدث التعليم للطلاب: اليوم ننشر فيديو توضيحي عن طريقة الإجابة على البابل شيت    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    مصدر أمني: انتهاء المهلة الممنوحة للأجانب المعفيين من تراخيص الإقامة أول يوليو    «على قد الإيد».. أبرز الفسح والخروجات لقضاء «إجازة الويك اند»    إنهاء تجهيزات العرض الخاص لمسلسل دواعي السفر    بعد تصدرها التريند.. أعمال تنتظر نسرين طافش عرضها تعرف عليها    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    قبل البيرة ولا بعدها؟.. أول تعليق من علاء مبارك على تهديد يوسف زيدان بالانسحاب من "تكوين"    «الصحة» تبحث مع «أسترازينيكا» التعاون في دعم مهارات الفرق الطبية    وسائل إعلام إسرائيلية: دبابات الاحتلال تتوغل داخل رفح الفلسطينية    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    نيويورك تايمز عن مسؤولين إسرائيليين: «جنرالات وأعضاء بمجلس الحرب محبطون من نتنياهو»    قصة اليوم العالمي للمتاحف واحتفالاته في مصر    «النواب» يوافق على موازنة «القومي لحقوق الإنسان»    التشكيل الرسمي لمباراة الاتحاد السكندري وسموحة في الدوري    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    القومي للمرأة يشارك في ورشة عمل بعنوان "القضية السكانية.. الواقع والرؤى المستقبلية"    مبادئ كتابة السيناريو في ورشة ابدأ حلمك بالإسكندرية    تصريحات كريم قاسم عن خوفه من الزواج تدفعه لصدارة التريند ..ما القصة؟    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته بكفر الشيخ لجلسة الخميس المقبل    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    وزير الدفاع البريطاني: لن نحاول إجبار أوكرانيا على قبول اتفاق سلام مع روسيا    داعية إسلامي: يوضح ما يجب على الحاج فعله فور حصوله على التأشيرة    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    رسميا مانشستر يونايتد يعلن رحيل نجم الفريق نهاية الموسم الحالي    مهرجان الإسكندرية يعلن تفاصيل المشاركة في مسابقة أفلام شباب مصر    لعشاق المأكولات البحرية.. طريقة تحضير سمك مشوي بالليمون والكزبرة    بعد التحذير من مسكن شهير في الأسواق.. كيف تكتشف الدواء المغشوش؟    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    توقعات إيجابية للاقتصاد المصري من المؤسسات الدولية لعام 2024/ 2025.. إنفوجراف    أحمد الطاهرى: فلسطين هي قضية العرب الأولى وباتت تمس الأمن الإقليمي بأكمله    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    فى أول نزال احترافى.. وفاة الملاكم البريطانى شريف لوال    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    بهاء سلطان يُحيي حفلاً غنائيًا بمتحف الحضارة.. الخميس    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    لطفي لبيب: عادل إمام لن يتكرر مرة أخرى    ارتفاع درجات الحرارة.. الأرصاد تحذر من طقس الثلاثاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
مصر البشر والذكاء المهدر!!
نشر في الأخبار يوم 19 - 01 - 2015

افتتح رئيس وزرائنا المهندس ابراهيم محلب الجزء الذي تم ترميمه من المتحف المصري.. المتحف بتوقيع مصر البشر وهم أعظم مافي خريطة مصر!!
كلما وطئت قدمي مكانا.. أي مكان علي أرض مصر ذهب عقلي إلي صناع المكان من البشر.. إذا رأيت قمحا تهتز سنابله في الحقل أو رأيت أكواز الذرة تطل في عبقرية من فوق السيقان أو أسبطة البلح تتدلي من أعالي النخيل أو القطن يخرج من لوزاته علي شجرة القطن.. كلما رأيت كل ذلك وغيره وغيره من خيرات بلادنا وصولا للرسوم العبقرية التي تعبر عن تاريخنا علي جدران المعابد وتحت أقدام التماثيل.. كلما رأيت كل ذلك ازداد اعجابي وتعجبي لمصر القيمة تلك الأيادي العبقرية لتلك الرؤي التي لا تكف عن التفكير الذي يقود يديها إلي الابداع.. تلك الأيدي التي تعبر حتي عن صمتها.. تلك الأيدي التي تبدع وهي تتكلم بإشارات الكلام عند المصريين لا مثيل لها في العالم.
قال لي صديق انجليزي عاش في مصر فترة :
- جربي أن تجلسي علي مقهي أو في مكان تجمع المصريين وجربي أن تتابعي حركة الأيدي لرواده مع نظرة العين وحركة الرأس سوف تفهمين فورا روح الحوار إن كان هزلا وضحكا أو لحدث محزن وهذا لا ترينه في العالم سوي عندكم في مصر!!
لم أفكر في هذه الملحوظة من قبل أن يقولها لي الصديق الانجليزي وتابعتها بعد ذلك فوجدت أنها صحيحة مائة في المائة!!
المصري شديد المقدرة علي التعبير سواء كان أميا لا يقرأ ولا يكتب أو حاصلا علي الدكتوراة.. والفلاح المصري من أقدر قطاعات المصريين علي التعبير مهماكانت القضية التي يتحدث فيها.
وجدت أنني لو تابعت عن بعد مجموعة تتحدث وتابعت حركة الأيدي والعيون وحركة الرأس لعرفت بالتقريب عما يتحدثون!
وقد لاحظت عند زياراتي المتكررة لآثارنا بالأقصر وغيرها من أماكن الآثار أن المصريين القدماء كانوا حريصين علي تسجيل الحدث سواء بالتمثيل الفردي أو حركة تماثيل المجاميع، ومن أجمل هذه التسجيلات تسجيل رحلة الملكة حتشبسوت إلي بلاد «بنط» الصومال الآن.
ولعل هذه الرحلة التي مر عليها أربعة آلاف عام تعطينا مؤشرا هاما هو أن مصركانت دائما طموحة في علاقتها، حنونة في هذه العلاقات حتي تصل إلي خارج حدود البحر الأحمر جنوبا لتطل علي المحيط في عبقرية..سفرا بأسطول بحري غيرمسبوق حتي في انجلترا تلك الجزر البريطانية التي لم تفعلها كما فعلتها مصر.
وحقيقة الأمر أن مصر لم تغب عن المنطقة اطلاقا وحتي بعدان سدت أثيوبيا عنا بعض النيل بسد النهضة بقي في مصرالحنان السياسي والمقدرة علي التواصل بصرف النظر عن مفاجأة سد النهضة الذي ساهمت اسرائيل في تدعيمه بخبرتها الشريرة واعتقادها أنها سوف تساهم في عطش مصر.
نعود إلي تلك الملكة العبقرية رغم جذوره الشر بها والتي جعلتها تضع شقيقها تحت كرسي الملك كما تقول الرسوم حتي تنفرد بوراثة العرش ولكن هذا أمر لا يمنع من حكم التاريخ لها بعصربالغ العظمة لمصر ووصولا كما قلنا إلي مشارف المحيط والتطلع إلي المحيط في شموخ وعظمة.
وأنا لست من الذين يستعملون التاريخ في التزايد علي الحاضر ولكن أيضا أتمني استثمار التاريخ لأن الحاضر يرتكزعلي اساس صلب من تاريخ يجب استثماره وليس تناسيه أو إهداره.
لأنه أولا وأخيرا البشر في مصر هم الذين يصنعون التاريخ والتاريخ لا يهبط من السماء وإنما يولد وينمو علي الأرض وفي أحضان بشر يستثمرون ذكاءهم بصفة دائمة، غير أنني ألا حظ -رغم عدم استثمار اليأس هنا- فأنا مؤمنة بقدرات المصريين بالخروج من المأزق بشكل حضاري مهما كان صعبا والخروج من المآزق التاريخية مثل حرب 56 وحرب 67 لا يأتي صدفة وإنما بظهور بشراصحاب فكر يواجه مرارة الهزيمة ويصعد بالمعارك إلي النصر ولكن بالرغم من ان الانتصار علي اسرائيل في معركة القتال لم يحقق اكتمالا كاملا إلا أنه رفع الروح المعنوية رغم بقاء اسرائيل شوكة في ظهر العرب ولكن مازال التاريخ صامتا ولم يضف السطرالأخير في الصراع العربي الاسرائيلي ولا يمكن أن تعيش دولة وتنمو وهي وسط غابة من الدول التي بدأتها اسرائيل بالعدوان بمساعدة من خارج الحدود وحتي أمريكا نفسها -أم اسرائيل الرءوم- لم تعد القوة العسكرية تفيدها فالعصر عصر القوة السياسية والتواجد الشريف علي الساحة بدون ضغط ولا مزايدة، ومازالت الولايات المتحدة الأمريكية »تبحث» هنا وهناك عن صديق حتي لو كان الحبشة أو أوغندا فإن الصداقة اصبحت صعبة بالنسبة لدولة تحاول السيطرة وليس الصداقة، ولم تعد تفكر أن الصداقة هي علاقة وجدانية أشد أثرا من السيطرة فالسيطرة تجعل الطرف الأضعف يحاول الخروج من ضعفه أما الصداقة فكل الأطراف تحاول تقويتها لتستثمرها في يسر وسعادة.. ولكن أمريكا لا تعرف معني الصداقة حتي مع نفسها وانظروا إلي الصراعات والاضطرابات الداخلية الدائمة!!
وفي قناعتي أن خريطة المنطقة رغم ثباتها منذ عام 1948 سوف تتغير لأنه لا دوام لخريطة تعيش التمزق بين بعضها البعض.
وتحاول اسرائيل عمل تربيطات سرية ولكن الذين يرتبطون بها اما خائفون من عدوانها أو يرتبطون حتي يصبحوا أقوياء فيمزقون أواصر الارتباط، وبلاجدال حينما يشتد عود مصر سوف يشتد معها عود العرب ولا يمكن ان تقوي المنطقة إلا بالتعاون وشد الأزر مع بعضهم البعض.
جهود الملك عبدالله
ويلفت النظر ولابد من استثمار جهد العاهل السعودي الشديد الذكاء جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز والذي يعيش السياسة بهدوء علي نار هادئة وفي مناخ جديد خال من رفع الصوت والجعجعة التي عشناها من قبل وكيف سنلقي اسرائيل في البحر ونجحت في إلقائنا في الهم والغم ولكن ألاحظ إفاقة عربية ومصرية عالية واعتقد أن الضعف الذي بدأ يدب في أوصال الأمريكان وتحول فكرهم إلي بلادهم بدلا من الصراعات في آخر بلاد المسلمين سوف ينسحب علينا والتحول الفكري الأمريكي يجب استثماره عربيا وليس مصريا فقط.. برغم أنه تحول فكري وليس عسكريا.. ولكن التحول لا يأتي مرة واحدة خصوصا ان الاقتصاد الأمريكي يعاني. -وقادر ياكريم يهد حيلهم- ويحول فكر أولي الأمر منهم إلي اصلاح الداخل عن خطتهم القديمة في وضع اصبعهم في الشرق الأوسط علي شكل هذه الدولة التي لا تجد العون إلا من خارج حدودها وهي محاصرة تماما بالكراهية العربية، ومهما كان ذكاء نتنياهو فسوف يقع في شباك الحصار العربي والذي بدا ضعيفا عسكريا ولكن القوة النفسية هامة جدا في أي حصار.
لعلي لن أشاهد انتصار العرب وخروج اسرائيل هربا إلي الارجنتين كما كان يفكر هرتزل ولكن ازعم ان احفادي سوف يرونها في منتصف القرن الحادي والعشرين بعد أن تهزمهم الحالة النفسية وليس القوة العسكرية فدولة محاصرة بدول سلاحها الكراهية اضعف من دولة محاصرة من دولة تملك أقوي اسلحة الارض فالكراهية تهدد الانسان داخل الدولة المحاصرة ولكن السلاح يقتل ولا يهدد والقتل ينهي ولكن الاهدار يظل ينحت في البشر فيظلون عالقين في حبل الكراهية!!
ولا أدري.. هل تشعر اسرائيل أنها جسم شاذ بين دول المنطقة أم تشعر أنها من حقها أن تعيش علي حساب الحق الفلسطيني وجسده المقطع النازف الذي يحرض علي الحرب بين لحظة وأخري!!
أولادنا في الشوارع
هل لاحظتم الشوارع ؟ هل لاحظتم امتلاءها بالأطفال يوميا؟
انهم التلاميذ النجباء يحملون كتبهم كل يوم ثم يضعونها علي الرصيف ويلعبون الكرة حتي تخرج الفترة الصباحية ويدخلون الفصول في الفترة المسائية!! وقبل الظهر يخرج تلاميذ الفترة الصباحية ليتبادلوا المواقع ويضعوا كتبهم علي الرصيف ويتسلموا الكرة ليلعبوا بها قبل الذهاب إلي المنازل!
وهكذا كل يوم الشوارع تمتلئ بالصغار كل حسب جدوله ولكن الجديد ياسادة ياكرام هو هؤلاء التلاميذ الذين يخلعون «المريلة» ويقفون علي اشارات المرور ليتسولوا من راكبي السيارات عند توقفها في اشارات المرور وقد لاحظت ذلك وربما لم يلاحظه الكثيرون ولكن هذا يحدث. ولعل الأسرة لا تدري لأن الأطفال يشترون بما يحصلون عليه الحلاوة قبل العودة لمنازلهم ولكن الكارثة أن الأم أو الأب لايسألان عن تأخر أولادهم سواء تأخرهم في العودة أو تأخرهم الدراسي وتسمع ما يصدع الرأس.
- هيه المدارس بتعلم؟ ده لولا المدرس الخصوصي
- المدرسين بيقعدوا العيال ويقعدوا يتكلموا أو المدرسات يقعدوا يشتغلوا تريكو والعيال تلعب ولا تكلم أي اسرة ابنها او ابنتها عن اللعب في الشارع والتأخر بعد الخروج من المدرسة فالأم مشغولة سواء في عملها أو بعد العودة في الطبيخ مع ان جوع الاولاد وتربيتهم أهم بكثير من شبعهم وفساد التربية ويلقي الهم كله علي المدارس مع ان بيت الشعر الجميل:
الأم مدرسة إذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق
بيت رائع ولكننا لا نعمل به ولو فكرنا في الوقت الذي يقضيه الطفل أو الطفلة في البيت سنجد أنه اكثر من الوقت الذي يقضيه الاطفال في المدارس وكذلك السلوك اليومي والاخلاقيات المكتسبة كلها من البيت فالمعلمون والمعلمات يقف عطاؤهم عند التعليم وبعض اخلاقيات التواجد في الفصل
أما البيت فعليه كل سلوكيات وعادات الحياة ولكن الذي يحدث هذه الايام ان كلا من البيت والمدرسة يلقي المسئولية علي الاخر فتكون النتيجة اطفالا لا علم لديهم ولا أخلاق يتحلون بها وهكذا نحن نعيش جيلا ضائعا بين البيت والمدرسة وليتنا نراه جيلا متعلما أو استفاد شيئا ولكننا نري تدهورا في التعليم جعلني اتلقي خطابا من احد تلاميذي الذين ظهرت صورهم متفوقين في باب أخبار الاطفال الذي كنت احرره لمدة خمسة واربعين عاما في الاخبار واختفي في ظروف غامضة.. كتب لي بعد أن وصل إلي الجامعة..
عزيزتي ماما نعم :
تذكرين باب المتفوقين في أخبار الاطفال لقد كنت احدهم وأنا في الابتدائية ولاكن- كتبها هكذا اللام الف- اصبحت الان اعيش صعوبة فنحن اكثر من ألف والمحاضر لا يمكث في المحاضرة اكثر من نصف ساعة لانه لا يستطيع ان يسيطر علينا فتكون النتيجة اننا نعتمد علي الكتب وللاسف فإن الاساتذة لا يكتبون ما يريدون توصيله بسهولة بل بلغتهم ولغة دراستهم للدكتوراة فتكون النتيجة صفر في الاخر ونصل إلي الامتحانات عن طريق ملخصات سيئة فلا نلحق بالنقل إلي السنة التالية إلا بشق الانفس فهل يرضيك هذا.. مع حبي لك وتحياتي.
فلان - ثانية آداب
عين شمس
وهكذا ينقطع من العقل والقلب.. العقل من اجل علم لا ينفع والقلب من اجل تلاميذ سوف يحكمون مصر بعد ذلك؟
فقلبي علي ولدي انكسر وقلبي علي مصر انغلق.. فلا قلب يفتح بلا جيل لا ينفع.. لا أدري هل المصريون تراجعوا أم ان الاعداد الهائلة هذه المسئولة عن هذا التراجع؟ أم ان الاساتذة اصيبوا بالزهق من تلك الاعداد «النملية» - من النمل- فلم يعودوا يستطيعون توصيل علمهم.
ان الذي يتخرج من الجامعة واحد من اثنين اما عبقري او مجرد دءوب يحفظ ويفرغ ما حفظه في اوراق الاجابة.
ستر الله مصر بهؤلاء الذين سوف يحكمون بعد ذلك فتخيلوا هؤلاء الحكام الذين لم يكتبوا علي سطر ويتركوا سطرا وانما لم يكتبوا اصلا الحمد لله الذي لن يوصلني إلي عصر سوف يحكم فيه هؤلاء الذين لا يجدون من يعلمهم والذين يعلمونهم لا يجدون ما يعلمونهم به..
انه عصر جديد سوف ترونه انتم يا شباب بعد عشرين عاما احياكم الله إلي كل عام؟
حينما فاض النيل
كنا نطلق علي هذا الموسم من السنة موسم النيل موسم التحاريق حيث يعز الفيضان ويظهر الشاطيء المستلقي وقد جف ماؤه انتظارا للصيف لفيضان جديد.
في بلدتنا - ميت رومي مركز دكرنس- كنت اخرج مع أولاد اعمامي الاكبر مني لنري قاع النيل وقد ظهر الا من بعض الحفر حفرها بعض الذين يرجون الماء ويدلون بدلوهم ليأخذوا من المياه المندثرة في القاع بعد الفيضان وكان اللعب في قاع البحر الصغير الذي يمر في بلدتنا لعبا له طابع خاص حيث كنا نخلع الاحذية وندب بأرجلنا في الطمي فنترك اثرا للاقدام والاصابع نسعد بهذه اللعبة الجميلة وكنا نلعب ايضا في المراكب التي رست في القاع ولم يعد هناك ابحار لعدم وجود المياه انتظارا للفيضان.
اشتقت لهذه المشاعر عند انتقالنا للقاهرة لالتحاق شقيقي الراحل رحمه الله جمال الباز بكلية الطب ورفض ابي ان يرسله وحده وقال انه لابد ان ننتقل للقاهرة جميعا لكي ننضم جميعا لمراحل تعليم لا توجد في دكرنس او المنصورة.
حيث اوائل الاربعينيات وانتقلنا إلي حيث الضجيج من اول نزولنا حيث العربه التي كانت تسير بسرعة علي كورنيش النيل في المنصورة دون زحام هدأت من سرعتها ابتعادا عن الترام الذي نراه لأول مرة فهو ليس قطارا ولكنه معلق بسلك في سلوك اخري معلقه فوق خط سيره وكان صوت الترام عجيبا وبعض الناس معلقين في ابوابه غير خائفين من الوقوع.
أوعوا تركبو ا ترامات ابدا؟
قالتها جدتي وهي تشير للترام في فزع وجزع
- أوعوا
وقال شقيقي جمال:
ليس هنا سوي الترامات والتاكسيات.. ونحن لا نركب تاكسيات وحدنا.
- روح ماشي
قالتها جدتي بسرعة.
- الكلية بعيده عن البيت.. بيتنا في الحلمية والكلية في القصر العيني.
قالها ابي ليسكت جدتي بشكل عفوي طبيعي نابع من علاقتهما المضطربة منذ رفضها زواج امي من أبي بلا سبب إلا مجرد الرفض.
والذي ناقشناه معها فقالت:
- ابوكم كان متعلم وشغله بيتنقل في كل حته وامكم ما ليش غيرها كنت عاوزاها تتجوز جنبي.
ثم قالت:
- وافقت بعدما ابوكم كان وهو راجع من المعهد «يكح» جنب شباكنا فتروح واقفة وعاوزه تبص عليه وهكذا كان الحب من المحرمات ويقول ابي:
- كانت ترفض لمجرد الرفض سواء أنا أو غيري.
وقالت امي:
- ابدا كانت عاوزة تجوزني واحد قريبها عايش في أرضه جنبنا علشان ما اروحش بعيد عنها واتغرب - المنصورة كانت غربة رغم المشوار ساعة فقط!!
وانتصر الحب وتزوج ابي من امي وكان يعمل بالتدريس وظل ينتقل من بلد لبلد حتي أصبح مديرا للتعليم واستقر في مصر ثم استقال واشتغل بالشأن العام حيث كانت السياسة في مواجهة الاستعمار شيئا مهما في حياة الناس.
وذكريات شديدة القسوة منها احداث فتح كوبري عباس علي الطلبة المتظاهرين وكان شقيقي في كلية الطب وكانت المظاهرات ضد الانجليز علي أشدها وكان بيتنا يعج بالطلبة زملاء شقيقاتي جمال ومأمون والذين يعيشون في القاهرة وحدهم لوجود اسرهم في بلاد خارج القاهرة.
كان جوا مشحونا بالحماس وكان صديقي جلال ابن عمتي يرسم قلوبا وكتب فيها الجلاء بالدماء ونعلقها علي صدورنا لنعلن رفضنا ونحن في سن الثامنة للاستعمار.. ورغم وجود الاستعمار وخروجنا لنبصق علي الانجليزي ونحن نمشي في شارع القصر العالي بجاردن سيتي حيث السفارة الانجليزية تسد الشارع ليصل مبناها للنيل وبعد الثورة وبعد ان اصر عبداللطيف بغدادي علي ان يفتح الكورنيش تقهقرت السفارة وتراجعت وتركت الكورنيش يصل إلي كوبري قصر النيل ونخرج لنتمشي عليه حتي نصل لمبني الثكنات الاحمر ونعود بعد ان علمنا شقيقي المرحوم الدكتور جمال الباز بأن نبصق عليها وهذه كانت سلاحنا ضد الانجليز ونحن صغار وكان سيرهم بأحذيتهم الثقيلة يدقون الارض كأنهم يدقون رؤوسنا رغم صغرنا فقد تعلمنا كراهية الانجليز المستعمرين حينما استعمرونا وأحببناهم ونحن نستمتع بالحرية وهم في بلادهم ونحن في بلادنا.
وحينما سافرت إلي انجلترا لأول مرة عام 1970 لعلاج ابنتي دينا وجدتهم ودودين جدا وشديدي القدرة علي المساعدة والعطف علي المرضي وكان هذا هو الفارق بين جندي مضطر للحياة خارج بلده بسبب الحرب ومواطن يعيش آمنا في بلده.
وذكريات ارجو ان يتحملها القراء الاحباء فليس لدي ما أبثهم ذكرياتي سواء الحزينة أو السعيدة سوي قرائي الاحباء الذين اشعر حينما امسك القلم لأكتب لهم كأنني اكتب خطابا محببا لعزيز لدي وكيف لا يكون من اعز ما لدي في حياتي وهم معي منذ بدأت الكتابة منذ عام 1955 اما بداية اليوميات فقد كانت منذ عام 1974 وهكذا علاقتي بكم مثل علاقتي بأسرتي سواء ابي وأمي واخوتي أو زوجي رحمه الله وأولادي.
اثقلت عليكم وإلي لقاء في يوميات اخري لو كان لنا عمر.
نوارة نجم
«الرسالة الثانية بعد الألف» مقالك الذي يملك خلايا العقل وشغاف القلب رعاك الله لنا ابنة للكاتبة الكبيرة صافيناز كاظم والفيلسوف المحبب بكل حياته ومعطياته احمد فؤاد نجم. فقدت الاب ولكنك لم تفقدي مواطنا بدرجة معطاء رعاك الله خير خلف لخير سلف وسوف يظل يعيش بيننا بكل ما ترك من اقوال ممزوجة بنيل مصر وأهلها وترابها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.