أفسد الشعب المصري بكافة فئاته المخطط الخبيث لزعزعة استقرار البلاد وتهديد الوحدة الوطنية، حيث أدان المصريون الانفجار الأثيم الذي وقع في أول ساعات العام الجديد أمام كنيسة المرقسيين بالإسكندرية، ووقفوا صفا واحدا في وجه الإرهاب البغيض، وتوالت اتصالاتهم التليفونية علي شاشات التليفزيون حتي الساعات الأولي من صباح أمس للتعبير عن استنكارهم للحادث، وبادروا لمساعدة رجال الإسعاف في نقل الضحايا وعلاج المصابين ونقل الدم لمن يحتاجونه. وأجمع خبراء السياسة والقانون والمثقفون علي إدانة الحادث وطالبوا بتعقب مرتكبيه وأعلنوا أن النسيج الوطني المصري أقوي من تلاعب الأصابع الخارجية الخبيثة. "ضرب الوحدة الوطنية.. زعزعة الاستقرار.. نشر الفزع".. أهداف شيطانية أراد المجرمون تحقيقها بهذا التفجير الحقير، إلا أن صلابة الشعب المصري ووحدته وتماسكه أفشلت هذه الأهداف (المفخخة)، وردت علي المجرمين: أخطأتم العنوان يا أعداء الإنسانية.في البداية يقول الدكتور جهاد عودة - أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان- أن التهديدات السافرة التي أطلقها تنظيم القاعدة منذ شهور حول نيته استهداف المسيحيين في مصر، كشفت عن الوجه الحقيقي لهذا التنظيم الإرهابي الضالع في الجرائم البشعة، فقتل الأبرياء دون تمييز بين مسلم أو مسيحي؛ رجل أمن أو مواطن، ليس جهادا في سبيل الله، ولا مقاومة لمحتل، إنما هي جريمة بشعة بكل المقاييس الإنسانية. ويضيف أستاذ السياسة أن توقيت الجريمة البشع يكشف عن خبث أهداف منفذي العملية بضرب فرحة إخواننا المسيحيين بأعيادهم، وأنا متأكد أن الأجهزة الأمنية لن تفلت المتطرفين من قبضتها خاصة بعد تكليفات الرئيس مبارك الفورية بتعقب المجرمين والقبض عليهم من أجل القصاص للأبرياء والضحايا. أما الدكتور رفعت سيد أحمد - مدير مركز يافا للدراسات السياسية- فيشير إلي أن الحادث كبير، ويحمل في طياته دلالات خطيرة، فلأول مرة تستخدم السيارات المفخخة في العمليات الإرهابية علي أرض مصر، وأعتقد أن أصابع القاعدة واضحة في تنفيذ تلك العملية الإجرامية، خاصة بعد تهديداتهم السابقة باستهداف المسيحيين في مصر، إلا أن الخطير في الأمر أن الجريمة بالتأكيد تمت بمساعدة عناصر محلية داخلية وهو الأمر الذي توليه أجهزة الأمن بالتأكيد أهمية قصوي. من ناحيته، يقول الروائي يوسف القعيد أن الحادث يعبر عن حقيقة مرتكبيه ووجوههم القبيحة، فاستهداف دولة ضاربة بجذورها الحضارية في عمق التاريخ، تحمل ميراثا حضاريا وثقافيا يمتد لأكثر من 7 آلاف سنة، يعتبر جريمة نكراء ضد الحضارة الإنسانية جمعاء، وليست ضد مصر وحدها، أما عن هؤلاء المجرمين فهم مثل الطفيليات التي تطفو علي السطح، دون أن يكون لها جذور حقيقية، فهؤلاء هم أعداء السلام الذين يريدون إشعال الحرائق ويستمتعون بتأليب المجتمعات والطوائف، مشير إلي أن هؤلاء "المجرمين السذج" - علي حد وصفه - أخطأوا العنوان، فمصر كانت وستظل وستبقي نسيجا واحدا، تضرب الوحدة الوطنية في جذورها منذ فجر التاريخ، فلم تشهد مصر علي امتداد تاريخها أية حوادث انشقاقية ولا حركات انفصالية، كما أن نظامها السياسي والاجتماعي يقوم علي الوحدة والمركزية وليس علي الطائفة ولا المحاصصة، كما في دول أخري. ويلتقط طرف الحديث الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة قائلا إن هذه الجريمة تستدعي تكاتفا وطنيا شاملا من أجل حشد الجهود للوقوف صفا واحدا ضد الإرهاب، مضيفا أن معالجة الحادث تستوجب وضع حملات ثقافية وإعلامية واجتماعية تستهدف التأكيد علي مبدأ المواطنة، ومعالجة المشكلات التي تحدث بين مسلمين وأقباط في حدودها، دون تعميم ولا تجييش، ولكن في نفس الوقت بشفافية ووضوح، مع التوقف نهائيا عن أية مظاهر "كرنفالية" ضررها أكبر من نفعها مثل مشاهد عناق المشايخ والقساوسة التي لا داعي لها علي الإطلاق. من جانبها تقول الدكتورة عزة كريم - الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- أن حادث التفجير الذي وقع أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية عمل إرهابي آثم تهدف الأصابع الخفية المدبرة له لإشعال فتنة طائفية في البلاد، إلا أن وحدة الشعب المصري وتماسكه في الأزمة منذ لحظة الإعلان عن الجريمة أفسدت مخطط الإرهابيين. أما الدكتور أحمد عبدالله مدرس الطب النفسي بجامعة الزقازيق- فيقول أن أهداف الجريمة الخبيثة تؤكد أن هذه ورائها تنظيم دولي ضالع في الإرهاب والتطرف، ويستهدف شعب مصر بكل أطيافه، ويحاول الإضرار بمقدراته ولكن هذا لم ولن يحدث، وما وقع خلال الساعات القليلة الماضية من تكاتف ومشاركة في مسح آثار الحادث وإزالة العدوان، ونقل المصابين كل ذلك يعبر عن متانة النسيج القومي الوطني المصري وأنه يستعصي علي كل محاولات الزعزعة والتخريب.