اذا كان الوفاء مطلوبا من الانسان بصفة عامة فانه بالنسبة للمسنين والذين قضوا حياتهم في خدمة مجتمعهم اكد فيجب ان يكون المجتمع وفيا لهم فيقوم برعايتهم والعناية بمصالحهم وينهض برعاية ابنائهم من بعدهم خاصة اذا كان منهم مجاهدون قتلوا في ساحة الجهاد دفاعا عن البلاد وان يكون الوفاء لهم بعد استشهادهم بان يرعي المجتمع ابناءهم واهليهم وان يذكرهم ويشكرهم ويجعل منهم نماذج قدوة للاجيال بعد ذلك وفي الحديث الذي اخرجه الشيخان قال النبي صلي الله ليه وسلم الساعي علي الارملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وكالصائم النهار القائم الليل ويقصد بالارملة هنا ارملة المجاهد. المسنون ثروة قومية والسبب الثالث لرعاية المسنين انهم يمثلون ثروة قومية يستفاد بها ولا يصح تركهم وعدم الاستعانة بهم وقد احسنت جامعاتنا صنعا حين كانت في قانون الجامعات السابق لا تتخلي عن الاستاذ الجامعي حتي بعد بلوغه سن التقاعد بل يظل استاذا متفرغا يستفاد منه مدي الحياة ولكن مما يؤسف له ان هذا القانون عدل بقانون جديد بحيث اصبح يستغني عن عضو هيئة التدريس بعد ذلك!! وهذا امر يندي له الجبين ويضيع علي الاجيال خبرة هؤلاء العلماء والخبراء الذين افنوا اعمارهم في خدمة الاجيال والذين جمعوا العلوم والمعارف وخلاصة العمر وتجارب الحياة وان تركهم وعدم الاستفادة منهم من اخطر ما يكون علي مستقبل المجتمع لانهم يمثلون المرجعية في العلم والخبرة واستفادة الشباب من علمهم وخبرتهم توفر عليهم الكثير من الزمن الذي قد لا يصل اليه الشاب الا بشق الانفس. ولذا فاني أقترح علي الدولة ان تراجع القوانين التي تحول دون استفادة الشباب من تجارب وخبرات الشيوخ والتي تقف حائلا دون تواصل الاجيال ان الامة التي تريد بناء اجيال حاضرة علي اسس قويمة هي الامة التي ترعي كبار السن وأهل الخبرة والتجارب فلا تفرط فيهم بحال من الاحوال مهما كلفها ذلك حتي يظل التواصل والتكامل بين الاجيال مستمرا وحتي يجد جيل الحاضر وشباب الحاضر مرجعية صادقة لها خبرتها ممثلة في هؤلاء المسنين. ان قيام القادر منهم علي العمل امر هام وان غير القادر منهم علي العمل يستفاد بخبرته كموجه ومستشار حتي يستفاد منهم في الحاضر والمستقبل وحتي لا يفقد المجتمع جيلا يمثل الرواد للحاضر والمستقبل. دعوة السنة إلي رعاية المسنين عن أنس - رضي الله عنه - قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما أكرم شاب شيخا لسنه الا قيض الله له من يكرمه عند سنه. وصح عن النبي - صلي الله عليه وسلم - انه قال: ان من اجلال الله اكرام ذي الشيبة المسلم. ان الاسلام يدعو الي توقير الكبير ورعاية حق المسنين اولئك الذين قضوا زهرة حياتهم في خدمة المجتمع وان اكرامهم ورعايتهم لمن الواجبات التي دعانا اليها رسول الله صلي الله عليه وسلم وبشر الرسول صلي الله عليه وسلم - بطول العمر - من يقوم باكرام المسنين وخدمتهم وانه يصل الي مثل عمرهم ويقيض الله له من يكرمه كما اكرم اولئك المسنين فيقدر الله تعالي له عمرا يبلغ به الي الشيخوخة ويقدر له من يكرمه قال العلماء: فيه دليل علي طول العمر لمن اكرم المشيخة. واولي المسنين بالرعاية بالنسبة للانسان والداه ثم اقاربه وارحامه وجيرانه واصدقاؤه ثم سائر اخوانه المسلمين الذين يراهم في حاجة الي الرعاية والاكرام. واذا كانت هناك دور للمسنين قد ظهرت لرعاية هؤلاء الكبار فان مثل هذه الدور مع ما تؤديه من رعاية لحقوق اولئك المسنين فانها لا تعفي الابناء والارحام من القيام بواجبهم تجاه آبائهم وامهاتهم بل ان الابناء يجب ان يقوموا بالبر بالوالدين فقد وصي الله تعالي بهما بعد الوصية بعبادة الله تعالي وحده فقال سبحانه وتعالي: وقضي ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. ويجب علي الابناء ان يبذلوا ما استطاعوا من البر فلا تغني دور المسنين عن رعاية البنين وعاطفة الحنان التي يجب ان تبقي بين الابناء وآبائهم وكذلك من الشباب والصغار وبين الطاعنين في السن من سائر الناس في المجتمع لان الاسلام هو دين الرحمة. واولي الناس بالرحمة هم اولئك الكبار الذين ادوا رسالة في الحياة وقدموا عطاء لجيلهم وليست رعاية المسنين تقتصر علي توفير الطعام والشراب والكساء والمسكن وسائر ما يحتاجونه من الامور المادية فحسب بل ان رعايتهم نفسيا من اهم ما ينبغي ان ننبه اليه فان كثيرا من المسنين كانوا في مقتبل حياتهم وفي وقت عملهم يلتف الناس حولهم خاصة من كان صاحب منصب مرموق او عمل هام او وظيفة كبيرة او عامة فتراه وقت خدمته يحيط الناس به ويتفقدون احواله ويزورنه ويسألون عنه وعندما تنتهي خدمته ويحال الي المعاش لا تري احدا من الاصدقاء الذين كانوا لا يتركونه يوما واحدا وتري الناس قد انفضوا من حوله وذلك لان الكثيرين لا يعنيهم الا مصالحهم ولم يعد في يده شيء فينصرفوا عنه وليس هذا من الوفاء الذي امر الاسلام به ولا من المروءة التي يجب ان يتحلي بها الانسان بل الادهي من ذلك انه قد يحتاج بعد خروجه من عمله الي بعض الرعاية او قضاء مصلحة فلا يري احدا حوله ان التنكر للمسنين الذين كانت لهم بصماتهم وكان لهم دورهم في الحياة امر خطر لانه يقضي علي رابطة من أهم الروابط الانسانية ولذا كانت الدعوة الي رعاية المسنين والوفاء لهم امرا واجبا يستحق من يقوم به في شبابه ان يكافئه الله تعالي بمثل عمله فيقيض له من يكرمه عند كبر سنه والجزاء من جنس العمل.