تلك هي دولة الفساد التي ضربت الاقتصاد والثقافة، وأسست عصرا من الجهل والتخلف، والتي تزامن ظهورها مع بروز الدور السياسي للنائب ابو العز الحريري بدأت رحلة نضال ابو العز الحريري عام 1966، وتزامن دخوله البرلمان عام 1976، مع بدايات دولة الفساد التي دشنها السادات، وكرسها وعمقها مبارك.. كان أول ركن في دولة الفساد هو اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها السادات مع العدو الصهيوني منفرداً ولم تحقق لمصر إلا العزلة الإقليمية، وتبديد نصر اكتوبر الذي تحقق بتلاحم عربي غير مسبوق، وسيادة منقوصة علي سيناء لا نزال ندفع ثمنها الفادح حتي هذه اللحظة، ثم التبعية التامة المُذلة للولايات المتحدة..وفضلاً عن ذلك بدأ السادات الانفتاح الاقتصادي في أبشع صورة واكثرها توحشاً، وهو ما تحول في عهد الفساد الأعظم الذي شهده حُكم خليفته، الي عملية منظمة لتخريب مصر ونهب ثرواتها..ثم كانت خطيئة السادات العظمي، وهي إعادة الإخوان الي الحياة السياسية، وإطلاق مارد الجماعات الإسلامية التي مولها ورعاها لضرب تيار اليسار الوطني داخل الجامعة وخارجها..ولكن المارد خرج عن طوع سيده وأجهز عليه في حادث المنصة!!..وليت الخطر توقف عند هذا الحد، بل نجح الإخوان والجماعات التي خرجت من عباءتهم، في عقد صفقة غير معلنة مع نظام مبارك تقضي بأن يباركوا كل سياسات النظام، ومنها التوريث، مقابل أن يترك لهم حرية الحركة و»الدعوة» في المجال العام، هم وجمعياتهم «الشرعية» و»الخيرية» التي تلقت دعماً مالياً بلا حدود من دول النفط و»إخوان المهجر»..كانت علاقة الطرفين تقوم علي ما يسميه اشقاؤنا في السودان مَذهب « دعه يرعي بقيده ولا يذهب بعيداً»..أي الحرية المحكومة التي يعطيها الفلاح لبهيمته لتتحرك في المكان ولا تتجاوز حدود قيدها!!.. غير أن أخطر ما ترتب علي معاهدة السلام هو تسليم إدارة المنطقة والإرادة المصرية للولايات المتحدة إذ أعلن السادات أن « 99% من أوراق اللعبة بيد امريكا»؟!!..وبدأت فترة احتلال غير مباشر عبر «المعونة الامريكية» التي لم تجلب لمصر سوي الخراب المستعجل والتبعية لأنها استُخدِمت في خلق طبقة من رجال الأعمال الطفيليين الذين تغذوا علي أموال المنح الامريكية وانتشروا في مفاصل الدولة ومراكز صنع القرار وشاركوا في تصفية القطاع العام ورشوة المسئولين المصريين المعنيين بهذا الشأن !!..كما أكد الحكم التاريخي الذي أصدره مجلس الدولة في قضية عمر أفندي، إذ قال نصاً إن « عمليات الخصخصة..دارت بإشراف ورقابة وتمويل جهات اجنبية ووفقا لتعليماتها وتوجيهاتها»!!.. تلك هي دولة الفساد التي ضربت الاقتصاد والثقافة، وأسست عصرا من الجهل والتخلف، والتي تزامن ظهورها مع بروز الدور السياسي للنائب ابو العز الحريري..وتجسد صدامه معها في التصدي لفساد اسرة السادات، ورفض كامب ديفيد مع 14 آخرين من النواب الوطنيين، فضلاً عن مطالبته بمحاكمة السادات بتهمة الخيانة العظمي، فكان الرد حل البرلمان!!..ولم تتوقف معارك ابو العز في عصر مبارك، بل ازدادت شراسة لأن رأس الدولة تحول لرئيس عصابة ولأن الفساد تفشي كالوباء، والأدهي أنه صار «مقنناً»..إذ تم فتح «مغارة علي بابا» المعروفة باسم الصناديق الخاصة ليغرف منها كبار المسئولين واللواءات وغيرهم من لصوص المال العام بلا حساب، حتي أن مسئولاً واحداً حصل من هذه «المغارة» علي 33 مليون جنيه بشهادة المستشار هشام جنينة رئيس المركزي للمحاسبات!!.. دافع ابو العز عن مال الشعب، وفضح محاولات تدمير صناعة الحديد والصلب واستيلاء احمد عز علي حديد الدخيلة وبيع شركة المراجل البخارية، كما كشف تواطؤ بعض قوي اليسار مع الحزب الوطني المنحل..إنها صفحات ناصعة من النضال ضد الفساد يحتاج تسجيلها الي كتب ومجلدات حتي يظل ابو العز الحريري رمزا حياً للوطنية الخالصة ونموذجاً مُلهما لكل الاجيال..