زمان، قبل لعنة 11 سبتمبر، كان السفر للخارج صنفرة للذهن. متعة حقيقية وقضت عليها عواقب الارهاب وتوابع اجراءات الامن في المطارات والتفتيش كلما تأملنا الحياة أدركنا أكثر فأكثر حكمة التدبير الالهي للكون، توالي الليل والنهار، تناوب الفصول الأربعة، في الربيع عرس الطبيعة، تنتعش وتنتشي وتكتسي، تزهو وتزدهر، تخيلوا لو ان الدنيا كلها ربيع، وتعودناه، فما بقي سحر، ولخفت الجمال وشحب وافتقدناه لفرط دوام رؤياه... التغيير مجرد التغيير في الاجواء والملبس وانتقالة صيف الي شتاء، يؤدي مفعوله ويشع ببهجة تفتح شهية التغيير.. نحن البشر ملولين نألف شيئا، نتعوده فينطفيء الشوق اليه، يفقد البريق ولا يعود يضوي.. ولا يخنق روحي مثل الرتم الرتيب، هذا عندي أقرب لجمود و... تخيلوا الحياة بلا مواسم ولا اعياد ذات شعائر، تجدد لنا أجواء الرتابة.. تصوروا لو عشنا شتاء دائما، أو حتي ربيعا علي طول، وربي لنزهد فيه.. ولذا ألبي واحتفي بكل ما يقطع التواصل بلا فواصل، فأبادر بقطع الاسترسال.. سفرة سريعة، أعاود بشوق بعدها، والحنين لاجواء بيتي، وطقوسي اليومية وحميم أشيائي... أعاود مقبلة علي ما سبق وكدت أزهد فيه، وكأني عائدة من رحلة ترميم لروحي مع صيانة وتجديد... زمان، فيما قبل لعنة 11 سبتمبر، كان السفر للخارج صنفرة للذهن، متعة حقيقية وقضت عليها عواقب الارهاب وتوابع اجراءات الامن في المطارات، لزوم المراجعة والتفتيش، خصوصا لمن كان موطنه الشرق الاوسط مثلنا.. والسفر من بعدما كان متعة أصبح معاناة ونقمة وللعلم فان أحدث الاجراءات الامنية في السفر الي أمريكا سمعت بها بالامس من أصدقاء منهم من يحمل الجنسية الامريكية الي جانب المصرية، فلما طلبوا حجزمقاعد الطائرات طلبت شركة الطيران صور جوازات السفر لارسالها الي واشنطون، لزوم اعادة النظر من قبلهم من حيث السماح أم لا سماح بالحجز.. المراجعة من واشنطون استجدت وصارت ضرورية الآن بغض النظر عن الفيزا المفتوحة لعدة سنوات، فما عاد الحصول علي الفيزا ضمانا للدخول... لكل هذا ولغيره، خطفت رجلي الي الاسكندرية، بضعة أيام في رحاب المكتبة تفي بجلوة لنفس تصدأ من سوء أجواء القاهرة والأكسدة من جوها المترب وناسها، وذلك المرور الذي أصبح حاله بلا حل، يكتب من يكتب عن حلول ويقترح علي الحكومة ولا من مجيب والعبء علي من سيأتي بعدها، ولا أظن المشكلة تحتمل انتظار لما بعدها، والتي ستأتي بعد من بعدها، بل سيأتي يوم يستعصي فيه الانتقال تماما ويتعذر، ونتحول لعبرة بين الامم. في اجواء المكتبة تنسمت في الاسكندرية هواء نقيا ووجدت نفوسا صافية مثل سمائهم من بعد هطول الامطار وغسل النفوس قبل المباني.. في الصباح وجدت نشاطا عفيا يشغي في المكتبة.. مؤتمران متوازيان في ذات الوقت ويداران بهمة، ارسي د. سراج الدين كفاءات في كل مكان.. احد المؤتمرين ضم شبابا عرب جاءت به مؤسسة الفكر العربي ليبحث ظاهرة العنف، والأخر مؤتمر دولي بمشاركة شخصيات من دول شتي.. منظمة امريكية غير حكومية واختارت ان تعقد مؤتمرها هنا في المكتبة هذا العام.. الموضوع عن الابتكارات التي يغذيها العلم والتكنولوجيا وتغير من وجه الحياة امام الشعوب. جوائز حسن فتحي للعمارة الحدث الثالث في المكتبة كان بهيجا بحق ويفيض بالمعاني الجميلة.. عرفان، قدوة، تكريم تشجيع، تهاني علي المشاع، زفرة معنوية تخرج من الصدر صخب القاهرة بخلافاتها وخناقاتها وصراعاتها السياسية والتراشق بالاتهامات بين الجميع، ها هنا مكان يقترب من خصائص واحة بين هجير صحراء... عبر تلك (البياتزا) الساحة أشبه بالميدان يتوسط البنايات الثلاث رأيت مشهدا بديعا لم املك سوي الوقوف لتأمله.. طابورطويل لأطفال ما بين الثالثة والرابعة يسيرون صفا (اثنين - اثنين) كما عرايس اللعب، بهجة تشرح القلب، جاءوا يزورون المكتبة، لا تملك سوي ان تبتسم بكل معاني الحنان، بالنظر والابتسامة ومجاراة للغة الاطفال... في موقع آخر د. فاروق الباز هذا العالم الجليل متحدثا في احدي القاعات الي طلبة في الاعدادي.. ثم معارض فنون متجددة دوما، ومتاحف دائمة، ألم اقل لكم هنا اجواء تجلو النفوس وتزيل الغبار الجواني من نفوس صدأت من فرط تلوث اجواء القاهرة البشرية.... وجوائز حسن فتحي؟ وها هي احتفالية تضاف لتكتمل بها الأجواء النقية: احتفالية جوائز لمبدعين ولمشروعات معمارية و... من حيث الوجهة الشخصية، فان العمارة عندي فن يستهويني في كل مدينة ودوله عرفتها، أميل لرشاقة الخطوط العتيقة والايقاع المحسوس عندي أيشبه قصيدة شعر مرئي، تستسيغها وترددها بالنظر اليها، وقع نغم صامت بين الجوانح أو رنين موسيقي بصرية تطرب لها العين.. صدق د. ثروت عكاشة: فالعين تسمع بل وتطرب والاذن تبصر وتري أيضا.. وجوائز تخصص للعمارة هذه، من أفضال مكتبة الاسكندرية والمهندس اسماعيل سراج الدين شخصيا، فلم يكن للعمارة نصيب من جوائز وتكريم خاص بها قبل هذه الجائزة المستحدثة (في عامها الثاني).. وبنظرة الي الحضور تكشف حالا مدي احتفاء الشباب بمثل هذه اللفتات، لها وقع الاستجابة سريعا لديهم.. جاءوا يحدوهم الفضول وكلهم آذانا يستمعون لاسماعيل سراج الدين الذي تولي تقديم شخصية حسن فتحي وفلسفته لكل هذا الشباب المتشوق للمعرفة، وقد امتلأت بهم مقاعد القاعة الكبري للمكتبة.. قدم اليهم مفهوم حسن فتحي للاصالة التي ارتبط بها ولم يحد عنها طوال حياته، ومع ذلك لم يكن رافضا للانفتاح علي التحديث فكريا، انما المنهل والأعمال بل سكنه وحياته كلها كانت من نبع التراث والبيئة المحيطة، أما اهتمامه الاول فكان مركزا علي عمارة لائقة لمحدودي الدخل والفقراء... ولكم نحن بحاجة للقدوة في كل مجال.. كم الشباب بحاجة ان يقتدوا بنجوم علي الأرض حولهم ويستحقوا التكريم ويحصلوا علي جوائز ويصفق لهم ويعجب بهم ويحاول ان يكون مثلهم وهنا العبرة الحقيقية و.. حتي لا تقتصر النجومية في بلادنا علي نجوم السينما وكرة القدم...وفي معني القدوة سمعت قولا حسنا هذا الأسبوع لمن خاطب الشباب قائلا: لا تقل لي قدوتك رسول الله محمد ( صلي الله عليه وسلم) أو تقل لي قدوتك المسيح عيسي عليه السلام، انهما الرسل والانبياء لا يتكرروا، ويستعصي التشبه بهم، ومعني القدوة محاولة أن نكون مثله اذن لابد وتختار قدوتك من مجالك وكان يوما مثلك.. لجنة التحكيم التي يرأسها د. م. اسماعيل سراج الدين تضم 13 شخصية من اعلام الهندسة المعمارية في مصر، منهم ممثلون لمكتبة الاسكندرية، ولجنة العمارة بالمجلس الاعلي للثقافة، ومنظمة أغا خان، ونخبة من أساتذة الجامعات المصرية، وجمعية المعماريين، ونقابة المهندسين.. هؤلاء غير مقرر الجائزة م. خالد عصفور والمنسق أ.د.محمد عوض مدير مركز دراسات الاسكندرية وحضارة البحر الابيض. الجوائز خصصت لفروع ثلاثة (1) التميز بانجازات رفيعة في المسيرة المهنية.. (2) لمشروعات اسكان محدودي الدخل.. (3) لمشروعات ترميم التراث مع الحفاظ علي الأصالة التاريخية وهذا علم يدرس وله أصول وقواعد، ويحتاج لموهبة فوق الدراسة من حيث الرهافة البالغة في الحس التاريخي للأثر.. من هم الفائزون؟ تقدم سبعة شخصيات لجائزة المسيرة المتميزة فاز منهم ثلاثة (د. علي رأفت) لفكره المعماري واسهاماته العلمية (د. زكية شافعي) اول مهندسة معمارية وعضو الاتحاد الدولي للمعماريين ولتصميماتها مبان للرعاية الصحية (م. صلاح حجاب ) لمقالاته التي أسهمت في زيادة الوعي المعماري لدي الجمهور.. ومكتبة الاسكندرية من جانبها قدمت جائزة خاصة الي (د. م. يحيي الزيني) لدعمه الشخصي للعمارة والفنون.. مشروعات الاسكان منخفض التكاليف لذوي الحد الادني وأصحاب الدخول المتوسطة في المجتمعات العمرانية الجديدة، قررت لجنة التحكيم أن تحجب الجائزة الاولي، وقدمت جوائز تقديرية لأربع مشروعات محددة مشروع »حدائق زايد« لابتكاريتها في المفهوم المعماري (م. رائف فهمي) مشروع قرية الصيادين بالماكس (مؤسسة جدران للفنون والعمارة) شهدنا صورا لتجمل البيئة السكانية هناك بزركشات جمالية غير مكلفة.. مشروع قري الظهير الصحراوي بمحافظة سوهاج (م. محمد حمزة) من خلال الصور شهدنا الاناقة في البساطة الآسرة للنظر - مشروع - هرم سيتي- باعتباره نموذج جهد رائع من القطاع الخاص في مشروعات للاسكان الاقتصادي منخفض التكاليف (شركة اوراسكو للاسكان التعاوني) للمهندسين حمزة ورامي الدهان. مجلة مجاز المتخصصة في مجالات التصميم الفني المختلفة حصلت علي جائزة الاصدارات الدورية. جوائز التراث المعماري، نالها كل من (د. م. صالح لمعي) عن مشروع " ترميم وكالة بازرعة " شهدنا صورا لما قبل الترميم وبعده وكيف احتفظت المحافظة بروح الأثر.. وفاز (د. علاء الحبشي) عن مشروع ترميم بيت الرزاز بتدخله المرهف الذي اقتصر علي أقل القليل ليحافظ علي اصالة المبني التاريخي.. كما حصل كل من (م. عماد فريد وم. رامز عزمي) علي جائزة مشتركة لرؤيتهما في كيفية اعادة استخدام الانقاض الأثرية في مشروع آثار " شالي " بواحة سيوة وكيفية توظيف الانقاض مع الابقاء علي حالتها التاريخية، وهذه رؤية لصاحب أو مالك هذا المشروع الفندقي الفريد من نوعه ( د. منيرنعمة الله )، ليضاف الي سائر فنادقه السيوية التي حرص أن تكون علي الفطرة فنال عنها جوائز عالمية وصارت هدف سياحة لا تنقطع طوال العام.. أتيح لي ان اعرف د. منير نعمة الله منذ أعوام من خلال رحلة الي سيوة مع الوزيرة فايزة أبو النجا التي لا يختلف حول قدراتها وخلقها الرفيع أحد ممن يعرفها عن قرب.. د. منير هذا غير انه أعاد اكتشاف سيوة كواحة سياحة عالمية، هو أيضا بمثابة الأب الروحي لما يعرف " بالبيئة "في مصر عندما كان معني هذه الكلمة غير مأهول ولا معروف...