د. أحمد درة هناك أسباب كثيرة تدعوني أن أناديكم للوطن، فالمحنة التي نعيشها أشد وطأة وأعظم خطرا من جدل عقيم أخذنا لأعوام ثلاثة من التدمير والتتبير وقتل النفس التي حرم الله، وما جنينا إلا خرابا يبابا، ذلك ما أدركناه معا، فليس الوضع القائم من صنع مؤامرة حاكها الجيش وأجهزته، إنما هو الضعف والوهن الذي أصاب المجتمع وأركان تحصينه المعنوية والمادية، وانهيار التعليم والثقافة والصحة وسائر الخدمات التي تبني الفرد وتهيئه ليكون برا بوطنه نافعا له، هذا واقع وتفسيره واضح لا يخفي علي أي عقل رشيد، ولذلك لم يكن هناك مفر من أن يتدخل الجيش. فإياكم أن تغفلوا الحقيقة المؤلمة، الجوعي بالملايين، والمرضي بالملايين، والمشردون يملأون الأرض وقد تحولوا إلي أدوات تخريب تمشي في الطرقات دون سيطرة أو قدرة من الدولة علي إعادة تأهيلهم لحياة كريمة، والصفحات سود بالفساد والرشوة والمحسوبية، وتراجع القيم النبيلة في كل مؤسسات الدولة بغير استثناء، وما كان ليحدث كل هذا فجأة بدون مقدمات، والنتيجة أن الشعب الذي ثار وحاول أن ينفض عن نفسه الموبقات ويغتسل من عار القيادة الفاسدة المغيبة تم سرقته وهو لم يأخذ نفسا من أنفاس الحرية بعد، سلبوه وهو في لحظات النشوة الأولي للنصر كما فعلوها معه وأوقفوه بعد تحطيم بارليف وأكذوبة إسرائيل فكانت ثغرة الدفرسوار ثم تلاها ما جري. فمن يلوم الذين يخرجون اليوم إلي غد جديد، ربما يكون خيرا من كل هؤلاء النزقة المتكالبين المتهافتين، حتي إذا بلغوا ما أرادوا أعملوا شرهم ومكرهم في البلاد والعباد، ولعلي هنا أذكر كل من وعد فأخلف وعده بأن هذا الشعب لن يبقي علي حال إذا مالت به ومال بها الحاكم، اليوم أري الناس تطلب رجلا بعينه فلا بأس في هذا الظرف العصيب، إنما عليه من الآن وعد قطعه علي نفسه والكلمة ستبقي للشعب من بعد اليوم. الحكومة تتعجل حديثي محدد، مؤمنا بضرورة الاصلاح الاقتصادي، وإعادة ترتيب الأولويات، ولكن الأوضاع المعيشية والثقافة السائدة، في المجتمع المصري لن تحتمل أية اجراءات صادمة وجارحة في هذه الآونة، وإني أناشد الرئيس القادم بعد عدة أيام أن يتأني ولا يتسرع في أية قرارات من شأنها تعميق معاناة الشارع المصري وانفلات الأسعار والذي لم تستطع أية حكومة أن تسيطر عليه منذ يناير 2011، ولعلي أنصح أن يمنح الرئيس نفسه ستة أشهر علي الأقل في تؤدة وروية حتي لا نخسر جميعا الفرصة العظيمة في الاستقرار وبناء المؤسسات الضرورية الأمنية والتشريعية، وتحقيق مطالب الشعب الحقيقية، فالعجلة دائما من الشيطان.