مسلمون كثيرون لديهم فكرة سيئة عن هولندا، خاصة بعد أن ارتفعت أصوات بين الحين والحين في هولندا تطرفت في معاداتها للتطرف الديني بين المسلمين المهاجرين والمقيمين في البلاد جيلا بعد آخر، أحد السياسيين اليمينيين الهولنديين »جيرت فيلدرز« بني »مجده« السياسي والإعلامي علي مواقفه المعارضة للتطرف الإسلامي، والتحذير من كثرة المسلمين في بلاده، والمطالبة بوقف هجرة العمالة الإسلامية، وحرمان المقيمين الحاليين من الحصول علي الجنسية الهولندية. وإذا كانت هناك جماعات مسيحية تعادي الإسلام والمسلمين، فلدينا هنا جماعات إسلامية تعادي المسيحيين واليهود وتعتبرهم كفارا تجب مقاطعتهم تماما، كما أن هناك، في منطقتنا وخارجها، جماعات يهودية تمقت المسيحيين والمسلمين، وتضعهم في مكانة متدنية عن اليهود الذين يجب التعامل معهم باعتبارهم »شعب الله المختار«، لذلك نري ونسمع منهم من لا يعترفون لا برسول السلام والمحبة، سيدنا عيسي عليه السلام، ولا بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام الذي بعث من أجل الأمة الإسلامية: خير أمة أخرجت للناس. التعميم هنا لا يجوز. فكل تلك الجماعات متعددة الديانات قد تكون كثيرة العدد، لكنها ليست بالقطع المتحدثة باسم الغالبية الكاسحة من الشعوب الإسلامية والمسيحية واليهودية، حقيقة ان »جماعات الإرهاب« التي نكبت أمة محمد بها في هذه الأيام، أرهبت شعوبا وحكومات كثرا في قارات الدنيا الخمس، لكن الحذر من تلك الجماعات، ورصد وجودها، وإجهاض هجماتها قبل القيام بها أصبح الشغل الشاغل للأجهزة الأمنية في كل الدول. إن كراهية الشعوب للإرهاب والإرهابيين متعددي الديانات والأجناس الذين ينسفون ويقتلون أكبر عدد من المواطنين الأبرياء بلا سبب ولا معني ولا هدف، هي في تصوري كراهية مقصورة علي السفاحين وسافكي الدماء، بصرف النظر عن دياناتهم: السماوية كانت أم الأرضية، وبالتالي لا يصح أن نعادي شعبا بأكمله، وديانة بذاتها، لأن قلة من هنا أو هناك تتطرف في ردود أفعالها، وتظهر نفورها من جنس وديانة الإرهابيين الذين جاءوا من بلادهم لتدمير بلاد الآخرين. اليميني المتعصب، المتطرف: »جيرت فيلدرز« يرأس حزبا سياسيا ناشئا في هولندا لكن المواقف الكريهة التي وقفها ودعا إليها أكسبته أصوات من كانوا علي شاكلة: تعصبه الأعمي، وتطرفه اللاإنساني. وهذه الأصوات التي تزداد مع تزايد الهجمات الإرهابية المحسوبة علي الإسلام والمسلمين هي نفسها التي أوصلت حزب »جيرت فيلدرز« إلي الحصول علي مقاعد برلمانية لا يستحقها رغم ضآلتها. زيادة شعبية حزب فيلدرز في هولندا، لا تعني أن الشعب كله مع عنصريته وتعصبه.. لكنها تعني، كما أعتقد، انها تعبر عن قطاع من الشعب يؤمن بأن »اليمين« هو الحافظ الأمين علي خصوصية الشعب، والأكثر قدرة علي حماية قوميته وقيمه وثقافته وحضارته، من جهة، ويتصدي من جهة أخري، لتهديدات واعتداءات الأعداء بصرف النظر عن دياناتهم أو جنسياتهم. فاليمين المتطرف المسيحي، أو الإسلامي، أو اليهودي هو وحده كما يقول أحد دعاته الذي يتطرف في الحفاظ علي أمن، وقيم، وخصوصية شعبه. ولست بالطبع مع هذه المبالغة في قدرات اليمين المتطرف. ولفت نظري أن لا أغلبية الشعب الهولندي، ولا حكومته، ولا الأسرة المالكة.. تطيق أو حتي تتعاطف مع المتعصب المتطرف: »جيرت فيلدرز الذي كان يتباهي حتي وقت قريب بكراهيته للوجود الإسلامي في بلاده، وتحميل المقيمين المسلمين مسئولية كل المصائب والكوارث والأزمات التي منيت وتمني هولندا بها.. بالأمس، واليوم، وغداً. وحسنا فعل الهولنديون.. عندما سحبوا »جيرت فيلدرز« إلي ساحة القضاء، لمحاكمته أمام قضاة امستردام علي ما نسب إليه من اتهامات منها: »التحريض علي الكراهية العرقية، والتمييز ضد المسلمين والمطالبة بحظر بناء المساجد«. وفي أولي جلسات المحاكمة 4 أكتوبر الماضي لم يجد المتهم »النائب البرلماني، واليميني المتعصب« ما يدافع به عن كراهيته للآخرين سوي إضاعة الوقت، والتشكيك في حياد المحكمة، وتقدم محاميه بطلب رد قضاتها (..). لست مهتما بمتابعة أخبار هذا الذي أعماه تعصبه.. وإنما الذي يستحق الاهتمام أن مدينة روتردام شهدت يوم الجمعة الماضي احتفالا كبيرا بمناسبة افتتاح أكبر مسجد في أوروبا الغربية، ويضم مئذنتين بطول 05 متراً، ويستقبل 3 آلاف شخص يترددون لأداء الصلاة، وزيارة المكتبة الضخمة، ومركزا يقدم دورات تقوية للتلاميذ. حضر الاحتفال مسئولو ثاني أهم مدينة في هولندا، من بينهم: »أحمد أبوطالب« العربي، المسلم الذي يشغل حاليا منصب رئيس بلدية غرب روتردام وأبدي الجميع »ترحيبهم بالمسجد علي أمل أن يتحول هذا الصرح مركزاً للخير والرحمة والفهم المتبادل ومزاراً متاحاً للجميع«. وبالطبع لم يفوَّت المتعصب الأعمي هذه الفرصة دون انتهازها لمهاجمة هذا الحدث صارخا بكل الغل داخل قلبه: »غير معقول ما حدث! هذا الشيء الشائن ليس مكانه هنا، بل هناك في السعودية!«.