إن أهم ما أفصحت عنه أحداث ثورتي 25 يناير 2011 ويونيو 2013 إرساء مبدأ للتعامل بشفافية مع ما يتعارض من ممارسات تنتهك حقوق الوطن والمواطنين. هذا المبدأ تبنته ثورتا 25 يناير و30 يونيو ومحوره أن لا احد فوق المساءلة. انه يعني في فلسفته تعظيم استقلالية القضاء مع الثقة الكاملة في قراراته وأحكامه لخدمة العدالة. هذا التوجه الثوري الحضاري تم تفعيله بكل الترحيب والتقدير في تقديم الرئيس الاسبق محمد حسني مبارك إلي المحاسبة القضائية فيما وجه إليه من اتهامات ليفصل قضاؤنا الشامخ في مدي صحتها او عدم صحتها.نفس الشيء حدث ايضا مع الرئيس الاخواني محمد مرسي الذي اعتلي حكم مصر في ظروف غاية في الغموض والريبة أعطت إحساسا بانه كان وراءها عمليات خداع وتضليل وتزوير وتواطؤ وانكار لما هو في صالح هذا الوطن. لم يكن امام ثورة 30 يونيو سوي تقديم هذا المرسي إلي القضاء لمحاكمته علي الاتهامات التي وجهت إليه وكلها تدور حول سعيه وعشيرته إلي تهديد الامن القومي ونشر الارهاب وعمليات القتل والتخريب والتخابر مع جهات أجنبية. لا جدال أن هاتين القضيتين تعكسان دخول مصر مرحلة إعلاء مبدأ ان لا احد فوق المساءلة باعتباره ركيزة لحماية الصالح الوطني فعليا. أن استقلالية وشفافية الاداء القضائي لخدمة العدالة هو الضمانة لعدم الانحراف بمبدأ ان لاأحد فوق المساءلة. ولان المباديء لا تتجزأ فيما يتعلق بكل ما يمس مصالح هذا الوطن.. فقد كان من الطبيعي إعمال هذا المبدأ داخل الاسرة القضائية بما يتفق مع فلسفة مبدأ الاستقلالية واحترام قوانين الاجراءات القضائية. في هذا الإطار فقد كنت أتوقع أن يصدر بيان لإجلاء الحقيقة حول قرار إعفاء المستشار عادل ادريس قاضي التحقيق في قضية الاتهامات المثارة قضائيا حول تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2012 لصالح مرشح جماعة الإرهاب الاخواني ضد منافسه الفريق أحمد شفيق. هذا البيان كان ضروريا لصالح تعزيز استقلالية القضاء خاصة ان قانون الاجراءات الجنائية يحظر اعفاء اي قاضي تحقيق بعد صدور قرار تكليفه بأي مهمة قضائية.في هذا الشأن كان طبيعيا أن يثير الانتباه هذا البيان الذي أصدره المستشار عادل ادريس والذي أعلن فيه انتهاء التحقيقات .أنه ورغم قرار إعفائه يعكف علي دراسة ما تم التوصل إليه وصولا إلي النتائج التي سيتم اعلانها.لا جدال ان ما جاء في هذا البيان هو لصالح مبدأ استقلالية القضاء واثراء لمبدأ ان لا أحد فوق المساءلة الذي يجب أن يكون شعارا معمولا به باعتباره ميزانا للعدالة.. وتاكيدا بان مصر قد تغيرت فعلا. إن احترام هذين المبدأين يجب ان يشمل الجميع ولا يستثني احدا وهو الامر الذي يعد الاساس الذي تقوم عليه دولة القانون التي نتطلع جميعا ان تكون واقعا في مصر.