مجموعة التشريعات التي تنوي الحكومة استصدارها في الدورة البرلمانية الجديدة ،ليس من بينها حتي الآن للأسف الشديد تشريعان هامان تثبت الأحداث المتوالية والظروف التي نمر بها مدي الحاجة لهما. التشريع الاول هو الخاص بدور العبادة. وهناك مشروع قانون جاهز أعده المجلس القومي لحقوق الإنسان في دورته السابقة يضع قواعد موحدة لبناء دور العبادة ، وتمت مناقشة مشروع القانون مع المسئولين، ووضع بعد ذلك أمام كل الجهات المختصة التنفيذية والتشريعية ثم .. »لاحس و لا خبر« إلا عندما تداهمنا الأحداث »وآخرها ما حدث في العمرانية« فيتذكر البعض مشروع القانون ، ويتحدث آخرون عن ضرورة إصداره ، ثم تخلو أجندة التشريعات التي تتمتع بالأولوية عند الحكومة من القانون.. كالعادة !! ولست من الذين يتصورون ان مثل هذه القانون »لو صدر« سيحل كل المشاكل المتعلقه بوحدتنا الوطنية ، ولا أنه سيقضي في يوم وليلة علي كل بؤر التطرف الطائفي التي تم زرعها علي مدي سنوات لتسميم كل جوانب حياتنا بهذه الثقافة البعيدة عن روح مصر و عن حقيقة الأديان السماوية كرسالات للمحبة والاخاء. فالقضية أكبر بلا شك من بناء جامع أو كنيسة والمواجهة الأهم تبدأ مع أطفال يتلقون في الكثير من المدارس مبادئ الكراهية وشباب يتعرضون لحصار فكر متخلف وثقافة تخاصم العقل و العلم والمستقبل، وفراغ سياسي تغيب فيه الأحزاب و يضعف دورها و دور المؤسسات المدنية .. فيذهب الناس بقضاياهم للمؤسسات الدينية بكل ما يمثله ذلك من أخطار جسيمة علي كيان الدولة المدنية التي لابد ان تستوعب أبناءها جميعاً علي قدم المساواة . القضية اكبر من بناء جامع او كنيسة، ومع ذلك فإن صدور القانون المقترح هو خطوة أساسية لتغيير المناخ الطائفي الذي يتنامي، ولسد الطريق أمام دعاة الفتنة في الداخل والخارج ، وإعلان من الدولة بأن ما قرره الدستور من حقوق المواطنة هو الأساس الذي يحكم المجتمع ، وبأنه لا تهاون مع أي طرف يحاول المساس بالوحدة الوطنية ولا تسامح مع أي تصرف يزرع الفتنة الطائفية او يستغل الدين في تحقيق أهداف صغيرة علي حساب الوطن الذي قدم علي مر الزمن أعظم دروس الوحدة الوطنية والتعايش بين الأديان . أقول ذلك وأنا من المؤمنين بأن صدور مثل هذه القانون لا ينبغي ان يؤدي الي تسابق لإنشاء دور العبادة . فما لدينا منها قد يكون كافياً إلا في أحوال قليلة سوف تكون خاضعة لقواعد القانون دون تفرقة. أما الجهد الأساسي الأقرب إلي الله والأنفع للوطن فينبغي أن يتوجه إلي توفير التعليم الجيد لكل أبنائنا باعتباره المفتاح الأساسي لمستقبل الوطن وكذلك توفير الرعاية الصحية المعقولة والحد الأدني من التغذية لأطفالنا لكي يستطيعوا مواصلة حياتهم المدرسية التي يهرب منها الكثيرون الآن بفعل الفقر ليتحولوا في النهاية إلي عالة علي المجتمع بدلاً من أن يكونواجزءاً من ثروته البشرية . هذا هو الأقرب الي الله والأنفع للوطن من دخول المباريات في بناء دور العبادة و التباهي بزينتها وفخامتها كما هو اقرب الي الله وانفع للوطن من مليارات تنفق في الحج للمرة العاشرة او العمرة للمرة العشرين . .. وقانون للمساواة مشروع القانون الثاني الذي مازلت أتمني أن يجد مكانه في »أجندة« الدولة التشريعية هو الخاص بالمساواة و عدم التمييز بين المواطنين . وهو قانون نحتاجه ربما أكثر من قانون دور العبادة ومن الكثير من القوانين المدرجة علي برنامج الحكومة في هذا الشأن .. فلم يعد ممكناً السكوت علي التمييز ضد المرأة في العديد من الوظائف العامة و منها القضاء في دولة احتلت فيه المرأة كرسي الوزارة قبل خمسين سنة !! ولم يعد ممكناً أن نشاهد صوراً من التمييز علي أساس الدين أو الأصول العائلية أو الثراء تتحدي مبدأ المواطنة وتهدد أسس المجتمع التي عاش عليها طويلاً. ولم يعد ممكناً السكوت علي ظاهرة حجز الوظائف للأبناء والأقارب حتي لو لم يكونوا الأكثر كفاءة ، والأمثلة كثيرة ومعروفة وتفقأ عيون من يهمه الأمر ، دون أن يتحرك أحد لمحاصرة هذه الظاهرة التي أصبحت تمثل تهديداً حقيقياً للمجتمع كله .. ليس فقط بإتاحة الفرصة لغير الإكفاء لتولي المناصب القيادية في كافة المجالات، ولكن بإشاعة مناخ من عدم احترام العلم وعدم تقدير التفوق عند شبابنا وبإهدار قيمة التعليم كعامل أساسي ظل لعقود طويلة يحكم عملية الصعود الاجتماعي ويتيح للفقراء أن يتنقلوا - بتفوقهم وعلمهم فقط - الي المكانة التي يستحقونها في المجتمع . فإذا بنا الآن امام ظاهرة يصبح فيها إسم العائلة أحيانا أهم من المؤهلات العلمية!! و تفتح فيها أبواب التعيين في الكثير من الهيئات والمؤسسات المحترمة لأبناء العاملين حتي ولو كان هناك من هم أكثر كفاءة منهم !! و يخالف الكثيرون الدستور بوضع العراقيل أمام توظيف المرأة ، ويتصور فيها البعض أن الله سيرضي عنهم لو خالفوا ضميرهم وقاموا - دون وجه حق- بتعيين أبناء دينهم أو أقاربهم أو جيرانهم أو من يرتبطون معهم بمصالح شخصية!! إنني من جيل لم يعرف شيئاً من ذلك ..كان التعليم هو العامل الأساسي »وربما الوحيد« لكي تجد مكانك في المجتمع ، وكان التفوق لا يمكن تجاوزه ، فإذا حدث .. فالمحاسبة لن تتأخر والحق لن يضيع. ولذلك يفزعني ما اسمع وأري من صور التمييز التي تزداد يوماً بعد يوم ويزعجني أكثر أن يتواءم البعض مع ما يحدث ويتصور أنها أوضاع طبيعية و يجد لها المبررات الدينية أو الأخلاقية أو الاجتماعية غير مدركين انهم يلعبون بالنار حين يزرعون مشاعر الإحباط والإحساس بالظلم عند شباب يرون أن أبناء الأكابر يسرقون فرصتهم وان التفوق لا يجدي شيئاً أمام الواسطة أو المحسوبية أو غيرها من الأمراض التي تحتاج لهذا القانون الذي لا ينبغي تأخيره ليؤكد أن التمييز بين أبناء الوطن الواحد جريمة تخضع للعقاب وأن الكل سواء أمام القانون وان العلم والكفاءة والعمل الجاد والإخلاص لهذا الوطن هي وحدها التي تحدد مكانك تحت سماء مصر التي ستظل وطناً لأبنائها جميعاً .. يبنونه معاً ويحمونه معاً ويصنعون مستقبله بالعدل والحرية والعلم و.. المساواة الحقيقة. آخر كلام تعد الحكومة الآن قانون حق الانتفاع ليكون الصيغة الأساسية للتعامل في أراضي الدولة. المنطقي أن يتوقف بيع أراضي الدولة حتي يصدر القانون لكن »مافيا الأراضي« تضغط للاستحواذ علي أقصي ما تستطيع من الأراضي قبل ذلك ، فهل تتحرك الدولة .. نرجو ذلك !! مهمة أساسية أمام المجلس الأعلي لإدارة أراضي الدولة الذي سيكون المسئول الوحيد عن هذه الأرضي .. أن يراجع كل التصرفات التي تمت بالمخالفة للقانون و كل الصفقات التي حصل فيها الممنوعون بحكم الدستور من التعامل التجاري علي الجزء الأكبر من أراضي الدولة التي تم التصرف فيها ، وبتراب الفلوس .. القاعدة تقول إن ما بني علي باطل يظل علي الدوام باطلاً !! اعترفت البرازيل والأرجنتين بالدولة الفلسطينية علي حدود 67 ننتظر اعترافاً مماثلاً من »فتح« و»حماس« ينهي الانقسام الذي يحول هذه الدولة إلي سلطتين وهميتين تمنحان الشرعية للاحتلال الإسرائيلي!!