بينما يتشاجر المسئولون في مجلس ادارة اتحاد كرة القدم المصري علنا مع رؤساء الاندية من ناحية ومع اتحاد الاذاعة والتليفزيون واصحاب القنوات الخاصة من ناحية اخري حول سعر حقوق البث الخاصة للدوري الممتاز واسلوب توزيعها.. وينتهي الامر دائما بسعر لايزيد ابدا عن 60 مليون جنيه في المجموع.. اي ما يقترب من عشرة ملايين دولار او ستة ملايين جنيه استرليني. وهو الامر الذي يقل كثيرا عن اسعار التسويق والبث في دول اقل كثيرا في التعداد من مصر واحدث كثيرا في ممارسة اللعبة وتنظيم مسابقاتها.. ويقل ايضا عدد الممارسين والاندية والملاعب والجماهير والمتابعين عنهم في مصر.. ويقل حجم السوق الرياضي والكروي والتليفزيوني والاعلاني عنه في مصر.. ويؤدي فقر الارقام المخصصة لبث المباريات الي اعاقة اي حركة او فكر للتقدم بالكرة المصرية الساقطة منذ الازل في بئر المصالح والفوضي والجهل والعشوائية. ورغم هذه السلبيات التي اوقفت نمو الفراعنة علي صعيد المونديال علي مدار عشرين عاما.. الا ان مصر تبقي بطلة لافريقيا لاكبر عدد من المرات وهي حاملة اللقب القاري في الدورات الثلاثة الماضية.. وانديتها تجوب افريقيا شمالا وجنوبا شرقا وغربا بنجاحاتها.. والاهلي والزمالك هما الاكثر فوزا بالالقاب في المسابقات القارية والاسماعيلي والمقاولون العرب نجحا في اعتلاء العرش القاري غير مرة. ورغم العجز المالي الواضح الا ان مصر لاتزال أقوي جدا من نظيرتها الهند الدولة الاغني بفارق شاسع والاعلي اقتصاديا والافضل في النمو تجاريا وعلميا وتكنولوجيا والاكبر في المساحة والاغزر في عدد السكان. ولو التقي منتخبا مصر والهند غدا في اي مكان في العالم حتي ولو في العاصمة الهندية دلهي او في مدينتي بومباي وكلكتا الهنديتين سيكون الفوز حليفا للمصريين بكل تاكيد.. ولكن هذا الامر المضمون اليوم وربما دا لن يكون ابدا مضمونا بعد غد. الاسبوع الماضي شهد اول نهضة من نوعها في كرة القدم الهندية. وهي من اضعف الدول علي الاطلاق في مجال كرة القدم العالمية والاسيوية رغم التعداد المهول لسكان الهند ويزيد عن مليار ومائتي مليون نسمة.. وتحتل الهند حاليا المركز 142 في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) من بين 203 دول.. ولم يسبق للهند الفوز بأي لقب سواء كان كبيرا او صغيرا في عالم الكرة العالمية او الاسيوية. وانديتها تودع دائما المسابقات القارية والاقليمية من ادوارها الاولي.. ولا تجتذب الاندية الهندية اي لاعبين اجانب من اصحاب المستوي الجيد بسبب نقص الميزانيات ورغم التاريخ الطويل لانحسار شعبية اللعبة بالمقارنة لرياضة الكريكيت التي تحتل الصدارة وبفارق شاسع قبل كرة القدم.. والارقام عام 1980 كانت تشير الي انه من بين كل مائة طفل من ممارسي الرياضة في الهند يوجد 97 طفلا يمارس الكريكيت مقابل 15 طفلا فقط من هواة كرة القدم وممارسيها.. ولكن نهائيات كاس العالم الاخيرة لكرة القدم في جنوب افريقيا حققت شعبية ضخمة للعبة في الهند وارتفع عدد الممارسين بين الاطفال الي 55 بالمائة.. وانتشرت ممارسة اللعبة بين الشباب والاطفال في الشوارع والحدائق العامة في معظم مدن البلاد.. وارتفع عدد اللاعبين المقيدين حاليا في اتحاد كرة القدم الهندي الي ثلاثة ونصف مليون لاعب.. ولكن هذا العدد الضخم من اللاعبين المقيدين لايمثل الا اقل من ثلاثة من الالف من تعداد السكان. الملياردير موكيش امباني اغني رجل في الهند بدا ثورة حقيقية للنهوض بكرة القدم في بلاده.. وموكيش هو رئيس صاحب ورئيس مجلس ادارة شركة رليانس اندستريز وهي الاكبر علي الاطلاق في الهند في رأس المال وحجم الاعمال.. وتعمل في مجالات البترول والغاز وصناعة التسلية والتجارة والاتصالات. موكيش اتفق مجددا مع مؤسسة اي ام جي العالمية المتخصصة في تسويق ورعاية الاحداث والاندية الرياضية وتنمية وتطوير صناعة التسلية في العالم.. ويمتلكها الملياردير الاميركي تيد فورستمان ووقعا مع اتحاد كرة القدم الهندي عقدا لمدة 15 عاما للحصول علي كل الحقوق الاقتصادية للاتحاد ومنتخباته ومبارياته ومسابقاته وحفلاته.. والعقد سار ايضا علي الحقوق الاعلامية والاعلانية والتوزيعية والبث والدعاية والرعاية ومنح الرخص فتح الاسواق الجديدة وتأجير حقوق الملكية.. والعقد الجديد هو الاعلي علي الاطلاق في تاريخ الرياضة الهندية وبين اعلي حقوق الرعاية لكرة القدم في العالم.. وقيمته 140 مليون جنيه استرليني (ما يقترب من مليار واربعمائة مليون جنيه مصري).. وهو رقم يزيد بكل تاكيد علي مجموع كل النفقات التي حدثت في كرة القدم المحلية منذ عرفها المصريون في مطلع القرن الماضي. وسبق للطرفين موكيش مع رليانس وفورستمان مع اي ام جي ان وقعا عقدا في مارس الماضي للتعاون للنهوض بالرياضة من اجل مليار ومائتي مليون نسمة في ثاني اكبر الدول تعدادا بعد الصين.. وكانت البداية في يونيو الماضي مع عقد هو الاطول في تاريخ الرياضة العالمية ويمتد ثلاثين عاما.. ولكنه يقل كثيرا في القيمة مع اتحاد كرة السلة الهندي للنهوض باللعبة. الخطوة الاولي للمشروع العملاق الجديد في كرة القدم الهندية هي اقامة اول مسابقة لدوري المحترفين الحقيقي في ثاني اكبر دول العالم تعدادا.. ويؤكد فورستمان ان عدد مشاهدي كأس العالم الاخيرة في الهند وصل الي 110 ملايين نسمة (اقل من عشرة بالمائة من السكان) وهو الامر الذي يشير لوجود سوق عملاق لتسويق العبة ومسابقاتها في البلاد.. ومنح العقد المشترك لرليانس واي ام جي حقوقا حصرية كثيرة علي صعيدي الهواة والمحترفين منها اعادة تكوين وهيكلة والاشراف والتطوير ونشر اللعبة تسويقها والاعلان عنها. ولايجوز لمجلس ادارة اتحاد اللعبة التدخل او الاعتراض علي الخطط الجديدة التي تدخلها الشركتان من اجل تحقيق المكاسب والنجاح. (وكم اتمني لو قرأ المسئولون في المجلس القومي للرياضة والاتحاد المصري لكرة القدم السطور الاخيرة اكثر من مرة وحفظوا معانيها وعملوا بها.) والامل كبير ان يثمر نشر الموضوع (الذي تقرأه الان) في اي تحرك ايجابي من اي جهة في مصر (سواء كانت رياضية او حكومية) للاتصال بالملياردير الاميركي تيد فورستمان للحضور الي مصر وفتح اي مشروع له في ارض الكنانة التي يتنفس نصف سكانها كرة القدم ليل نهار. وفورستمان الذي يضخ الان ما يزيد علي نصف مليار دولار من امواله في الرياضة الهندية.. وعقده المنفرد مع الاتحاد الهندي للكريكيت لتاسيس هيئة خاصة لتنظيم دوري المحترفين قبل ثلاث سنوات حقق نجاحا اسطوريا علي الصعيد الاقتصادي.. وصلت قيمة تلك الهيئة حاليا (والتي يمتلك فورستمان نسبة من اسهمها في سوق المال الي اربعة مليارات دولار).. ووقع فورستمان الشهر الماضي عقدا مع الملياردير البرازيلي ايكي باتيستا لرعاية ونشر وتطوير صناعة التسلية في الرياضة البرازيلية.. وتحتل شركته اي ام جي الان موقع الصدارة عالميا بين كل الشركات العاملة في مجال التسويق والرعاية الرياضية. الاندماج هو اول طرق النجاح في الاقتصاد والرياضة.. وهو من اهم عناصر العمل الجماعي.. ولايقلل ابدا من مكانة وقدر مصر وحضارتها وريادتها استقطاب العمالقة من الاجانب لضخ اموالهم في بلدنا ومنحهم الحقوق التي تكفل لهم النجاح والارباح.. ولكنها تمنحنا اولا انتشار الرياضة وازدهارها والقابها عالميا.