أمي.. اشتاقت نفسي ا ن أناديكي وان أتلمس أناملك وهي تملأني بالحب والدفء اشتقت لكلامنا معا. وضحكاتنا ودموعنا وقت الحزن والفرح كنتي تتركين باب شقتنا مفتوحا طوال النهار والساعات الاولي من الليل للجيران والاقارب دون خوف أو مجرد حتي التفكير بالاحساس بعدم الامان. اتذكر عندما سافرت وأخبرتك بأني عائد في نفس اليوم إن شاء الله وعندما تأخر الليل وتجاوز منتصفه لم تغادري باب الشقة وانتظرتي مع بعض الجيران يساوركم بعض القلق لغيابي محاولين ان تطمئنوا بعضكم بعضا بأنه ربما الطريق به بعض المشاكل أو الاصلاحات أو وسائل النقل انتظرت بعض الوقت حتي يكتمل العدد مما أدي إلي التأخير اتذكر لحظة ان وطئت قدمي مدخل العمارة وانا أفتح بابها بان سمعت من يناديني من أعلي «أحمد وصلت» فإذ بي اخطف سلالم الادوار كلها في لحظة لا ادري كيف حملتني اقدامي بهذه السرعة لاطمئنك وكأنني طائر ولست بشرا أمي.. المعاني تتدفق عليّ واشعر بالحنين اكثر واكثر للقائك فكم اشتقت إلي احساس حبك وخوفك ومرحك وحزنك معي وعليّ كنت منذ الصغر وحتي في بداية عملي نجلس معا نحاكي عما اقابله وأمر به من أحداث وأشخاص وأصدقاء.. سواء في المدرسة أو الجامعة أو العمل.. مازلت اذكر لك كلمتك المأثورة عندما تقاضيت في بداية عملي مرتبا صغيرا يسمي حدود الدنيا وكنت أعمل لساعات طويلة تمتد إلي الفجر.. «اقعد يا ابني المقابل أقل بكثير جدا مما تعطيه من وقتك وصحتك».. ورغم ذلك كنتي تدعو لي بأن يفتح الله لي أبواب الرزق وأنا أعيش الآن في كنف دعواتك ودعوات أبي رحمكما الله أمي.. لا أعرف ماذا أخبرك عما دار في الزمان والمكان بعد رحيلك فعندما قلقت عليّ لغيابي بعض الوقت لم يساورك احساس عدم الامان أما الآن يا أمي فجميع الامهات يقلقن علي أولادهن سواء عند الذهاب إلي المدارس أو الجامعات أو العمل أو السير في الطريق لتلبية احتياجاتهم الضرورية.. سطور الوطن أصبحت حزينة..لقد أصبحت القنابل البدائية والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة والطلقات الملثمة تنتشر في كل مكان في الشارع أمام المدارس والجامعات والمنازل وفي الاحياء والميادين.. لا ندري من أين تأتي الطلقة الغادرة التي تودي بحياة الابرياء الانفجارات غزت حياتنا ولم تترك مكانا يمكن ان نطلق عليه كلمة أمان وأصبح من المستحيل أن نتوقع مكانا أو زمانا نتحاشي فيه الوقوع في براثن الارهاب. الاولاد يشتكون.. يبكون من عدم التنزه لفترات طويلة ولكن كيف بعد ان اصبح يوم الجمعة... يوما حزينا للدماء التي تسيل علي الارض سواء ضحايا أو مصابين من جراء تبادل لإطلاق النار بين بعض المتظاهرين والاهالي وقوات الأمن أو ترك قنابل في شوارع شتي وكأنها لعبة الثعبان الذي يلدغ دون أن تراه أو تتوقع قدومه أمي.. أحمد الله أنك غادرت دنيانا قبل هذا المشهد الحزين الذي تبكي فيه يوميا كل أم علي فقدان ابنها.. مشهد تودع فيه كل أم ابنها عند مغادرته البيت فهي لا تعرف إن كان سيعود أم ستطوله يد الارهاب الغاشمة. الدموع تنهمر من الامهات والاباء بغزارة والصبر يحتاج إلي صبر سيدنا أيوب - عليه السلام - والناس يملأ قلوبهم الحزن سواء من أصابهم مكروه غدرا أو من ينتظر قدره المحتوم كنت اتمني ان اطمئنك علي أمنا مصر في رسالتي وان أحتفل بعيدك كما كنا بالأمس وكأنك تشاركين لحظته رغم غيابك ولكن أعلم انك كنت ستبكين علي ما أصاب مصر وأهلها وستتركين الفرح وستنطق شفتاك بكلمة واحدة.. لماذا ضاع الحب الذي وهبنا الله اياه ولم نضن به علي أولادنا حتي صاروا اعداء يخربون بيوتهم ومستقبلهم بأيديهم؟