القاريء لتاريخ مصر والمتتبع لمسيرتها الوطنية عبر الزمن، والمدقق في كل الحروب التي خاضتها بطول تاريخها الحديث والمعاصر، ومن قبلهما القديم، يجد ان الشعب كان دائما جزءا رئيسيا في هذه الحروب، بل كان في الحقيقة والواقع هو الجزء الرئيسي والسند الأساسي في هذه الحروب جميعا. ففي الحروب التي خضناها مع التتار والصليبيين، وغيرهم وصولا إلي الحملة الفرنسية، وما بعدها،..، بل وقبل ذلك بكثير خلال الحروب مع الهكسوس، ومواجهة وصد غارات وهجمات الرعاة، التي استهدفت بلاد الفراعنة، كان الشعب هو الدرع والسيف والترس والمقلاع والحربة بجوار جيشه العظيم وجنوده المحاربين. وفي العدوان الثلاثي عام 1956، كان الشعب صاحب النصيب الأوفر في التصدي لقوات الإحتلال، وبعدها وطول سنوات معارك الإستنزاف التي اعقبت نكسة 1967، وصولا إلي معركة العبور والنصر في اكتوبر 1973، كان الشعب في حالة توحد وإنصهار كامل مع قواته المسلحة الرابضة علي خط القناة، وحتي العبور لسيناء وقهر العدوان وتحرير الأرض. وخلال هذه الحروب، وطوال تلك السنوات، كان الشعب يعيش المعركة ويدرك حقيقة الواقع الإقتصادي والسياسي والإجتماعي في بلده، ويعمل بكل طاقته في كل مواقع العمل والانتاج، لتقديم اقصي دعم ومساندة لجيشه، ويبذل غاية الجهد والتضحية من اجل النصر. كان هذا هو واقع الحال خلال كل الحروب التي خاضتها مصر علي طول تاريخها الممتد عبر الزمن، منذ بدء الحضارة وقيام الدولة المصرية علي ضفاف النيل، وكان الشعب دائما بجوار جيشه يدا بيد وقدما بقدم، دفاعه عن حريته واستقلال ارادته وحماية ارضه وكيان دولته وحدود وطنه،...، ولكن. وسأتوقف مليا امام لكن هذه، لأقول بوضوح لا يحتمل اللبس، بأننا نخوض الآن حربا شرسة، لاتقل خطورة علي امن وسلامة الوطن عن جميع الحروب التي خاضتها مصر من قبل، خلال تاريخها القديم والحديث والمعاصر، نظرا لما تحمله في طياتها من دمار شامل لجميع اسس واعمدة الدولة المصرية ومؤسساتها، وما تهدف اليه من تفكيك جسيم لكل ثوابت المجتمع وقيمه ومبادئه التي تمسك بها وترسخت في وجدانه عبر الزمن. ولكن رغم خطورة هذه الحروب التي نخوضها في مواجهة الارهاب الاسود، وبالرغم مما تمثله من تهديد جسيم لحاضر ومستقبل الوطن والشعب، إلا اننا كمجتمع وكدولة لا نفكر ولانعمل بما يتطلبه ذلك الأمر من الجدية الواجبة، والمسئولية اللازمة. وللحديث بقية»