ولد » ليو شيا بو« عام 1955، وأمضي فترة من سنوات شبابه عاملاً في الأرض الزراعية، ثم في المصانع، ضمن مشروع شامل متكامل أطلقه »ماو« عام 1968، يقضي بإرسال الشباب المتعلم إلي الأرض والمصنع ليتعرفوا علي أهميتهما لبلدهم وحتي لا ينفصلوا عن طبقة الفلاحين والعمال التي تمثل القوة الضاربة والحقيقية في الصين الشيوعية. في عام 1984 أنهي »ليو شيا بو« دراسته الجامعية في بكين، وعين مدرساً في إحدي المدارس، وبعد أربع سنوات حصل »ليو« علي درجة الدكتوراة في الآداب. في عام 1988 أدلي »د. ليو شيا بو« بحديث نشر في صحيفة تصدر في »هونج كونج« كشف فيه لأول مرة عن آرائه، وأفكاره، التي صدمت آنذاك كل من قرأها من الصينيين: أفراداً عاديين وكوادر مسئولين. عن سؤال: »كيف في رأيك يمكن للصين أن تحدث تغييرات تاريخية لحاضرها ومستقبلها؟«، أجاب »ليو شيا بو« قائلاً بلا تردد: »الصين تحتاج من يستعمرها لمدة 300عام، وهي المدة التي استعمرت فيها:جزيرة هونج كونج، ولولا ذلك لما تقدمت، ولا وصلت إلي ما هي عليه الآن!«. ومن بين آرائه الصادمة الأخري، نادي »ليو شيا بو« المرة بعد الأخري بضرورة استقلال »التبت« و »تايوان« عن الهيمنة الصينية! كما رأي أنه من الأفضل لدولة مثل الصين: الهائلة في مساحتها، والمتخمة بسكانها حوالي 1.5 مليار نسمة، متعددي الأجناس والألوان والثقافات والحضارات أن تتجزأ إلي 18جزءاً، وكل جزء يصبح دولة مستقلة لشعب متجانس في الجذور واللون والجنس والعادات والتقاليد! بهذه الآراء الصادمة، وغيرها الكثير، أصبح »ليو شيا بو« أبرز، وأكثر الشخصيات الأدبية الصينية المعاصرة في عيون الغرب. وازدادت شهرته عندما انتقل إلي الولاياتالمتحدة، يُدرس في إحدي جامعاتها، فأصبح أكثر تطرفاً في انتقاداته لمعظم ما يجري في الصين من كبت الحريات الشخصية والإبداعية، وحظر الرأي الآخر، وافتقاد حقوق الإنسان.. وهو ما هلل له المجتمع المدني الغربي من خلال هيئاته ومنظماته ولجانه. ومع تعاظم انتشار »ليو شيا بو«، في الغرب.. توهم أنه أصبح عصياً علي السلطات الصينية إذا ما فكر في العودة إلي بكين ولن تجرؤ علي ملاحقته، ومصادرته، وقطع لسانه، وقصف قلمه. وفي عام1989انتهز »ليو« فرصة أزمة سياسية خيمت وقتها علي العاصمة »بكين«.. وسارع بالعودة إلي الصين ليكون الصوت الأعلي للمعارضة والمحرض عليها، من جهة، ولجذب عيون وآذان الرأي العام العالمي، من جهة أخري، لمتابعة ما يجري في الصين من صراعات، وملاحقات، وقرارات.. عرفت فيما بعد ب »أزمة 4 يونيو«. وخابت ظنون »ليو شيا بو« في قدراته، وقدرات المجتمع المدني الغربي الذي يدعمه ويؤازره. فسرعان ما تم القبض عليه، واقتياده إلي السجن إنتظاراً لمحاكمته علي ما نٌسب إليه من اتهامات. وفي ساحة القضاء.. دافع المتهم عن نفسه، و لم يخف شيئاً مما قاله، وفعله.. وهو ما أعتبرته هيئة المحكمة »اعترافات صريحة بذنوبه ومخططاته«، وأصدرت حكمها بسجنه24شهراً، خرج بعدها في عام1991 كما دخل.. مستأنفاً مسيرته السابقة كمعارض، ومنشق، ووداعٍ للديمقراطية المحرومة بلاده منها. عمل »ليو« كاتباً في ( Minzhu Zhongguo) وهي مجلة صينية تؤكد السلطات الصينية أنها ممولة من أمريكا، من خلال مشروعها لنشر الديمقراطية، وتحت الإشراف المباشر من جهاز المخابرات الأمريكية: (CIA). ليس هذا فقط بل أضافت السلطات الصينية حصولها علي أدلة تؤكد تلقي »ليو شيا بو« أموالاً من أمريكا وبعض دول أوروبية مقابل مقالات التشهير ببلاده، التي يكتبها وينشرها في تلك الدول، إلي جانب الأحاديث واللقاءات التي تجريها معه أجهزة الإعلام الغربية، ويواصل هجومه علي الصين والتشهير بنجاحاتها. ولم تسكت السلطات الصينية علي ما يفعله »ليو«. فقامت بملاحقته مرة ثانية، في عام 1995، ومرة ثالثة في عام1999، حيث تم إيداعه في أحد مراكز إعادة التأهيل، واسترجاع الوعي المفقود. وأمضي »ليو« مدد اعتقاله ليخرج مصمماً علي الاستمرار، والتحدي. فأصدر ما يعرف بميثاق(08) ندد فيه ب »ديكتاتورية الديمقراطية الشعبية الصينية«، والنظام الاجتماعي الفاشل والمحصن بالدستور، وهو ما ضاعف من كراهية النظام لهذا »المشاغب« الذي لم ينفع معه السجن الخفيف، ولا برامج إعادة التأهيل.. فقدم للمحاكمة وحكم عليه ديسمبر2008 بالسجن لمدة 11 عاماً، أمضي منها عامين حتي اليوم. كانت هذه قصة »ليو شيا بو« كما صورتها السلطات الصينية لكن المجتمع المدني الغربي يقدم صورة أخري لمناضل، معارض، شجاع.. تحمل ويتحمل الكثير من الغبن والاضطهاد في سبيل إصراره علي ممارسة حريته في إبداء الرأي، والدعوة إلي الديمقراطية في بلاده. الصورة الأولي قادت »ليو« إلي السجن. أما الصورة الثانية فقد رشحته للحصول علي جائزة نوبل للسلام، التي لم تسمح له »ظروفه« بتسلمها شخصياً، في الاحتفال الكبير الذي عقد في »أوسلو« أمس الأول بحضور ملك النرويج وزوجته وممثلي العديد من الدول، وبمقاطعة العديد أيضاً من الدول الأخري واضطر رئيس لجنة نوبل »ثوربجورن ياجلاند« أن يضع شهادة وجائزة نوبل للسلام علي كرسي شاغر مخصص للفائز الغائب في أحد سجون بلاده.