بعرض عمودين، و بطول ربع صفحة، نشرت الزميلة صحيفة »الوفد« في صفحتها الأولي يوم 3 ديسمبر الماضي إعلانا ملوناً، يتضمن صورة بيضاوية الشكل للرئيس حسني مبارك، وكتب تحتها أغرب ما قرأته في صحافتنا المصرية منذ زمن طويل. السطور القليلة التي نشرت بالبنط العريض تقول: [ السيد الرئيس محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية أرجو مقابلة سيادتكم لإبلاغكم تفاصيل أسرار عليا، غاية في الأهمية وعاجلة جداً]. وبالطبع لم تنشر الصحيفة هذا الإعلان، مدفوع الثمن،إلاّ بعد تأكدها من صحة البيانات الشخصية لصاحبه، متضمنة اسمه طبقاً لرقمه القومي، وعنوان سكنه، ورقم تليفونه الأرضي، ورقم المحمول، وكانت كالآتي: [مهندس بترول/ أحمد عبدالحميد علي إدريس، 61ش محمد ميز/ الإمام الشافعي/ القاهرة. رقم قومي: 04250101537 ت: 25127284- م/ 0181730890]. غرابة هذا الإعلان هو قيام مواطن واضح من بياناته الشخصية: استقراره المهني، والمالي، والنفسي وبالتالي فهو لا يبحث عن وظيفة، ولا ينتظر مساعدة مالية، ولا يشكو من ضياع حقه لدي أي شخص أو أية جهة حكومية. فلو كان الهدف من نشر هذا الطلب التي دفع لنشره آلاف الجنيهات مجرد الحصول علي وظيفة أو منحة أو حق ضائع لكان اتبع نفس أسلوب آلاف المواطنين الآخرين في استرداد ما يرونها حقوقاً لهم. لا عيب ، و لا خطأ، علي الإطلاق في أن يلجأ مواطن أي مواطن إلي رئيس الجمهورية طلباً لمساعدته لإنهاء مشكلة رفض جهاز حكومي حلها، أو كان سبباً فيها، أو أرجأ نظرها إلي أجل غير مسمي. وكم سمعنا عن آلاف الرسائل التي يوجهها المواطنون إلي رئيس الجمهورية، وكلها تتجمع أمام إدارة متخصصة في ديوان رئيس الجمهورية يعكف العاملون فيها علي قراءتها، وتصنيفها، وإحالتها إلي الجهات المعنية للرد علي ما جاء فيها. ولا تكتفي تلك الإدارة الرئاسية بذلك، وإنما تقوم بإبلاغ أصحاب الشكاوي، خاصة التي ثبتت صحتها، بما انتهت إليه من توجيهات أو إجراءات. أحيانا لا يكتفي مواطنون بإرسال برقيات، و رسائل يناشدون فيها الرئيس مبارك مساعدتهم ومساندتهم والوقوف إلي جانبهم ضد الظالمين لهم والمتعنتين معهم. فمن رأيهم أن شكاويهم لن تحل، ولن تجاب، إلاّ بأمر شخصي من رئيس البلاد.. بعد أن يسمح الرئيس لكل واحد منهم بمقابلته والاستماع إلي أقوالهم لأن من يسمع ليس مثل من قرأ! ما يتلقاه رئيس الجمهورية من رسائل تلخص طلبات أصحابها، أو تتضمن رغبة البعض في تحديد مقابلات عاجلة جداً معه، يتكرر أيضاً ليس فقط مع الوزراء وكبار وصغار المسئولين المعنيين، وإنما تشكل شكاوي المواطنين الشخصية المكتوبة، والمسموعة جانباً مهماً في بريد الكتاب الصحفيين والإعلاميين ومنهم من طلب مقابلات عاجلة لعرض قضايا بالغة الأهمية. غرابة الرسالة المنشورة في الزميلة »الوفد« تعود، كما قلت، إلي نشرها علي تلك المساحة الكبيرة، وتحمل صاحبها آلاف الجنيهات أملاً في تحديد موعد لقاء مع الرئيس مبارك ل »إبلاغه تفاصيل أسرار عليا في غاية الأهمية وعاجلة جداً«! لدي العديد من التساؤلات حول مبررات ما أقدم عليه صاحب الإعلان المهندس أحمد عبدالحميد علي إدريس لا يعرف إجاباتها غير صاحبها. ومن بين تساؤلاتي.. علي سبيل المثال: إذا كان لدي المهندس إدريس هذه »الأسرار العليا« بالفعل، فلماذا لم يطلب لقاء أحد كبار المسئولين في أجهزتنا الأمنية المعنية المخابرات العامة، ومباحت أمن الدولة رغم سهولة تنفيذ ذلك وترحيب مسئولي أجهزة الدولة الأمنية المعنية بالاستماع إلي تلك الأسرار؟! إذا كانت الوثائق لدي المهندس إدريس تمثل جرائم عادية أو عظمي، فلماذا لم يلجأ إلي المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام الذي تنهال عليه بلاغات المواطنين ضد أي شخص وأية جهة ولا يترك بلاغاً منها إلاّ أمر بالتحقق من صحة ما جاء فيه؟! إذا كان ناشر الإعلان رافضاً عرض ما لديه علي أي مسئول في الدولة، ما عدا رئيس الجمهورية فقط، لأنه وحده صاحب الأمر والقرار في توجيهها إلي من يختاره من المسئولين، فلماذا لا يطلب مقابلة رئيس الديوان د. زكريا عزمي أو سكرتير الرئيس للمعلومات السفير سليمان عواد وكلاهما علي أعلي درجة في تحمل المسئولية، والتكتم علي الأسرار العليا، و نقلها مباشرة إلي الرئيس ؟! هل حاول المهندس أحمد إدريس طلب مقابلة هذه الجهات كلها، أو حتي جهة واحدة، و رفض طلبه، فاضطر إلي النشر العلني أملاً في أن يقرأ الرئيس ويوافق علي مقابلته؟! يبدو أن الإجابة عن هذه الأسئلة، وغيرها، من »الأسرار العليا« التي يتكتم عليها المهندس أحمد إدريس.. إنتظاراً لموعد مع الرئيس! إبراهيم سعده [email protected]