من الظلم البين ، تحميل الأمر أكثر مما يحتمل ، والربط التعسفي، بين الدور الذي تم الكشف عنه لسلطنة عمان، في استضافة لقاءات سرية بين مسئولين من إيرانوأمريكا. كانت اللبنة الأولي، التي أدت إلي توقيع الاتفاق بين طهران، ومجموعة الدول الست حول البرنامج النووي الإيراني، وبين التصريحات الواضحة والحاسمة لوزير الخارجية العماني، علي هامش مشاركته في منتدي المنامة الأسبوع الماضي، والتي كشف فيها رفض بلاده، للطرح الخاص بإعلان الوحدة بين دول الخليج الست، مما دفع البعض ظلما وعدوانا ، إلي اتهام السلطنة بالسعي، إلي تقويض مجلس التعاون الخليجي لصالح إيران ، ومثل هذه الادعاءات لا تستقيم مع الواقع ، وتتناقض مع الدور العماني في الدعم المتواصل لاستمراره ، كما كان للسلطان قابوس ، العديد من المبادرات الهامة والمؤثرة ،علي مسيرة المجلس، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر، دعوته إلي تشكيل قوة لحماية امن الخليج ، قوامها 100 ألف خليجي في إطار قوات درع الجزيرة ،كما كان للسلطنة طرحا متفردا، في العمل علي حل مشاكل الحدود بين دول الخليج ، واستضافت عددا من القمم في عام 1985 و 1989 و2001 وأخيرا في 2008 ، بل إن قمة 2001 الثانية والعشرين، كانت احد القمم الأهم ، حيث أقرت قواعد تطبيق الاتحاد الجمركي، وكذلك السوق الخليجية المشتركة ، وتوقيع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة ،بالإضافة إلي تشكيل مجلس الدفاع المشترك، والإستراتيجية الأمنية الموحدة لمكافحة الإرهاب. ودعونا نتفق ،علي أن الدعوة إلي اتحاد دول الخليج، ليست وليدة اللحظة ، فقد طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ،في قمة الرياض الخليجية منذ عامين، استشعارا منه بخطورة الأوضاع في المنطقة ، والتحديات والتهديدات التي تواجه الدول الست ،ومن يومها والفكرة في طور الدراسة وتم الاتفاق علي عقد قمة استثنائية للبحث فيها ،ولم تلتئم ، والتي عادت لتتصدر المشهد السياسي الخليجي، في لحظة "انكشاف استراتيجي" خطيرة ، وإحساس واضح وصريح بحجم التهديدات للمنطقة، بعد التوقيع علي الاتفاق بين إيران والدول الكبري. ورغم انه مؤقت ، ولكن الفترة الماضية شهدت محاولات من عواصم غربية، لإعادة تأهيل النظام الإيراني من جديد، والانفتاح عليه ، وتطبيع العلاقات معه ما أثار مخاوف حقيقة من دول الخليج . خاصة وان وزير الخارجية الإيراني علي جواد ظريف ، قام بجولة قادته إلي أربع من دول الخليج ، واستثني منها السعودية والبحرين والأخيرة لديها مشاكل مع طهران التي تتدخل في شئونها الداخلية، أما السعودية فقد قال ما معناه أن المملكة تتحفظ علي الزيارة ، ولم يكن الأمر صحيحا، والرياض حددت له موعدا للزيارة ، ومقابلة نظيره الأمير سعود الفيصل، ولكنها لم تتم ، وهو بذلك يقفز فوق المشاكل علي الأرض، والمتراكمة منذ الثورة الإيرانية، وتتنوع بين التدخل في الشئون الداخلية لبعض الدول، بالإضافة إلي استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة، بل كشفت الولاياتالمتحدة مؤخراً ،عن معلومات تتعلق بإعادة انتشار إيران، لسرب من الطائرات المقاتلة من طراز سوخوي 5، والتي تمثل العمود الفقري للقوات الجوية للحرس الثوري الإيراني. والخطير أن الوزير طرح من فترة قصيرة، فكرة نظام إقليمي جديد يضم دول الخليج الست، ومعها إيرانوالعراق. وهو مسعي للعودة من جديد إلي دور شرطي المنطقة ، والذي لعبته طهران في زمن الشاه ، ولكن هذه المرة بتراضي دول الخليج ،كما يتصور الوزير ويخطط ، خاصة وان إيران ،هي صاحبة الكلمة الأولي والأخيرة في العراق ، كما ستتمكن من الاستفراد بدول الخليج .مع استبعاد أمريكا ذات النفوذ القوي في المنطقة . ولعل هذه الظروف، هي التي دفعت وزير الدولة للشئون الخارجية السعودي، إلي إعادة طرح الفكرة والموضوع، من علي منبر منتدي المنامة، مشيرا إلي أن هناك ضرورة ملحة، تفرضها المتغيرات الأمنية والسياسية والإستراتيجية، للانتقال بمجلس التعاون الخليجي إلي مرحلة الاتحاد. وقال إن الأمر لم يعد طرفا بل ضرورة ملحة. وكانت المفاجأة هو طلب يوسف بن علوي، وزير الدولة للشئون الخارجية العماني المداخلة ، وكان بين حضور المنتدي، وأكد إن السلطنة ضد مشروع الاتحاد، مشيرا إلي أنها السلطنة لن تمنع الاتحاد الخليجي ، ولكن إذا تم فلن تكون جزءا منه ، وأكد علي نفس الموقف فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء، والذي ترأس وفد السلطنة إلي قمة الكويت، مشيرا إلي إن بلاده تجدد دعمها الكامل ، لإنجاح كافة الجهود الرامية ،إلي الارتقاء بالمسيرة الخليجية ،من خلال المنظومة القائمة للمجلس . ومن الطبيعي ، إن نؤكد إن الخلافات السياسية بين دول الخليج ،مسالة طبيعية ، رغم وحدة المكان، والتشابه في الأنظمة الحاكمة ، والظروف الاجتماعية والاقتصادية للدول الست، وقد ظهرت في العديد من المناسبات ، وفي كل مرة كان هناك تمايز بالنسبة لمواقف سلطنة عمان ، ومنها قضية الحرب العراقيةالإيرانية ، فقد أبقت السلطنة علي كل تواصلها مع طرفي النزاع ، كما كانت دائماً مع سياسة تهدئة المشاكل ، وعدم صب الزيت علي النار بين دول الجوار ، وهو ما استمر أثناء حرب الخليج الثانية، بعد الغزو العراقي للكويت ، وكانت السلطنة علي يقين، بضرورة التواصل مع إيران ، بحكم الجغرافيا والتزاما بالتاريخ، حتي في تلك الأوقات العصيبة ،التي مرت بها العلاقات الثنائية، بين إيران وأيا من دول مجلس التعاون الأخري. وبعد لقد أحسن قادة دول الخليج صنعا، عندما تم تأجيل البحث، في موضوع إقامة الاتحاد، نظرا لان القضية ، تحتاج إلي مزيد من البحث والدراسة ،علي المستوي الأقل، وذلك للإجابة عن العديد من الأسئلة ، والتي تتعلق بنوعية هذا الاتحاد، هل هو اندماج كامل؟ علي نمط الولاياتالمتحدة، أو الاتحاد السوفيتي سابقا، أم علي النمط الفيدرالي كما هو الحال في سويسرا . أم هو استنساخ للاتحاد الأوربي، مما يعني إن الدول تتحفظ بسيادتها ووزاراتها، علي أن يكون هناك أجهزة اتحادية، تمثل الرؤية المشتركة والموحدة للدول الأعضاء، دون أن يعني ذلك أن القمة الخليجية في الكويت، خرجت بدون إنجازات، فقد تم الاتفاق علي إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس وإنشاء جهاز شرطة لدول الخليج.ومسيرة الألف ميل تبدأ بخطوات !!