صياغة آلية للمشاركة في "الفاتورة السياسية" للاتفاق النووي الايراني .. أهم النتائج المرتقبة مشروع "الاتحاد" قابل للتأجيل .. واحتواء الخلاف السعودي القطري بسبب مصر مع تعهد الدوحة باثبات " حسن نوايا" نشأ مجلس التعاون لدول الخليج العربية ليبقى .. وليتصدى لكل الأمواج العاتية دون انفراط حبة واحدة من عقده .. وليبقى دائما درعا وسيفا أمام كل الأطماع والنزوات التي تستهدف هذه المنطقة الغنية بالثروات ، وخاصة تلك القادمة من دولة الجوار .. ايران الطامحة الجامحة التي لا تكل ولا تمل من محاولات فرض نفوذها وسطوتها على الخريطة الاقليمية لتعود للعب دور "شرطي المنطقة" الذي كانت تلعبه في السنوات الأخيرة من الحكم "الشاهنشاهي" قبل قيام الثورة الاسلامية. وفي كل دور انعقاد لقمة دول المجلس يكون الملف الايراني على رأس القضايا الأكثر سخونة ، سواء على جدول الأعمال أو خلال اللقاءات المغلقة التي تعقدعلى هامش الاجتماعات الرسمية ، خاصة في ظل وجود تباين في الآراء بين الدول الأعضاء بشأن كيفية التعامل مع ايران . غير أن هذا الملف الذي يتماس بشكل مباشر مع القضية الخليجية الأهم على الإطلاق - وهي الأمن الاقليمي - بات يكتسب موقعا بالغ السخونة على مائدة أعمال الدورة الرابعة والثلاثين لقمة المجلس الأعلى لقادة دول مجلس العاون لدول الخليج العربية التي تستضيفها دولة الكويت الشقيقة يومي الثلاثاء والأربعلء 10 و 11 ديسمبر الجاري .. وهي القمة التي تلتئم وسط تحديات غير مسبوقة ، وتتصد ى لموجات "التسونامي"العاتية القادمة من الشاطئ الآخر للخليج العربي ، حيث يقف الطاووس الايراني مختالا بنجاحه في فرض الأمر الواقع على الغرب ، والتوسل الى اتفاق معه بشأن البرنامج النووي ، وهو ما يعرف باتفاق (5+1) مع ايران الذي يعترف لطهران بحقها في تخصيب اليورانيوم ، مع إلزامها بتقليص وليس تفكيك برنامجها وتجميد وليس تدمير ما تمتلكه من أجهزة طرد مركزي قادرة على التخصيب بنسب تفوق قدرات انتاج الوقود النووي اللازم لتصنيع الأسلحة الذرية .. وبالطبع فإن هذا الاتفاق ستكون له "فاتورة سياسية" يمنحها الغرب لايران .. ولن تسمح دول الخليج العربية بسدادها من حسابها السياسي ، خاصة وأنها لم تكن طرفا في الاتفاق ، بل أنها فوجئت باعلانه بعد مفاوضات دبلوماسية بين طهرانوواشنطن لعدة أشهر ، ولم تكن تعلم بها. صحيح أن دول المنطقة أبدت ترحيبا حذرا بهذا الاتفاق ، إلا أنها لم تخف قلقها من أن الحلفاء في الغرب لم يطلعوها على مراحله ، رغم انه من شأنه التأثير بشكل باهز على أمن واستقرار هذه الدول. أما الملف الثاني الساخن على مائدة قمة الكويت الخليجية فهو مشروع الانتقال من مرحلة التعاون بين دول المجلس الى مرحلة"الاتحاد الخليجي" .. وهو المقترح الذي طرحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الراض عام 2011 ، وكان من المتوقع اعلان قيام هذا الاتحاد في قمة خاصة تعقد منتصف عام 2013 الذي اأوشك على الانتهاء ، الا أنه اصطدم بضخرة الرفض الصريح من جانب سلطنة عمان ، والذي وصل الةحد تهديد السلطنة بالانسحاب رسميا من عضوية المجلس .. وجاء ذلك على لسان وزير الشئون الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله يوم السبت الماضي ، الذى أعلن ان بالده تعارض مشروع اقامة الاتحاد الخليجي الذي ستناقشه قمة الكويت ، وان مسقط سوف تنسحب من مجلس التعاون في حال اقرار باقي الدول الخمس الأعضاء اقامة هذا الاتحاد. وبالطبع .. فإن هذا الموقف العماني - الذي لم يكن مفاجئا - ليس مستغربا أبدا عن السلطنة التي دأبت على اتباع سياسات مستقلة عن باقي الشركاء الخليجيين ، وتربطها علاقات جوار جيدة من ايران الشريك في مضيق "هرمز" الاستراتيجي ، كما لم يعد خافيا أن مسقط استشافت خلال الأشهر الأخيرة جزءا من المفاوضات بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوطهران التي انتهت بالتوصل الى الاتفاقحول تسوية ملف البرنامج النوووي الايراني ، وأخفت هذا الأمر عن أشقائها وشركائها في المجلس الخليجي! وعلى ذلك .. فإن قضية "اعلان الاتحاد الخليجي" ترتبط بشكل أساسي ومحوري بالملف الأهم والأعم .. وهو ملف الأمن والاصطفاف في مواجهة الخطر الايراني الذي عاد للتامي في المنطقة . كما يرتبط بهذا الملف الساخن أيضا ، الخلاف القائم بين الدولة القائدة في المجلس .. المملكة العربية السعودية .. ودولة قطر ، فيما يتعلق بموقف الدولتين من تطورات الأوضاع السياسية المصرية بعد ثورة 30 يونيو ، حيث تؤيد الممملكة الجيش والحكومة النتقالية في مصر وتتخذ كل من الكويتوالامارات العربية المتحدة موقفا مماثلا ، وتقدم الدول الشقيقة الثلاث دعما ماديا ومعنويا لا محدود من أجل استقرار "نظام 30 يونيو" في الحكم ، بينما تعارض قطر عزل الرئيس السابق محمد مرسي ، وتسخر كل امكانياتها المادية والاعلامية والاستخباراتية - بالتعاون مع أصدقائها وحلفائها في الغرب - لدعم وتأييد عودة الاخوان المسلمين الى الحكم ، غير عابئة بالارادة الشعبية التي أطاحت ب "المعزول" وعشيرته ، بينما تتخذ سلطنة عمان أيضا منحى يشبه القطري ، وإن كان أقل حدة على أي حال، ولا يخفي هنا وجود "أصابع ايرانية" تحرك المواقف القطرية تجاه مصر ، خاصة بعد أن ضبطت الدوحة تردداتها على موجة التحول الجذري الذي طرأ على العلاقا الأمريكية - الايرانية في ضوء الاتفاق الذي تم بمشاركة الدول الكبرى الخمس الاخرى ( روسياوبريطانيا وفرنسا والمانيا والصين) . إمعانا من الدوحة في ركوب الموجة الأمريكية ومحاولة اقتناص دور " أكبرمنها حجما" بين دول المجلس ، انبرى وزير خارجيتها خالد العطية يوم السبت الماضي باقتراح ربما يلاقي استحسانا من واشنطن ودول الغرب ، وحتى من دول الخليج العربية نفسها ، بايجاد صيغة جديدة للاتفاق النووي الايراني أطلق عليها مصطلح (5+2) بحيث يتيح لدول مجلس التعاون الخليجي ان تكون طرفا في هذا الاتفاق باعتبارها شرؤكا اساسيا في الاستقرار الاغيمي .. وإن كان الاتفاق قد تم ابرامه ودخل حيز التنيذ الفعلى ، الا أن ما ستطرحه قطر أمام قمة الكويت - وبتخطيط من حلفائها الاستراتيجيين - هو ايجاد آليات اضافية في اتفاق (5+1) تتيح التشاور معدول مجلس التعاون الخليجي واشراكها في "ترتيبات ما بعد الاتفاق " بطرق يتم التفاوض والاتفاق عليها. ولكن .. هل سيلاقي هذا المقترح القطري استحسان دول المجلس؟ ربما قبل ان نحاول الاجابة على هذا السؤال ينبغي علينا ان نرصد سريعا بعض مواقف دول " قمة الكويت" من هذا التحول الاستراتيجي التاريخي في العلاقات بين واشنطنوطهران ، وما يترتب عليه م تغيرات مرتقبة في خريطة التوازنات الاقليمية ، ظهرت مؤشراتها في ما يمكن اعتباره " خطاب تهدئة " صادر من ايران لدول التعاون الخليجي ، يدعو الى تعاون مؤسسي بين الطرفين الايراني والعربي .. يليق بمرحلة الانفتاح الايراني على الغرب ، وهو ما سيكون له أثره بلا شك وورد فعله على دول الخليج العربية التي سيكون عليها ان تحاول امتصاص صدمة الاتفاق الايراني - الغربي المفاجئ ، حتى وإن كانت تعلم علم اليقين ان ايران هي ايران وان سيساتها الاقليمية لن تتغير ، بل وربما تزداد شراسة فيما بعد، وإن كانت تحاول تصدير رسالة معاكسة لذلك. عمليا .. نستطيع رصد عدة مؤشرات هامة تتمثل فيما يلي : - دولة الامارات العربية المتحدة استقبلت وزير الخارجية الايراني محمد جواد الظريف في ابو ظبي الاسبوع الماضي ، وتحدث هناك عن التعاون المؤسسي بين الطرفين وعن ان ايران تسعى الى الاعتدال والعقلانية والوسطية في علاقاتها الدولية .. كما انها تؤمن بان الاستقرار والامن مرهونان بالحلول السياسية لا العسكرية - على حد قوله . وخلال هذا اللقاء رصد المراقبون شيئا بالغ الاهمية ، وهو ان احدا من الجانبين لم يتحدث عن الجزر الاماراتية الثلاثة التي تحتلها ايران! - العلاقات بين سلطنة عمانوايران لم تكن ساخنة من قبل .. وجاءت زيارة السلطان قابوس الى طهران مؤخرا لتزيدها قوة وتنسيقا . - قطر كما سبق أن أسلفنا تعزف على الأوتار الأمريكية في علاقتها مع طهران .. والود كان دائما موصولا . - البحرين استضافت خلال الأيام الثلاث الماضية من 6 الى 8 ديسمبر اعمال الدورة التاسعة لمنتدى "حوار المنامة" بمشاركة نحو 50 وزير خارجية ودفاع ورئيس هيئة أركان ومسئول ، ومن أبرزهم وزير الفاع الأمريكي تشاك هيجل ، وبمشاركة كاظم سجاد بور مستشار وزير الخارجية الايراني .. وهي المشاركة الأولى لايران في أعمال المنتدى بعد ان قاطعته عام2012 بسبب توتر العلاقات الدبلوماسية بين المنامة وطهران بسبب الأزمة بين البلدين في 2011 واتهام البحرينلايران بالتدخل في شئونها الداخلية . وتطرق هيج في كلمته الى محاولة طمأنة دول الخليج العربية بشأن الاتفاق مع ايران ، موضحا انه ياتي انطلاقا من الاقتناع بضرورة البحث عن حلول دبلوماسية بدلا من الدخول في صراع نتائجه غير مضمونة .. ومؤكدا ان هذا الاتاق سبعزز الامن في منطقة الشرق الاوسط ، وان عملية رصد تطبيق هذا الاتفاق ستنطبق على جميع الاطراف .. وان الالتزام بالقضية النووية لا يعني السماح لايران بالقيام بما يحلو لها في المنطقة - على حد قوله. - أما الامملكة العربية السعودية فقد تمهلت في اعلان موقفها من اتفاق ايران والدول الست الكبرى ، ثم خرج تصريح مقتضب بعد ذلك من مجلس الوزراء السعودي ، ينص على انه " اذا كان هناك حسن نية يمكن لهذا الاتفاق ان يمثل خطوة اولية نحو ايجاد حل شامل للبرنامج النووي الايرني .. وهو نا اعتبره مراقبون انعكاسا للغضب السعودي بشأن مستقبل السلام النووي في المنطقة ، والذي عبر عنه الامير محمد بن نواف بن عبد العزيز سفيهالمملكة لدى بريطانيا لمجلة "تايم" الامريكية منذ ايام ، قائلا : إن بلاده لن تقف مكتوفة الايدي وهي تتلقى تهديدا نوويا دون ان تفكر بجدية في افضل الطرق للدفاع عن نفسها وعن منطقتها . وبدورنا .. فاننا نرى في هذا الموقف السعودي ما يبرر دفع المملكة بقوة في اتجاه ادراج مسألة اعلان قيام الاتحاد الخليجي ضمن اعمال قمة الكويت .. خاصة وان فكرة هذا الاتحاد - وفقا لوزير الخارجية السابق الشيخ محد الصباح ، بدأت بمقترح كويتي اوائل الثمانينات من القرن الماضي قبل ان يتحول الى معركة دبلوماسية ضروس مع كل من ايران والعراق الجاران اللدودان لدول الخليج .، حيث غضب واستشاط البلدان من الفكرة واعتبراها تهديدا مباشرا لهما .. رغم أنهما كانا في حرب مستعرة بينهما في ذلك الوقت . وهكذا تتبنى السعودية بقوة فكرة اشهار سلاح الاتحاد من جديد في وجه ايران المبتسم المنتشي بانهاء ازمة ملف صراعه النوويةمع الغرب . ويبقى وسط خضم هذه المواقف السابق استعراضها ، دور الكويت التي تستضيف القمة الخليجية ، والتي يقود اميرها الشيخ صباح الاحمد الصباح دبلوماسية " التهدئة والواقعية" الساعية الى لم الشمل والانضباط في التعامل مع امعطيات السياسية المستجدة ، وخاصة فيما يتعلق بمواقف دول مجلس التعاون من الملف الايراني، وكذلك العلاقات الخليجية - الخليجية . ومن هنابادر الشيخ صباح الى عقد القمة الثلاثية المصغرة التي جمعته مؤخرا مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن هبد العزيز وامير قطر الشيخ تميم بن حمد أل ثاني أمير قطر ، في ضوء الخلاف السعودي القطري حول مصر ، والذي وصل الى حد تردد انباء عن تهديد الرياض بطلب تجميد عضوية قطر في المجلس ، وهو ما يهدد بزعزعة التعاون الخليجي في وق تحتاج في دول المجلس الاى الاتحاد اكثر من اي وقت مضى 0 نستنتج من كل ما سبق .. ونجيب على السؤال السابق طرحه بما يلي: - الأرجح هو انوتنجح دبلوماسية لم الشمل الكويتية في احتواء الخلاف السعودي القطري ، على ان تثبت الدوحة جديتها في التعاطي بمنظور مختلف واكثر عقلانية وهدوءا مع الشأن المصري . - والأكثر منطقية عو ان تفلح جهود القيادة الكويتية في ارجاء مسألة اعلان الاحاد الخليجي من اجل اجراء المزيد من الدراسات لشكل هذا الاتحاد والياته التي تضمن استقلال الدول الاعضاء ، وحفاظا على كيان مجلس التعاون بعد ان هددت سلطنة عمان رسميا بالانسحاب منه ، وانطلاقا من قاعدة ان "المجلس نشأ ليبقى" التى استهلينا بيها هذا التقرير . - والاوقع هو ان تتمخض قمة الكويت عن صياغة آلية مقترحة تضاف الى اتفق (5+1) تمكن دول المجلس من الاشتراك في المحادثات النووية حفاظا على الاستقرار والأمن الاقليميين. - وتبقى مسألة بحث انضمام اليمن الى عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، هي القضية المعلقة والمؤجلة دائما في جميع دورات انقاد قمة المجلس الاعلى لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.