لا جدال انه شيء صعب للغاية أن تنقسم الدولة الواحدة بعد آلاف السنين إلي دولتين ويتفرق الشعب الواحد إلي شعبين. هذا هو حال السودان الشقيق الذي يقترب للتحول إلي دولتين احداهما في الشمال والأخري في الجنوب. ولا يمكن لاحد ان ينكر الايادي الخفية التي مارست تصعيد الخلاف بين الجانبين في إطار من التحرك المبرمج انحيازا لانفصال الجنوب عن الشمال. وليس خافيا أنه كان وراء هذه التوجهات أطماع اقتصادية استعمارية استغلت بعض الاخطاء في التعامل مع بعض المشاكل الجنوبية لاثارة روح الانفصال. كل الدلائل تشير إلي ان الولاياتالمتحدة والتي احتلت دور بريطانيا الدولة التي استعمرت الشمال والجنوب لعقود طويلة.. تعمل من أجل تقسيم السودان إلي دولتين. ليس أدل علي هذه الحقيقة من تصريحات بعض المسئولين الأمريكيين المؤيدة لهذا المخطط علي ضوء الضغوط التي تمارسها ادارتهم من أجل تحقيق هذا الهدف. علي ضوء ما يحدث كان طبيعيا أن تظهر في الأفق الكثير من الأزمات التي تسبق الاستفتاء الذي سيجري في شهر يناير القادم لتكريس مضمون هذا المخطط . وتقوم الحكومة السودانية بمحاولات شبه مستحيلة من أجل انقاذ وحدة السودان من خلال استثمار اصوات الجنوبيين الذين استوطنوا وعاشوا في الشمال ضمن الدولة الواحدة مستهدفة من وراء ذلك ان يكونوا ورقة في يدها لافشال التصويت لصالح الانفصال. ويقول البعض ان عدد هؤلاء الجنوبيين الذين ارتبطت حياتهم باستوطان الشمال يزيد عددهم عن عدد الجنوبيين الذين يعيشون علي أراضي الجنوب. وقد ظهر هذا جليا في عمليات القيد في جداول الادلاء بأصواتهم حيث يتبادل المسئولون عن الحكم في الشمال والجنوب الاتهامات حول التأثير السلبي علي اتجاهات هؤلاء الناخبين. وتري الحركة الشعبية الحاكمة ذاتيا وفقا لاتفاق السلام للجنوب السوداني ان مستقبل منح الجنسية وحق الاقامة للجنوبيين بعد الاستفتاء يعد ورقة ضغط كي لا يصوت جنوبي الشمال لصالح الانفصال. في نفس الوقت تتهم حكومة المؤتمر الحاكم في السودان الحركة الشعبية في الجنوب بالتلاعب في قيد الناخبين والقيام بحملات دعائية لا يقرها اتفاق الاستفتاء من أجل الدعوة للانفصال. وأعلن حزب المؤتمر ان استمرار هذا التيار يعني عدم الاعتراف بنتيجة هذا الاستفتاء المقزز. وليست مشكلة الجنوبيين المقيمين في شمال السودان هي المشكلة التي تهدد بالصدام بين اخوة السودان الموحد حاليا وإنما هناك أيضا مشكلة إقليم »أبيي« الغني بالبترول. ان هناك معوقات أساسية تقف امام اتمام الانفصال الذي يستهدف الاختيار بين الشمال أو الجنوب.. ويحاول الجنوبيون ان يقتصر هذا الاستفتاء علي أهل الجنوب من أصل زنجي وحرمان أبناء قبائل المسيرية العربية الاصل التي تعيش في الاقليم منذ مئات السنين من حق الإدلاء بأصواتهم وهو ما ترفضه حكومة الخرطوم. وتتصاعد الجهود حاليا لمنع انفجار العنف بسبب هذا الإقليم وهو ما يدفع بعض الأطراف المنغمسة في المشكلة الي محاولة التوصل إلي حل وسط يقوم علي تقسيم الثروة البترولية بين الشمال والجنوب. ان ما يجري علي أرض السودان هو نفس السيناريو الذي جري في العراق والذي لعبت فيه الولاياتالمتحدة علي وتر اثارة النعرات الطائفية والعرقية التي أصبحت تهدد وحدة هذا البلد العربي. والسؤال الآن عن طبيعة هذا الدور الامريكي الاستعماري الذي يركز علي تفتيت الأوطان العربية والإسلامية والعمل علي تحويلها إلي ساحة من الصراعات . لا جدال ان كل هذه الالاعيب لصالح هدف معين ومحدد تعمل في إطاره السياسة الأمريكية.