اثارت القمة العربية الثانية والعشرون في سرت عدة تساؤلات قبل ان تعقد. وقد ارتبطت تلك التساؤلات بجدواها لغياب عدد من القادة العرب من الدول مهمة تمثل من حيث الكثافة السكانية والامكانيات الاقتصادية والعسكرية والثقل السياسي، فإن اكثر من نصف القوة العربية. وبعيدا عن تفصيلات الاحداث في القمة وبعض مفاجأتها فأننا نسوق بعض الملاحظات العامة التالية حول قمة سرت ونتائجها: الاولي: ان اهم بندين علي جدول اعمال القمة وهما عملية السلام بما في ذلك قضية القدس والمصالحة العربية لم يتحقق فيها الكثير رغم ان موضوع القدس حظي باهتمام كبير سياسي وإعلامي سواء بطرح مساعدة تبلغ 005 مليون دولار لصندوقي القدس والاقصي اللذين تم انشاؤها منذ عام 1002 او يطرح فكرة انشاء مفوضية للقدس، ولكن الجلسة المغلقة اظهرت ان الخلاف بين المشاركين كان واضحا وعميقا، فالرئيس السوري مثلا لم يلتق مع الرئيس الفلسطيني وتأجل اتخاذ قرار بشأن فكرة التجمع الذي يضم دول الجوار العربي التي طرحها أمين عام الجامعة وايدتها بعض الدول ونحو ذلك. الثانية: ان بعض الطروحات التي عرضت علي القمة كانت شكلية وإعلامية اكثر منها تعبيراعن سياسة واقعية مدروسة، ولعل في مقدمة ذلك الدعوة لإنشاء تجمع يضم دول الجوار العربي والدعوة لانشاء مفوضية القدس. والامران يحتاجان لدراسة متعمقة وجادة لبحث مدي امكانية قيامها وكيفية التطبيق العملي لذلك، ولو نظرنا لفكرة تجمع من دول الجوار العربي فأننا نجد ان الخلافات بين دول الجوار العربي مع الدول العربية ذاتها وبخاصة الدول الرئيسة متعددة، فلكل دولة من هذه الدول أولوياتها وسياساتها التي تتصادم مع السياسات والمصالح العربية من الناحية العملية، رغم الاطروحات والشعارات العامة، فالحقائق علي ارض الواقع بخلاف ذلك. ولعل التساؤل الثاني اذا كانت دول الجوار العربي لإسرائيل لم تستطع تنسيق مواقفها، وبينها خلافات كثيرة، فكيف ينسق العرب بأسرهم مع دول الجوار العربية، بافتراض ان مثل هذا التجمع امكن انشاؤه، وسياسات ايران وتركيا واثيوبيا وهي اهم دول الجوار العربي تتعارض مع سياسات دول عربية رئيسية في جوهرها، فبعض تلك الدول لها ارتباطات وثيقة مع اسرائيل بل علاقات استراتيجية معها، وبعضها الآخر له ركائزه في المنطقة العربية وهي ركائز تسير في ركابه ويستخدمها لاستراتيجيته ومصالحة الدولية اكثر من المصالح العربية، كما ان بعضها يهتم بفكره المذهبي ونشره مما يثيرخلافات عميقة مع بعض الدول العربية وبعضها يتخذ علاقاته مع الدول العربية وكأداة للضغط في علاقاته مع قوي دولية اخري لمصلحته الخاصة، اي ان الطرح هو طرح دعائي اكثر منه عملي، ولعل التنسيق والتحاور مع هذه الدول في اطار الاممالمتحدة والمنظمات والمؤتمرات الدولية هوالايسر والاسهل فيكون ذلك بمثابة سياسة واقعية. اما بالنسبة لمفوضية القدس فهناك لجنة القدس برئاسة المغرب منذ عهد الملك الحسن الثاني،وماذا ستكون علاقة المفوضية مع اللجنة؟ وكيف سيتم تنظيم عملها؟ ومن سيتولاها؟ وكيف تتعامل هذه مع اسرائيل المسيطرة والمحتلة للقدس في ظل بعض الدول والقوي الاعتراف بإسرائيل؟ وكيف ستتعامل مع القوي الدولية الاخري. الثالثة:ان خطب الرئيسين السابق والحالي للقمة وبعض الرؤساء الآخرين، فضلا عن خطاب الامين العام لجامعة الدول العربية وجهت النقد للنظام الرسمي العربي، هي اقرب لخطب المثقفين ومنظمات المجتمع المدني، ولكن المشكلة ان هؤلاء جميعا وكذلك القادة الآخرون هم جزء اساسي من النظام الرسمي العربي، المتصور انهم يضعوا لنا خطة عملية مدروسة حول كيفية تفعيل هذا النظام بدلا من نقدهم اياه، بأسلوب نقد المثقفين العرب الذين ليس لديهم سلطة اتخاذ القرار. الرابعة: بالنسبة لقضية فلسطين وعملية السلام فأن بعض الدول التي شاركت في قمة سرت لم تقم بالدور المناسب لرأب الصدع بين الفلسطينيين، بل ربما قامت بعكس ذلك، ومن ثم فهي جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل. كما ان بعضهم لم يضع موارده وإمكانياته للضغط علي القوي الدولية المؤيدة والمساندة لإسرائيل حتي تضغط عليها الاتباع سياسة عقلانية تؤدي إلي تسوية بدلا من سياسة القمع الاسرائيلي للفلسطينيين، واقتطاع اراضيهم، وممارسة لعبة اضاعة الوقت، وهذه اللعبة اصبح يمارسها بعض الفصائل الفلسطينية فيما بينهم مما ادي لعدم تحقق المصالحة الفلسطينية، وهذا كله يصب لمصلحة اسرائيل. الخامسة: ورغم ما سبق فإن الاطلاع علي الوثائق التي صدرت من القمة يظهر علي ثلاث حقائق الاولي: اضافة بعض العناصر والافكار الجديدة مثل: مؤتمر دولي حول الدفاع عن القدس، وان لم يشر إلي ضرورة المشاركة الدولية بأن يكون تحت مظلة او بمشاركة الاممالمتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي او الاتحاد الافريقي والاتحاد الاوروبي وغيرها ولو كمدعوين الثانية: تكرار المواقف التقليدية حول العراق والسودان والصومال وجزر القمر ونزع السلاح والتغير المناخي والتضامن العربي والحوار مع الدول الاخري والتعاون العربي الافريقي الثالثة: إضافة اجتماعات جديدة دائمة وان وصفت بأنها استنائية علي مستوي القمة. السادسة: ان اهم المقترحات تم تأجيل القرار بشأنها او الالتجاء للصياغات العامة وهما فكرة رابطة مع دول الجوار، فقد صرح الامير سعود الفيصل ان الفكرة في غير اوانها لانه لابد ان تغير ايران سياستها تجاه الدول العربية. وبالنسبة لتطوير العمل العربي الذي احيل إلي لجنة خماسية من رؤساء ليبيا ومصر واليمن وقطر والعراق بمشاركة الامين العام فأنها مقترحات قديمة يتم تكرار طرحها من حين لاخر دون جدوي حقيقية. الثامنة: كانت كلمة رجب طيب اردوخان رئيس وزراء تركيا انشائية وبلاغية وعاطفية واستخدامت عبارة قوية مثل كلمة »الجنون« ولكن لوحظ ان نص الخطاب علي موقع المؤتمر لم يتضمن هذه الكلمة. وباختصار نتساءل ما هو الجديد حقيقة الذي قدمته القمة العربية الثانية والعشرين؟ وهذا التساؤل طرحه العديد من الكتاب والمثقفين وجماهير الشعب العربي الذين دأبوا علي نقد الموقف الرسمي للنظام العربي والان انضم لهذا النقد مسئولون عرب علي مستوي رؤساء الدول فأية مفارقة هذه؟ ونقول إننا في حاجة إلي شجاعة وإرادة عربية من نوع مختلف، فالشجاعة ليست في نقد الاخر او في نقد العدو، وانما الشجاعة الحقيقية في نقد الذات ومطالبتها بتصحيح اولوياتها وسياساتها وتصوراتها. اما الإدارة فهي ترتبط بإمكانيات الدول العربية جميعا، وهي إمكانيات هائلة وضخمة ولو توافرت الارادة الحقيقية في استخدام هذه الموارد كأدوات للضغط العربي علي المستوي الدولي بالنسبة للدول المساندة لاسرائيل علي غرار ما حدث بعد حرب 3791. هذا ويظل العرب في انتظارما تسفر عنه الضغوط الامريكية علي اسرائيل او كما في المسرحية المشهورة في انتظار جودو. كاتب المقال : باحث في الشئون الدولية